الزخم الصًوري وتَكثيف محمولات الأسماء دلالياً - عدنان أبو أندلس

  • 21-11-2020, 14:26
  • نقد
  • 1 067 مشاهدة

رسالة سابقة لأوانها بوداع مؤلم ، ووصية مختومة بلوعة

 قصيدة " صباح الخير ... بعقوبة "  للشاعر الراحل إبراهيم الخياط
الزخم الصًوري وتَكثيف محمولات الأسماء دلالياً

رغم إن القصيدة قد كتبت قد رحيلهِ بـ عقدين من الزمن أو أكثر ، لكن حين نتفحص إستذكاراتهِ المبثوثة في المتن النَصي ، قد يأخذنا العجب بتلك السيميائية المذهلة ، والإستنساخ الحياتي الذي سبق أوانهُ ، يأخذنا العجب  بذهول !..  بما آلت لهُ روحهُ من تنبؤ لما يحدث لهُ  في قادمات الأيام  وهو القائل : " هي القيامة قد قامت \ وفيها واحـدة لا تكفي \ فكم “ نجف” تحتاجين بلادي \ في ازدحامات الحروب " 1. قد يبدو للمتلقي كأنها" القصيدة "  سبقت رحيله بيومٍ أو ليلة أو ربما ساعة الإحتضار. فـ " التحية " التي  إستهل عنونتهِ بتحية  متمدنة وبتفاؤل متضمخ بالطيبة  " صباح الخير " التي أعادتنا إلى أيام الهناء ، فرؤى القصيدة بما يشبه إحصائية  وإستبيان وتقصي  بجرد الأمكنة المُحببة للقلب ، نعم إستذكرها وكأنهُ على دراية بنهايتهِ  المؤجلة ، لذا زج كل هذا الزخم الإستذكاري " الصوري " والتكثيف الدلالي كي تبقى تعيش معهُ أينما رحل ،  فهذهِ الاستعادة هي رائحة المتعبين وعرق الكداحة والطيبة ،  هي رجع الأصداء عبر أشواق تكاد أن تكون أشبه برسالة برموز مشفرة ومختومة كما بوصية صاحبها ، تراهُ يتعاطاها بحميمة من المنفى وجبهة القلب ،  يرسلها عبر الأثير يود أن يسمعها كل من في بعقوبة من بشر و شجر , حجر و مدر , ماء و هواء و أهواء ، هذا ما جاء في قصيدتهِ " صباح الخير ... بعقوبة " من ضمن مجموعتهِ الشعرية " جمهورية البرتقال " من منشورات الإتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق – دار الشؤون الثقافية العامة -2007 ، إخترتها من بين كل هذا التَحشد الحيَاتي اليَومي ن وكما هو القدر الذي إختارهُ من بين ثلة من أصحابهِ ، هي مواءمة مع الحدث الذي غيبهُ ، كون القصيدة رسالة سابقة لأوانها بوداع مؤلم ، ووصية مختومة بلوعة إستذكار للذي ذكرهُ وإستذكرهُ حُباً مكثفاً لما رأهُ وسمعهُ حتى جاءت الأسماء والصور والشخوص والأشخاص والمحمولات والإستدلالات  بمحبة أليفة . نرى قد ذكر التضاد العيني ، من  المهمش والبارز ، المنسي والمذكور ، الغائب والحاضر ، المركزي والفوضوي   ، المتحزب والحيادي ، المسكين والمستكين ، حتى  جاءت القصيدة كلوحة تشكيلية تظم ما خطر بمخيالهِ من طرق الموروث الشعبي بإمتياز ، حتى تحية " صباح الخير " والتي  أستفتح بها نصه نكاد أو  ما عدنا نسمعها ألان ، وكأنها لا توائم حياتنا المؤدلجة بفعل بث ريح ما لا نشتهيها قد تطبعنا عليها قسراً وقهراً. وقد أراها تتناص مع " أرض البرتقال الحزين " المخطوطة والمدونة بلوعة ورؤى الشاعر " غسان كنفاني " والذي يقول الناشر : هي محاولة " كنفاني " الثانية لتأسيس رؤية إبداعية للأفق الفلسطيني الذي سيبقى بكلماتهِ ، والأفق يأتي ممتزجاً بالذاكرة " 2 كما هو عند " الخياط " الذي وظف بشمولية جمهوريتهِ بلك القصيدة المنوه عنها فكانت  رؤاها من أفق المدينة " بعقوبة " بكل غنجها ودلالها وعذوبتها وعفويتها .
 يسترسل الشاعر الخياط في قصيدته الاستذكارية " صباح الخير ... بعقوبة " .  
 تحيته الفضية أو رسالته المتلئلئة بإبلاغ السلام على يوميات ومشاهدات تراها تؤرقهُ حباً كي يصحو أبداً  ، وكأنهُ يودع مدينتهِ برسالة مكثفة من محمولات الأسماء ، كوصية أودعها بيد صديق صادق  وإستحلفهُ أن يمر على كل ما في الرسالة من مسميات كي يبلغهم التحية ، وكما قيل عنهُ " تستند المفردات الشعرية في قصائد الشاعر إبراهيم الخياط على عمق الصورة الإيحائية ذات المدلولات الحسية والرمزية التي تستمد من التراث الحضاري لهذا البلد ومن أوجاع القاطنين فيهِ " 3  :
                صباح الخير على الشَاخة
                على الصبحِ
                على الأحبة
                على شارع "الأطبة"
                على المساطر المكتظة
                بالفج و العمال و العبوات
                على "العنافصة"
               على الملاية "مائدة" 4
       
