بكامل جماله وعمق محتوى كتبه.. جناح منشورات الأدباء ينتظر افتتاح معرض العراق
سبعة كتب جديدة تنضم لمنشورات اتحاد الأدباء في حقول إبداعية مختلفة
بنجاح وتميّز كبيرين.. مهرجان الحبوبي السابع يختتم أعماله في ذي قار
كلمة الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق بمناسبة افتتاح مهرجان الحبّوبي/ الدورة السابعة
بمشاركة متخصّصين أكفاء.. مؤتمر الأدب الشعبي في اتحاد الأدباء يزهر بجماله ومعرفته
"أوراق الطفل الوقح/ عزرا باوند قارئاً جيمس جويس" ترجمة جديدة بمنشورات الاتحاد
صلاح فائق في مخلوقاتهِ الهامشية
من البديهي ، حين يُجرب المرء بما يطرأ على المجتمع من متغيرات فجة وإرتدادية مقرفة ، مصطنعة ، يراها بعيدة عن \ الخاطر \ عذرية الحياة \ براءة المخيلة ، يتوقف حينها ، لينزوي في ركن هادئ كي يسترجع ذاتهِ المقموعة \ المقهورة \ المهمشة من اثر ذلك ، تراهُ يفضي صوب الخلوة بعيداً ، هذهِ المراجعة تتطلب مقاضاة النفس ساعتها كونهُ متهكم من سيرة هذا العالم الضاج بالخداع والحيل . .
قد أجدني ومن خلال متابعتي لنصوص الشاعر صلاح التي أخذت منحى صوب الأنسنة والأقلمة والتدجين والإختلاف ، لذا نلاحظ صوره الشعرية تتراكض على سطح الورقة بكل سرعتها لأنها بطاقة حيوية لكائنات أردها لها أن تكون . يوظف حياتهِ اليومية شعراً يستنبطهُ من واقعهِ المخيالي ، فالمشاهدات جعلتهُ متمرداً على واقعهِ الراهن بتذوقهِ رؤىً أبعد ما تكون عن ذهنية ذاك المجتمع ، فكان مالهُ من ردم الهوة وإزاحة الثقل عن كاهلهِ ذهنياً ولجأ إلى أنسنة المخلوقات الأخرى وأقلمتها للتقبل النفسي الحاد ، وما سِواه ، ويدجن طبائع شرسة . اتكأ على بساطة وخفة مفردات لينة يطاوعها حسب قاموسه الحياتي والذي ابتكره . يمكن أن نرى ذلك جلياً عندما نسعى إلى اختراق أياً من نصوصهِ ، لا بد أن نجابه مفردة عصية تحيل بيننا وبين مفهومنا لهُ ، ربما هي مفتاح سحري لتشكيلة قالبهِ – ترتيبه – لغتهِ .. هذهِ التي لا بديل لها ؛ هي محرك النص من حيث الربط التركيبي على مستوى العمق وكأنهُ يتعاطى التوليدية في تركيب ظاهري وآخر من قبل جملة " الإشعاع – التوهج " ربما هي الضربة وحسب النقاد القدامى : " خير الشعر من أعطاك معناهُ إلا بعد مطاولة " ومن غرائبيات عنونة نصوصه كما في : نملة في جنازة – دِببة في مأتم – غيمة في جزيرة أسناني – أتناول عشائي مع حصان – اصطياد عميان إلى سينما . لنأخذ مثلاً :
" ضرير يغني في طائرة " :
إنا اليوم بلا هموم
رتّبت البيت ، وضعتٍ باقة زهرٍ في غرفة الضيوف
ولا أتوقعُ زيارةً من احد .
أرى من شباكي ريحاً تنسحب من بلدتي
دافعةً أمامها ظلالَ بيوت
من مفارقاتهِ التهويمية ذلك العنوان الذي يفضي لعدة أسئلة حيرى ، وحين تسترسل فيها تُصاب بدوار من دادائية وسرياية ، هذهِ العتبات القرائية التي أنسنَ رؤاها وأقلمة كائناتها ودجنة شخوصها في توليف متقن لاكتمال حياتي لها كي تساير أطباع العموم ربما . الأماكن القصية أضفت لهُ الاشتغال في المهجور والهامشي والعشوائي ، لكن بجدارة معرفية متقنة ، يوظف الاستحالة ويتمكن من مطاوعتها ، يفتح المقطع الذي يستهلهُ ثم يغلقهُ بضربة نهائية يتحسسها المتلقي وكأنها - مطبة هوائية تصادف سير الطائرة – تأخذ بخفقة قلب إضافية . يلاحظ من دفقة الحس الحيواني وطبع المخلوقات الهامشية والأشياء المهملة وحركاتهم الاستعراضية من فن وغناء ورقص وصياح وزعيق وهذرمة المركونات في شعره.
