ذكرى اغتيال المفكر كامل شياع / ناجح المعموري

ناجح المعموري
  • 17-08-2023, 20:30
  • مقالات
  • 1 035 مشاهدة

صار كامل في منفاه ، رمزاً ثقافياً بارزاً ، وملمحاً ثقافياً ، رشحه ان يكون مستشاراً لوزارة الثقافة وبالتالي افضت به مسؤوليته الى الاغتيال ، لأن الحركات الاسلامية وجدت مستشاراً مدركاً وواعياً وقادراً على الجدل وتصويب المشاريع وتصحيح الخطى وكان موته خسارة كبيرة للوسط الثقافي . ترك كامل سجلاً من السيرة المهمة الثقافية على الرغم من تجربته بالمحافظات كانت قلقة ومنحازة للوزارة وغير متفق مع الجماعات الثقافية التي فرضت الظروف والمناسبات عليه التعاون معها . للمنفى تأثير كبير على المثقف ، واعترف سعيد ويقرّ بفضل المنفى فيما كتب وفي صياغة رؤاه المختلفة العميقة / تأملات حول المنفى / ص144 .

من الملاحظات الجوهرية الموضحة لانهمامات كامل شياع ، وهو يكتب رسائله وخصوصاً المرسلة الى اخيه مصطفى ، والاخرى المبعوثة لبعض من اصدقاء ، هي التقاط مشاهد اليومي البسيط ، لكنه مزدحم ومكتظ بالحوارات بين الافراد . بروز الشعرية بلغته والهدوء الرصين ، السخرية وعنايته المكشوفة بكشف الاسرار ، والبوح مع بروز العفوية ، وسيادة الكلام الشفوهي . لا يتكلف استهلالات ما يكتب بل تتضح عفوية ما يكتبه لأخيه . لم يترك رحلاته مثلما تتبدى له ، بل قال عنها بشكوكية بينة ، لأن تفكيره بما يشاهد في رحلاته لا يساعده على تقويم ما يريد الاعلان عنه والكشف والتقاط الكلام الشفوي ، البسيط الجاذب للأخر وهو خبير بالكيفية والشروط المراد العناية بها من اجل الكتابة والتميز بما يكتب ، يجب ان تحوز شروط التواجد والعيش الحقيقي في المنفى ، انها شروط الطوارئ ، بينما المنفى يبدأ حينما يجد المرء ، نفسه في وضع عادي ... يومي .... بعيد نسبياً عن التهديدات المباشرة والاعاقات . اعترافه تلقائي بما هو متسيد في المنفى ، يكاد يكون الاختلاف مع وطنه بسيطاً لكن التفكير المحاذير والتعمق بتأويلها يضع الوطن هامشاً مع المنفى ، ولا فرق بين الاثنين . وهو ذاكرة حية ويقظة لأنه يتذكر قلقه وحزنه منذ بدأت افكر . رغم ذلك فأنا اتعثر بالكلمات ، واسقط فيها أخيراً ، لكن اقول أنه لا يمكنني اجلاء بعض الكدر ، واعول على الكتابة كثيراً .

يمتلك كامل بوصفه إنموذجاً للمنفى، كلاماً مختزناً ، قال منه ما هو مثير ، وملفت للانتباه لمن لا عرف المنفى بشكل جيد . هو خائف ، والاحساس بالمراقبة قوية مراقب ينتظر المعاقبة ولديه ما يريد ان يقوله في الفترة التي تكون حريته اكثر قوة وتتقشر كل متاعبه وهو الذي قال " ان ثأري سيحين في فرصة اخرى .. وهو الذي وضع شروطاً للكتابة ، هي ذاتها شروط الكاتب وبحاجة الى سنوات من الكتابة حتى يحوز شروطها وشروطه ، ومثل هذا الكلام معروف لنا منذ بداية اشتغالنا بالتدوين ، حتى نمزق اكثر مما نحتفظ به .

