كامل الزهيري... معاطف الشعر

  • 24-08-2020, 23:52
  • نقد
  • 1 651 مشاهدة


محنة العقل العربي، ايام كان بدوياً، كلما ضاقت به الكلمات، راح يبتكر قاموساً مغايراً، حتى ثقلت خطوات الارواح بمسميات،مات بعضها بين احضان العتق، وظل البعض الاخر يرواد رغباتنا حتى لحظتنا الراهنة، اتسعت دائرة العبارة، فأعطت للحب، مسميات، ومنحت تلك المسميات، طبقات، حيرت العقول، حتى اصبح بعض منها رفيق الامراض الوجدانية التي انتشرت بين ثنايا المفازات والمدن، يقف الحبيب ، المتيم، الولهان، الذي ارتقى سلالم الحب ليصل الى اعلى الطبقات، ناعياً اطلال ليلاه، التي صارت هي الاخرى، عنوناً رمزياً، للعشق وهواجسه، تحت هذه اليافطة تحرك الشعر العربي، الذي تيم الارواح، باعثا ً فيها الوجد، والهيام، لم يك قيس بن الملوح سوى شرارة بدأ، تلاقفها عمر بن ابي ربيعة، ليوزعها على جمهور الغوات والشعراء، وصلت بقايا تلك الجذوة المتهوجة، لتحط بين يدي نزار قباني، الذي اشعلها بحضور شعري، عزل المرأة عن كل مايحيط بها، وابقى على شعاعات انوثتها البارقة، والخالقة لاشتهاء النفوس و ملامحها، لم يمنح نزار قباني بعض من جذوته لابناء جيله، من الشعراء، بل ظل متمسكاً بريادة الفعل والقول، حتى غدت قصائده اهم عناوين الحب، وفهم الانوثة، ملأ وسائد الليل، بصور واخيله، غريبة، ماتزال تلاحق تلك الارواح الشفيفة التي ما خبرت الحياة بعد، رغم تحول قباني ناحية النقد السياسي، لكنه بقي الخيار الامثل، ليخرج من تحت معطفه مئات الشعراء، في عموم بلاد العرب، تفحص الجميع تجربته المهمة والعطرة، فقرر الانتماء اليها، دون رغبة بالاستقلال، والابقاء على التبعية الابدية، هذا ما قرره الشاعر كامل الزهيري، الذي سرقته الحياة، من الشعر لسنوات طويلة، لكنه مالبث ان عاد مناجيا وهم حبيبة، واضعاً كل اشتغالات قباني نصب عينيه، منطلقاً من فهم ابتكره هو، من ان الحب وروافده لابد وان تمر من بين يدي نزار، هو الاصل، والباقي انما هم من المريدين، صار قباني درويش الشعر، الذي يمنح الانثى الف علامة تميز، وتميز، استحوذت عليه شهرزاد بقوة حجتها، وطغيان ذاتها التي صنعت ذوات حكائية مستنسخه، تأمل كامل الزهيري، قلف الاناث، وشغف القلب، وتكرار الرؤيا التي كانت تنقله من حلم انثى الى آخر، مع عجز في قواه التعبيرية، لم يجد غير معطف قباني، الذي يشبه معطف كوكول في عوالم السرد القصير، لينزوي تحته، وكان له ما اراد، تأرجحت تجربة الزهيري، بين شعر التفعيلة الحديث، ومحطات غير واضحة من الشعر العراقي الدارج، نراه يضع روحه في نص هناك، ثم يفر باحثاً عن اتجاهات تعبيرية اخرى، تظل المفردة النزارية، حاضرة مع الوجهتين، حاضرة مع شيء من التمرد في مرات عدة، تمرد ضاغط، اذ من غير الممكن وفي خضم الانتقالات الشعرية العراقية، وتعددها يظل الزهيري واقفاً عند بوابة معبد قباني، اراد، او حاول ان يجد الدرب الذي يوصله الى معابد حب وهيامات آخرى، لكنه اكتشف ان كل ما يحيط به، محض خراب، ودمار ، وموت، وأن اجمل ما يمكن للشاعر ان يفعله، هو اتخاذ الحب، والانثى، وهيامات الروح، وسائل شعرية، تمنحه فيوض من الرموز والدلالات التي ترضي متلقيه، حتى وان همس لنفسه، يالهي كم هو قريب من قباني، تشعره تلك الجملة العرضية، بالرضا، والسرور، فهي ليس عيباً، ولايمكن ان تكون مثلبة، لان وقوع الحافر على الحافر، علامة من علامات الشعر العربي بعامته، فماالذي يجبره على مغادرة قباني، وهو المعلم الاستثنائي، والارق، تمتاز قصائد كامل الزهيري، بمواصفات آخرى، اهمها تلك الصور الحياتية، المحتشمة، وغير الراغبة بهتك ملامح الاناث، وكشف اسرارهن، تظل انثى كامل الزهيري، خفرة، حيية، غير فاعلة، لا تبوح بحبها، ولا تقبل الانقياد لسهولة، لهذا شيد الزهيري مباني نصوصة على طرف واحد وبأشارات فكرية متعددة، ثمة معشوقة بعيدة، وربما متلاشية بين اطمار الذاكرة، وعاشق لايجيد سوى النواح والوقوف عن اطلال الروح، هو يحث صراخ النفس على الاستمرار، المهمة مع الزهيري صعبة للغاية، فسيظل متعبداً عند بوابة المعابد النزارية، دون توكيد لانتماء، او تحقيق لهوية شعرية خاصة به، وهذه واحده من اهم اسباب، ابتعاد النقدية العراقية عنه، مع بعض الانتباهات البسيطة التي قدمته في عروض قرائية سريعة غير متوافرة على تفحص دقيق، وتفكيك لبنائيات النص ومساراته، كانت مجرد تبشيرات اوليه، منحت كامل الزهيري بعض الرضا عن نفسه، وهو المتعدد المشاغل، والراكض وراء سراب ذات تتأرجح بين ايام عطرته بقسوتها، وبحث عن منفذ وان كان صغيراً للخلاص، الروحي الذي يعيشه في قرية نائية عند اطراف الناصرية، ارتحالات البطيئة والعجله، منعته من تأمل تأثيره الوجداني داخل جيل، اتعبته الحروب والمجاعات، فراح يبحث عن ومضة امل ، بعد ان ابتعد عن ضجيج الشعرية العراقية التي عنت بما هو يومي مكرر، وهجرت الاحاسيس الداخلية العظمة لانسان عصرنا الوقح.