كزار حنتوش.. سرديات اليوم القلقة - شوقي كريم حسن

  • 24-11-2020, 16:41
  • نقد
  • 1 052 مشاهدة

لم تستطع تلك الولاية المخضرة بالشعر والحناجر التي تلوم الدهر ، وتعلن احتجاجها الأزلي على كون لايعرف منح البهاء لأيام الفقراء ولوعتهم ، استيعاب أوهام الولد الأخذ بالعلو ، والمانح لروحه كل علامات الاحتجاج المشوبة بالريبة ، والفاضحة الأمنيات ، كان يقتعد جرف الشط ، مانحا هذياناته بعض من الشطط والجنون ، هو يكره الوحدة، ولكنه يطالب نفسه التي ما كانت تأمره بغير التمرد ، الذي لايدفع الى السوء ، بالى التفرد ومراقبة كل ما تقدمه الأيام معان لتثوير الذات وتعليمها كيفيات التدوين المحتج ، يهمس لذاته ، فترد الذات بحنجرة الأحلام ، التي تأخذ بالولد الذي غدا شابا بطول جريدة نخل ، الى حيث مساكن الراغبين بصناعة الجمال ، يمتحن البياض ألاهج بلغة الأهل ، الديوانية معبد حناجر الشعر المانح للروح رغبتها بممارسة الحياة ومفاتنها ، ثمة في  الديوانية ، شاعر يجاور شاعر ، وثالث يقف غير بعيد عنهما ، ورابع يدوف ماسيه بتراب  الملل والوجع ، استمد الدغا ري كل تلك الموبقات الجمالية ، ليجعل من يومه هوية انتماء لايما شيء يرغب فيه ويعشقه ، لحظة امسك البياض ، كانت الديوانية قد استيقظت على نواح قلب الفتى الدغا ري ، بدأت أجنحة الفكر والاختيار ترفرف عازمة الطيران ، والحلول عند مدن الاكتشاف والمعرفة ، يغط كزار حنتوش ، وهذا اسمه المعلن كاملا في برك الملل وحين يخرج رأسه محاولا تنفس الحياة ثانية ، لايجد غير الحلم الشعري يلوح له بريات القبول ، لكنه كائن مفتون بالتأرجح ، والقلق ، ومأخوذ بسحنة الترقب التي كانت تحوطه من جميع أمكنته ، يكتشف كزار حنتوش ، ان للفقر مصائب يجب مواجهتها ، فيقرا الكيفيات التي يمكن من خلالها التخلص من هذه المحنة الكونية، الذي تمنت الأرواح الطاهرة، لو كانت رجلا لتقتله ، تلك هي علة كزار حنتوش الأبدية ، يود لو انه وجد ضالته ليقتل كل ألوان الفقر ومعانية ، وليبدأ بفقر الدغارة التي ما كانت تحلم بخير خلاصها، في خضم الافهامات ، يتنصل كزار حنتوش من ذاته المتمردة بطبيعتها محاولً الإمساك بأضوية المستقبل ، يدون مراحل فتوته ليظمن بطاقة عيش تمكنه من  اجتياز محنة القول ،تمنحه الأيام ما يرجوه فيغدو كزار موظفا حكومياً، يترقب انقضاء يومه بملل وكراهية القيد ، ذات حلم يستيقظ الرجل المحزون بالسعادة ، ليجد ان الامتحان قد بدأ فعلا ، كيف تصنع الحياة شاعرًاً ، وماهي المعتمدات الأساسية التي يقدمها فرد ما، لكي ما يكون شاعراً، لايمر عبر بوابات هذه الكونية دون ان يترك أثرا، حتى وأن كان بسيطاً يؤكد غايات خياره الانسانيه ، انبهر حنتوش بأمرين مهمين ظلتا ترافقانه حتى أخر كلمة حب ، وثمالة كأس ، هما الشعر والحب الذي قاده الى مرآفيء ظل يتمسك بها دون ان يستطيع الفكاك ، اقتعد عند أول مرسى لينصت الى عبد الحليم حافظ ، وليحول ذلك العشق الى إدمان يومي مبهج ، لحظة تنضج التجربة ، وتبدأ اشتغالات كزار حنتوش بالوضوح ، وخطواته باقتحام العاصمة