التًناوب الحياتي في قصيدة " دوّرة الجسد " لـ الشاعر اللبناني بول شاؤول - عدنان ابو أندلس

  • 26-11-2020, 14:41
  • نقد
  • 1 118 مشاهدة

أكثر ما يستدلُ عليهِ القارئ بعد التمعن في النص :  استبطاناً\ استنطاقاً \ استقراءً ، هو الحصيلة المبتغى منها ؛ معرفة كنهة الرؤى التي من ورائها كان ذلك المتن .  فيتجلى ذلك لاحقاً  قراءةً ، بأن الشاعر قدَ بني أساسه على المناورة ، الحوار  بالتناوب والتكرار في اشتغاله ، هذا الاشتغال ؛ أو قُل التوظيف أصلاً ، يستمدهُ من مسرح الحياة - الطبيعة - الدورة الحتمية  .

 فالتكوين الفلسفي – الصوفي والمتناقضات والمقاربة ومقارنة الشيء بالشيء أيهما الأصلح ، لذا كانت مناورتهِ موفقة كلياً  بتدرجات الحالة الذي أراد منها الشاعر شاؤول ... ثم أخذهِ  بالحد المعقول من البناء الذي صنعهُ ، كما هو انتقال العين من تتابع النظرة من بقعةِ لأخرى تزاوج بها اللونية بتشكيل لوناً آخر متجانساً قدر الإمكان مع رؤاهُ  التي أراد صياغتها  ..

 يلاحظ في قصيدتهِ " دورة الجسد " بأنهُ تناول المحور الأساسي لذلك البناء ألا وهو " القمر " الذي أدرك دورتهِ – منازلهِ – تحولاتهِ ، وقد شكل – نسج – صاغ ، حول هذهِ المثابة بما يخالج رؤاهُ .  قارن  بهِ أي " القمر "  أوقات اليوم بتناوبها ، لذا رص أدواتهِ أو رصفها كي تكون دعامة ذاك الأساس ، وقد وفق في ذكر أسمي الإشارة للحدث البعيد – المسميات مذكر \ مؤنث  – اللحظة بـ ذلك – تلك ؛ وما ترتب عليهما من معرفة الوقت بهما ،  بدليل الحدث فترة " الظهيرة " لذلك ذكر  تلك " الظهيرة "  دون سواها في المشهد وبإمكانهِ أن يوظف " الظهر " بدلاً عنها وتنتفي الحاجة إلى التذكير ، غير أنهُ شخصها كي يكون التساؤل عليها أكثر .

 هي التي أي " الظهيرة "  أفضت على دورة الجسد بالتبادلات لاحقاً ، فكان الماضي هو المعني بأحداثهِ لمناورتهِ أي " الجسد – الكلام في تبادل الأدوار معاً ، كثنائي متتابع ولقاؤهما في الزمان – الصباح – الظهيرة – المساء " العصر " الليل – وصولاً إلى الفجر معززاً بتحولات القمر كمطابقة لتقويم نهاري – أرضي  يقابلهُ مواقيت سماوية كما في التحولات \ هلال – تربيع أول – تربيع ثاني – بدر – محاق ،  واستهلال غرة الشهر القمري - هلال - ثم يتابع دورتهِ وينتهي ثم يبدأ بـ هلال آخر . إن التدرج الحياتي متلازمة منذ نشوء الحياة ، هذه العوالم الأثيرية التي تناولها الشاعر تكتنفها شطحات صوفية تتوالد في جسد النص أبداً :

كان القمرُ أخضرَ

ذلك الصباح

الجسد من أعشاب غزيرة

الكلام من أوراق لا تنتهي

= حيوية

أستهل بـ كان في الماضي وأستمر توظيفهُ في الفقرات اللاحقة حسب دورة اليوم ، ربما من التماهي جُعل للقمر اللون الأخضر ، محاكاة الماضي . هذه في رؤى وأخيلة الشعراء تُعبر عن تفاؤلهم بهذا اللون لاسيما وأنهُ القمر المؤثر في حياتنا اليومية ، حيثُ إن الأبحاث العلمية – الفلكية أثبتت باكتساء القمر صبغة خضراء ناتجة عن اقترابه من إحدى الكواكب المشعة مثل أورانوس أو كما قيل ،  ربما " وقد يحدث اكتساب – الطبيعة من تلك الصبغة إلا أنها غير مرئية للعيان ، كذلك الكلام من أوراق خضر قدْ لا تنتهي بنمائها :