 على الشاخة , على الصبح و الاحبة وشارع  الاطبة , على المساطر المكتظة , بالفجر و العمال و العبوات , الى الكادحين و اشخاص و مسميات عزيزة على نفس الشاعر حيث يهندس سرديته بلهفة مرتحل أو مرحل , مهاجر أو مُهجر ،  مسافر أو مسفر قسرا" لمحطة تكاد أن تكون خالية ، هكذا يحس البعيد في إستذكارهِ كل لحظة . هذا الإكتضاظ الحياتي قد صورهُ في صباحية مدينة تعبق منها روائح الدنيا قبل أن تلوثه أنفاس المارة ، خلتهُ يطلُ عليها من نافذة  منارة عالية تتراءى أمامه كل المعالم ،  ولسان حاله يقول " صباح الخير يامدينتي " المدينة التي تغفو على إنسيابية " ديالى " وتصحو على تغريد البلابل في بساتينها ، هي الأقرب لقلبه الشجي . نعم رسم صورة الصباح بلوحتهِ وكأنهُ يراقب بزوغ الشمس من مساطر العمال – صوت الملاية – الشَاخة ، هي مواقيت تخزنها ذاكرته .
 المكان يفضي بنا الى محور الانفتاح " بعقوبة " بكل جمالها و جماليتها و قرينتها البرتقال بعطره الزكي
 هاتان التؤمتان المتعانقتان أبد الدهر , لا تذكر بعقوبة منفردة من دون البرتقال " الفردقال "  هكذا ينطقها أهل
 بعقوبة حصرا" , لذا ان الخياط بعقوبي حتى النفس الاخير .
 يستمر الخياط بتحياته وفق لغة واقعية الطرح بالمتضادات " السجن و الحمامة / الجنة و الجحيم / المحافظ و فوزية "  لماضي يسرده من واقع المدينة وهو لم يوظفها لغرض الزخرفة أو التزويق ، وإنما ترك المسميات على حالها بلهجتها المحلية المعهودة حيث تأسف على خبو سطوعها و فقدان ملامحها .
 ان الخياط استنطق الاشياء و منحها صفة " العقلانية "  لذا أبلغها التحية حيث استخدم الضرورة لملائمة الايقاع و القافية في مفردة " الأطبة " بلهجتها الدارجة المحلية كي تلائم مفردة " الأحبة " .
 ان القصيدة يومية نلمس بها حالة الزحام الكثيف في التسميات  والزخم الصوري  في إحصائية بما يشبه " الإستبيان " المعرفي للمشهد اليومي المألوف ، غرضهُ أن يغطي ويحيط