الراغبة بخطوات تكمل خطو ربع أخذتهم الفواجع الى بطن حوتها الذي لايشبع ، كانوا ثمة ملامح معلنة للاحتجاج والتمرد تبدأ من مقهى البلدية حتى ليالي اتحاد الأدباء ، يقودها حسين مردان الذي يقود جيوشا ً من الأحلام المخبوطة بالأكاذيب ، مطلقا آهات وجد يستشعرها المار في شارع الرشيد حتى الآن ، وليكملها النجفي الأتي ليقتحم المدينة المخبوصة بدجل الايدولوجيا ، والصارخ بجرأة واضحة ، ( أنا الإله وجلاسي ملائكتي ) عبق ذاك الحصيري الذي لسوف يشد أبن الدغارة الى عوالمه وحاناته ومبيتات التمرد عند أحضان الساحات والحدائق والغرف الفندقية الرخيصة ، كان الدغا ري قد اكتشف ما يشابهه فأصبح عرابهم ، الذي يفيض بالليونة المصحوبة بالتذمر ، كانت سرديات كزار حنتوش اليومية بكل تفاصيل الصورة اليومية ، قد وضعت لها مكاناً وان لم يك متميزا بعد ،  انتبه كزار حنتوش من غفلته فجأة ليجد ان ثمة توابيت تمر مسرعة باتجاه الفناء ، ودوي لقنابل تتشظى لتدمر ليل هواه ، وأصدقاء غادروا الحانات دون وداع حتى،لايمكن لحنتوش ان يجلس ملوماً مذموماً ، كانت الحرب  محنة إصابته بالكثير من الهواجس والتمردات والآثام ايضا ، تحولت يوميات سرديا ته الشعرية ، الى توثيق مأساوي لكل ما تأتي به السواتر وفراغاتها ، ترنحت روح كزار عند تلك العثرة غير المحسوبة العواقب ، فأعلن تمرده الجريء ، متحدياً ، أن لاداعي لان أموت منسيا لكي يحيا وطن لم يوفر لي ملمح من ملامح إنسانيتي ، يجب ان أعيش لأكون صنوا للجمال والرفعة وامتداد روحي لغرض ممارسة الحياة ، كانت لحظة الحسم تلك قد غيرت الكثير من مفاهيم الشاعر وبناءاته النصية التي بدأت تبتعد عن المألوف لتشيد صورا ثيمية تثير الاستغراب حقاً ، كان كزار حنتوش، هاجس شعر ، ومختبر تفحص يومي ، يعيش غوايتين في أن واحد ، غواية الشعر الذي ارتدى مسوحه بفعل فاضح، داخل خمارة، معلنة الإفلاس ، يهتم حنتوش برغباته، لهذا يعمل على تدوينها بحذر ماكر ، ويتعمد الاصطياد في  أمكنة هي التي تشعل جذوة الاشتغال لدية ، الثيم لدى كزار حنتوش، ثيم سؤاليه متحركة دوما ، لاتقف عند فكرة واحده ، يراها المتلقي متحفزة للانتقال من لحظة مدهشة الى ثانية اشد إدهاشا ً ، ويتقصد حنتوش ضخ الكثير من مهمات الكوميديا السوداء داخل سرديا ته الشعرية ، هو الذي لايعرف للمزاح اكثر من اعلان القهقهات التي ماتلبث ان تختفي وتزول ، لم يزوج حنتوش سرديا ته  بكوميديا الرفض ، هل وجد ان ثمة ضرورة نفسية تدفع بالمتلقي الى مكمن الإسرار ليصرخ لاااريد ان اكتفي ، ليل كزار حنتوش أضاع عليه الكثير من فرص الاشتغالات الحقيقية ، مثله مثل الحصيري وحسين مردان ، كان اليوم عنده بصخب حاناته ورفقة حسن النواب ونصيف الناصري وجان دمو اكثر أهمية من استقرار داخل روح الحياة الخالية من المعاني والقصديات ،  دفعه تمرده الى الالتفات  صوب مبعثرات سني عمره ، فأعلن فجأة انه ساقط لامحالة في سورات الحب ، الذي جعلته يلوب فاضحاً نفسه ، معلناً خيانته الفعلية لأول طرق التمرد ،صارت سرديات كزار حنتوش  الذي دخل غابة