الكتابة اللائذة بالشعرية ، ذات الصفاء والشفافية ، ثمرة اختراق اللغة ، والذات كما قال كامل ، سنوات من الاختزان وامتلاك ما هو شامل .

الاضطراب عام ، والتشوش يلغي الاستقرار ويطمس لحظات الجمال ، التي يحوزها وهو يراقب ما موجود ، في الاماكن والقاعات . ولكن لا يتعامل كامل على حقيقة ما يعيشه ويتنفسه . هو مشدود لمكانه الاول وهو الضاغط عليه لا يقوى نسيان ما يبوح به خزان الذاكرة ذات الارادة القوية ، التي قادته تحت ضغوط لم يعرفها احد من قبل ، حتى تفكيره باهله قليل ، لا اخبار من الاهل ، ولم أكتب لهم منذ فترة ، ولا اعلم سوى ان " حسبه تجيبني وحسبة توديني " وهذا المقطع الغنائي ، هو الشعرية التي بحاجة لها ، يستذكره ويريد العيش به ، ومعه للأبد حتى يتخلص من المنفى ولا توجد اكثر شفوية  ومحبة ، من شعبيات الاغاني وهذه التلقائية غذاء المنفي ومعززه طاقته ، فالجمال ترصين للكائن ومؤهل له لحظة الكتابة .

يبدو لي من خلال متابعتي لأدوارد سعيد وكتبه الكثيرة ، وفي مكتبتي وجدته مغرماً كونراد وذهب اليه بوعي عال ، ومهارة كبيرة التقط تجوهرات الآخر وعلاقته بالحياة ، والخسارة المواجهة له وسقوط البطل في البحر وما ستفضي اليه السرديات ولكني اخذت من كونراد سعيد ملاحظات شفافة ووجدت كامل شياع مندهشاً بكونراد وحاز فيه ما توفر على دهشة الكلام . وبلاغة الكلام الذي غذى كامل شياع ، واعتاد كتابة كلام شفاهي ، لكنه الشعرية التي نريد .   

يقول كلاماً سهلاً وبسيطاً ، لكنه يجبرنا ملاحقته ، واستعادته اكثر من مرة ، وتأمله والغور بتأويلاته ، من اجل البحث عن العمق ، في مكامنه ، ومن هنا مهارة كامل شياع وصعوبة تجوهراته ، لأنه خبير بسياسة الشعرية وبلاغة الشعر واستعاراته .

انا واثق ، بأن كامل قد اطلع على كتاب ادوارد سعيد " تأملات حول المنفى " وعرف اهتمامات سعيد بالروائي جوزيف كونراد، والدروس المستخلصة التي حاز عليها ادوارد سعيد وسحرته والتقط منه ، لأنه يهرع وراء مكامن اللغة ومستوراتها لذا التقط نصاً لكونراد ولأهميته سألتقط بعضاً منه ، لأنه طويل .

" تبدو شخصية المرء مجرد قناع تنكر ، فتهافت وعبثي الشيء ، يصعب تعريفه ، حينها يكون تحقيق السكينة ليس بعيداً جداً ، ما يتبقى عندئذ مجرد استسلام لتلقائية المرء صدق احاسيسه المستجدة التي تكون اقرب الى الحقيقة ، من اي فلسفة للحياة . ولم لا ؟ فان كنا في صيرورة دائمة ــ دون ان نكون أبدأ لذا من الحماقة ان حاولت ان اكون هذا الشيء بدلاً من ذلك ، لانني اعرف جيداً اني لن اكون اي شيء . لذا من الافضل لي امتلاك قناعة راسخة بإخطائي ، واتحدى اسرار السماء جوزيف كونراد / فيصل عبد الله / ص60 .

اختيار كامل للمقطع النثري لجوزيف كونراد قصدي ، لأنه ينطوي على تمثيل لأفكاره العميقة والاخرى الطافية لنا اثناء كتابته ، لكنه قبل تكملته لرسالته ، الى فيصل واستمراره فيها لا يعلن حيوية المعرفة وحيوية الأقمار وتواجد الفلسفة معقد ، ولكنه يعطي مفتاحاً لفحص المكتوب ، او عدد من المفاتيح وهذه الرسالة رسمت بوضوح حدود شخصية كامل شياع ، وسعيه لملاحقة حافات الكلام ، القابلة بالتغيير من الشعر ، الى المفاهيم والقيم والافكار .

