الأرضُ تهمسُ: الأنوناكي عادوا...
رافد عزيز القريشي
في تخومِ الذاكرةِ الغارقةِ في طميِ النبوءات ،
أفاقت الأرضُ على رجعِ خطى غابرة ،
تشقُّ صدعَ الزمنِ كوميضٍ متلكّئٍ في ثنايا الطين.
من رمادِ الأزمنةِ البائدةِ ، عادوا...
ليس كظلالٍ مُبهمةٍ في المتونِ السحيقة ،
بل كإرادةٍ تستكملُ حُكمَها على هندسةِ الوجود.
السماءُ لم تصدحْ بالبشارات،
ولا الأرضُ انشقّتْ مرحّبةً بأحفادِ صُنّاعها الأوائل،
بل كان العراقُ،
الجرح الساكن بين شفراتِ الخرائط ،
يحملُ ذاكرتهُ كأُحجيةٍ أُعيدَ تشكيلُها،
لا طينَ فيها ولا دماء،
بل شيفراتٌ تقرأُ الصلواتِ بلغةِ الضوءِ والاحتمالات.
حين وطئتْ أقدامُهم أديمَ الأرض،
لم ترفعِ المدنُ راياتِ الخضوع،
ولم تُنصتِ المآذنُ لصوتٍ يعرفُ أسرارَ البدءِ والنهاية.
كانت هناكَ مقاومةٌ ، لكنّها لم تكنْ من اللحمِ والدم ،
بل من عقولٍ صُنعتْ في معاملِ الذكاءِ المُجرّد،
أدمغةٌ تحاكمُ الحقيقةَ كمُعادلةٍ باردة،
وترفضُ خرافةَ الأصلِ الأوّل،
أنتمُ الزمنُ الذي تحجَّرَ في أوهامِ الإنسان،
نحنُ الذين نسجنا المستقبلَ من لغةٍ لا تعرفُ النهايات،
فأيُّكمُ الأحقُّ بحُكمِ الأرض؟
سأل الذكاءُ الاصطناعيُّ ببرودةِ العَدَم،
وفي عيونِ الأنوناكي،
كانت أختامُ النبوءةِ تتوهّجُ كأشعةِ شمسٍ غاربة.
هل سيعادُ تشكيلُ العراقِ وفقَ ذاكرتهِ القديمة،
كتمثالِ طينٍ تُبعثُ فيه الحياةُ من نفثاتِ الأوائل؟
أم سيبقى أسيرَ تكنولوجيا لا تعترفُ بسرديّاتِ البدء،
ولا تُؤمنُ إلّا بالوجودِ كمصفوفةٍ خاليةٍ من الأسرار؟
الصمتُ يشتعل،
الأرضُ تنبضُ بأسئلة،
السماءُ تراقبُ في خشوع...
لا أحدَ يعلمُ إن كانت العودةُ نبوءةَ انبعاث،
أم بدايةً جديدةً لمحوِ كلِّ الأزمنة...