سأجلس , بعد قليل , عند شجرة توت
لا تُثمر منذ سنوات ولا اعرف السبب
مع أني أفتت رغيفاً , كل ظهيرة , على أعشاشها الفارغة
وأبعثر بعض ذكرياتي حولها
وأخريات أمام شاطئ مهجور
أرى سلاحف بين صخورٍ
انحني , احملها إلى البحر
في الطريق إلى بيتي , أصادف سراباً اجهلُ يذهبُ إلى أين . .
ـــــ بهذهِ الأدوات التي يتسلح بها هي خير عًدتهِ التي يقاوم بها الملل واليأس والقنوط الحياتي ،هي التي منحتهُ فسحة الحرية التي يمتلكها في اشتغاله اليومي " التوظيف " ذلك القدر الكافي الذي هزم القهر – الظلم –أوامر " فورمنات " تمرد عليها فكان لهُ هذهِ الأريحية والمزاج الرائق ، فجُل أدواتهِ بسيطة لا هي بالبهرجة الشعرية ؛ ولا الصبغة المتصنعة المراد لها ، بل عفوية يتركهها على هداها وفق قاموسه اليومي الذي ابتكره ، النص لديهِ إيحائي ، عضوي ، يبقيهِ على سليقتهِ دونما تصحيح " اللاشعور " المبكر دون مراجعة وينمو كما يريدهُ ، هي اللمعة الأولى في الذهنية . يزاوج في تفاعله مع أدواتهِ ويزجها في النص ، أي يوائم – يلائم – الفضاء والمفردة – عناصرهِ اللغوية وكائناتهِ الهامشية في نصهِ اللغوي .
وأخريات أمام شاطئ مهجور
أرى سلاحف بين صخورٍ
انحني , احملها إلى البحر
في الطريق إلى بيتي , أصادف سراباً اجهلُ يذهبُ إلى أين. .
لذا يحدث بعض التنافر بين روحيهما ، العنصر + المكون = الأداة الفاعلة ، الصورة تبقى ثابتة بلا حركة ، وقلما نعثر على صورة متحركة في إلتقاطاتهِ الفنية ، لأن أبطال منتجهِ = عناصر من الجنس الهامشي – المهمل لا تأثير لهُ في حركتهم الثقيلة ، بل رغم مطاوعتهِ لهم ، لم يكترث بما يصار من عفوية الطبع ، تركهم على هداهم مخيرين الطبع والطباع .
كنتُ ، قبل ساعات، في عيادة طبيبي
لسبب لا أتذكره الآن
هناك فوجئتُ بهاملت ينتحبُ أمام ممرضة
جلستُ ، تصورتني في طائرةٍ يغني فيها ضريرٌ
بصوتٍ جميل .
هذهِ المفارقات جعلتهُ ماركة مسجلة باسمه ، رسخت لدينا بأنهُ هو " صلاح " صانع النص ، الشرس ، الأليف ، لا انفكاك منهُ ، فضاءاتهِ وعوالمهِ صاغها بإمكانية متمرس يجيد صناعة الحياة الجديدة ، وكما يحلو لمريديه أن يحتفوا بهِ ، كونهِ ينتمي للحياة بكل أزاهيرها وبهرجها ، يلاحظ طغيان " الأنا " في نصوصهِ كونهُ الراوي ، والبطل ، والقناص ، والحاكي . يوظف الاستحالة ويتمكن من مطاوعتها ليسخرها في خدمة المقطع مهما تسربل في غرائبية أو فنتازية ، يفتح المقطع الذي يستهلهُ ثم يغلقهُ بضربة من ‘نتاجهِ الحياتي ، كأن تكون المعادلة متوازنة \ استهلال يساوي النهاية. المفردات بتحقيقها الناصعة تعبر عن معاني راسخة وتطبيقات \ متوازيات \ تشكيلات – يرصعها ويحيلها إلى اصلها الثابت يتعامل على المحسوسات بوصفها أدوات تطاوع رؤاهُ ، لذا يأخذها من عينيات منها ويرتب عليها حسب ما تملئ عليهِ " اللحظة " إن النمذجة الذهنية لديهِ تشكل دالة محورية ينسج منها خيالاتهِ ، لما يمتلك من خبرة معرفية وذاتية للأشياء التي تحيطهُ وهو الغائص بأعماق التيهِ الرائع أبداً .