الأربعاء اكثر أنصافا لنفسه  ، وأدق تعبيراً عن ذاته العاشقة المولهة ، لذات التأرجح أعطته فرصة مراجعة ذاته ، وحساب كل ما يمكن ان يحسبه ويقيم له وزنا ، ، كانت الصاعقة قد هبطت من علو سومر ، لتلج أول محطة نداء في الدغارة ، استكانت روح كزار حنتوش ، وهدأت أنفاسه ، وغدت مهامه الشعرية تجوس داخل ماهو يومي عاشق يطالب بديمومة الحب ،غيرت السومرية ( رسمية محيبس زاير ) من كل كيانات حنتوش ، وعادت البناء ، لأنها من مكون سومري بناء ، يجد في الأسرة فعل مقدس ،  وتتلو الشعر مثل كاهن  ، تلك الانحرافة كانت سمة متغير في سرديات حنتوش ، وظهورها الأسر الذي شد انتباه النقدية العراقية اليه ، لم يك يفكر بالنقد وتوابعه ، بقدر ما كان يفكر ، بماذيات الهدوء ، يقتعد  ارض ترويضه، منصتاً الى المغني الذي يديم الحب ، لكن اللحظات لاتستمر طويلا، يمتلأ سرياته الشعرية ، بالخوف ثانية ، خوف لم تستطع البنت السومرية المائية احتواءه ، كان تمرد حنتوش هذه المرة سليل تمردات عروة بن الورد ، أعجبته فكرة ان يكون شاعرا صعلوكا ً ،  خرج من حرب وتمردات ، ليدخل كهوف الاستقرار ، الذي كان ينفجر من اجله ضاحكاً ، كلما  اقترب الحديث منه ، ظلت جذوة التمرد معلنة حتى بعد ان غادره الصحب صوب المنافي ، والبلدان البعيدة ، لم يعد كزار يرتاد تلك الأمكنة كان يكتفي بليلة داخل مكان مألوف يعرفه ، يصفن ويثرثر شعراً، لكنه ابدأ لا يشاكس، معضلة السرد الشعري لدى حنتوش ، أنها تسير ضمن لعبة تدوينية اختارها هو ولم يغادرها قط ، كان مهموماً بالمقاربة بين اللغة العراقية اليومية ، وآخيتها اللغة العربية التي تتطلب البلاغة والعلو ، والشارة تقول ، انه نجح في إيصال مبتغاه واقنع متلقيه بضرورة قبوله على هذه الشاكلة ، وقد قبله العقل الجمعي الارثي ، وتبناه مع قليل من الريبة ، والحذر ، اختلف حنتوش كثيرا عن أولئك الذين كانوا ظاهرة اجتماعية متمردة كحولية على حساب الشعر ، تمكن كزار ان يوازن بين الذاتيين وأن كنا نشعر ببعض الإحباط إزاء الغلبة التي إصابته في أواخر رحلته على حساب منجزه الشعري ، الذي أعطاه أحقية البقاء وإثارة الجدل ، الذي لايزال مستمراً ، ماذا لو تخلص حنتوش من كل مفردات صعلكته الكحولية التي لم تفده بشيء سوى رغبة في التمرد الذاتي، وغياب تام لقصديه الاشتغال الشعري ؟
أظن انه يتململ ألان ، بل ويحتج فثمة ألفة بين كل أمكنة العاصمة وفتى الدغارة الفاتح الذي ما كان يعرف سبر أغوار  وجوده داخل هذه الانهزامات الوجدانية غير المجدية نفعاً.. ماذا لو ستظل مبحث كامل على النقدية العراقية قراءة حنتوش من خلال ما تركه من ارث شعري ، اجتماعياً وسياسياً  !؟ ( هل حقا قد كنت سعيدا؟!!
والوطن النازف أحلامه.....
أضحى.. بدم الموتى سكران
 هل أنت سعيد.. ياشاعر
 والوطن ... كم فرط مواجعه.. أضحى
 يبحث عن منفى في أي مكان )!!
تلك هي الخلاصة ، اختار كزار حنتوش منفاه بدقه وضعته بين شعرية تمرق مثل لحظة برق وتيه نفسي أوصله الى لحظة الوجع الذي أوقف قلبه عند سويعة انتشاء كان يرقبها بحبور وامتنان!!