قال كامل مكملاً رسالته : المقطع الذي كتبه كونراد زاخر بفلسفة كاملة وان كانت عبثية وذاتية ، لكنها تمتلك اكثر من صلة مع مشاكل الفلسفة ، كما اتيح لي الاطلاع عليها هنا في معهد الفلسفة ، وهو ايضا يبرر لي هذا الانغمار اليومي . 

والعجز عن تلمس الصورة المحددة للنفس في خضم حالة تغير غير منقطع . انني امضي في سياق فيه تحد لي ، ذلك أنه مملوء بتوتر بين مطالب الدراسة وبين مطالبي الخاصة ببلورة شيء ، بامتلاك ملامح واضحة ، في لحظة ما يبدو لي ان كل المخارج مغلقة لأن مضمار الفلسفة بمقدار كونه مملوءاً بسوء الفهم . تراكمات تاريخية في سوء الفهم ، فانه ايضا لاستعراض ذكاء وعبقرية المتورطين فيه . / ن .م / ص60 .

لم تكن مغامرة كامل شياع شاعراً سهلة ، وبسيطة ، بل صعبة ، معقدة انها نوع من الخلق والابتكار الذي عرفته البدئيات الحضارية . لأن كامل يدرك بخبرة ووعي عال بأن الشعر مهمة ليست سهلة ، ولذا اختار الالهة مكانتهم العالية لحظة كتابة نصوص علاقاتهم الجنسية المقدسة.

كامل عارف جيد للأهمية التي ينطوي عليها الشعر ، واعني به الشعر الغنائي . فهو الحداثة وهي مسؤولية متعبة مطاردة بالفشل والسقوط . لقد عرف المفكر غادامير، عن الشعر وعلم الجمال معلومة ، ذات بلاغة وبريق للإثارة ، وهو الذي توصل بوقت مبكر الى غنائية الشعر / الكلام . لأن حداثة الشعر الان جعلته نوعاً من الكلام ، وهو ليس من صور او معان ، هذا ما قاله بول فالري الذي دافع عن الكلام بوصفه شعراً . وغالباً ما التقطه وكرره غادامير، وكان يؤمن بما قاله بول فاليري بأن اللغة الشعرية حاسمه الى حد معين وقال بول فاليري : حقوق الشاعر على اللغة . ان لغة الكلام الاعتيادية وسيلة عملية . انها تحل باستمرار مشكلات فورية وتتحقق مهمتها عندما يلغى المعنى كل جملة منها تماماً ويبطلها ، ويحل محلها . والفهم غايتها . اما الاستعمال الشعري من جهة اخرى ، متهيمن عليه شروط الشخصية ، والشعور الموسيقى الواعي والمستمر والمستدام / هانز جورج غادامير من انا ومن انت / ت : علي حاكم صالح وحسن ناظم / دار الجمل / 2018/ص201ــ202 .

 

.............................. 

لمتابعة نشاطات الاتحاد:

الويب/ الاتحاد:

https://iraqiwritersunion.com/

الفيس بوك/ الاتحاد:

https://www.facebook.com/iraqiwritersunion?mibextid=ZbWKwL

الانستغرام/ الاتحاد:

https://instagram.com/iraqi_writers?igshid=MzNlNGNkZWQ4Mg==

انستغرام متحف الأدباء:

https://instagram.com/writers_museum?igshid=MzNlNGNkZWQ4Mg==

الفيسبوك/ متحف الأدباء:

https://www.facebook.com/profile.php?id=100089542158676&mibextid=ZbWKwL

قناة الأدباء/ يوتيوب:

https://youtube.com/@user-db3ks4fl6m

 

https://iraqiwritersunion.com/cpadmin.php?mod=addnews&action=addnews