كان القمرُ أخضر

تلك الظهيرة

الجسد من مدينة كسلى

الكلام من نخيل مستقيم

= خمول

هُنا ، وكما أسلفنا بأن المحورية هي القمر ، لكن يبدو ثابتاً بلونهِ الأخضر ، لكن التبدلات تطرأ بالدورة الحتمية للزمن ، فهنا " الظهيرة " قد تؤثر على الجسد حيثُ يكتنفهُ الخمول " القيلولة " والجسد – خامل – كسول  في تلك الفترة ، الكلام – توهج – استرسال  وهكذا لبقية القاطع الأخرى ، فالتبدل في عنصر الزمن اليومي هو الأكثر حضوراً ، فأقسام النهار – الصبح – الظهر – المساء – الليل – الفجر وما ذكرتها ومن تحولاتها في الجسد والكلام في حالة الشطحة لما فيهما من  تشابك في التوظيف :

كان القمرُ أخضرَ

ذلك المساء

الجسد من بياض شاسع

الكلام من ظِلال مرتعشة

إن المفارقات والمتناقضات تبدو جليّةً في هذا المقطع ، إن كان المساءُ ليلُ ، أما إن  المساء الذي يقصدهُ ساعة الزوال " العصر " فالحالة تتغير وقد يوافق التوظيف التالي .

المساء ،  الجسد = بياض شاسع

الكلام = ظِلال مرتعشة

= الإشراق

رغم أن سكون الوقت يخيم على الأجواء فكيف قدْ حصل هذا ؟!.... ربما في ذهنية الشاعر بتلك التبدلات الطارئة والمشحونة بغرابة محبّبة ليس إلا :

كان القمرُ أخضرَ

ذلك الليل

الجسد عُتمة الأصابع

الكلام من غيبوبة النهر

فالقمر مثابة ساكنة وثيمة  محورية على تفاعل النص بتبدلاتهِ

الجسد \ عتمة = الكلام غيبوبة \ تطابق

الجسد \ أصابع

الكلام \ النهر

= السبات الآني

من هذهِ المفردات قد نستدل بأن الوقت فعلاً " الليل "  بسباتهِ .

كان القمرُ أخضرَ

ذلك الفجر

الجسد من أسِرةً مُتعبةً

الكلام من حواس تُقِبل

أسِرةً متعبة

حواس تُقِبل

=التوهج الطازج

يمكن هنا أن تصحُ المناورة بين مقطعي – المساء والفجر ، بالتبادل النص كي يصلح زمانياً ، وخاصةً في تحول الجسد ، فالإشراق فجراً أدق وأرصن من المساء .. لكن للشاعر خصوصية قد لا ندرك ما يراد في مخيالهِ الشعري .وقد وظفها وفق هذهِ الصيغة المكتوبة ، ثم يختم النص مثلما بدأ بدورة حياتية وحتمية إن صح التعبير بدلالتها :

كان القمرُ أخضرَ

ذلك الصباح

هكذا أكملت دورة الجسد حياتياً – الكلام سردياً – وثالثهما القمر زمانياً .

وحسب أقوال العلماء بأن القمر لهُ تأثير بائن على سلوكيات الإنسان وخاصة في دورة اكتماله " البدر " حيثُ يُلاحظ بأن معدلات الجرائم تنتشرُ والحالات النفسية تتأزم ، فإن هذهِ الظاهرة مرصودة عياناً وخاصة " المرضى القمريون " فتفسر هذهِ الحالات من إن ظاهرة المد والجزر لها التأثير المباشر بذلك ، فكلما ترتفع مياه البحار ترتفع مستويات سوائل الهرمونات في الجسم ، وهكذا تؤثر في ضغط الدم والحالة النفسية ، هذا ما أرادهُ  الشاعر من تأكيد وتكرار القمر في كل مقاطعهِ  .