*الحلم الذي انتمى اليه منذ كان بروح طائر السنونو، ظل يراوده بين غفوة تعب، واستيقاظ سؤال، امتدت خطواته لتبحث عن وعي يكون اصول علاقاته مع السينما التي وضعته عند بوابات الاجابات، وهو الحائر في تقصي الاسئلة ومعاني تأثيرها، ذات حلم اكتشف بيتاً للمسرح المعني بحياة الطبقة العاملة وهواتها، فانتمى الى تلك التجربة التي نافست فرقة البلاد القومية، والفرق الاهلية بكل ثقلها المعرفي المؤدلج، تعامل مع أول خطواتها حيث البهي ابراهيم جلال ، ليضعه عند سرب المجسدين، كان يرغب بشدة ان يكون مجسداً يشبه الن ديلون، المحاط بالجميلات الباريسيات، لكنه شعر ان انتظاراته لايمكن ان توصله الى المقاصد، التجسيد يحتاج الى حرفيات جسدية وتفسيرية خاصة جداً ، والكثيرمن ممثلينا لايجيدون لغة التفسير هذه، بحذر راح يدرس الفن بكامل صفاته لكنه مع مصصم اضاءة غريب الاطوار، اسمه عبد الله حسن، راح ينتمي بهدوء الى الاشتغال الضوئي الذي شكل هماُ لدى كبار مخرجينا، تقمص روح الضوء، وابتهج حين وجدءاته تسهم في اعداد تلك التشكيلات الضوئية التي دونها تتعرى خشبة المسرح وتبدو لمتلقيها مثل سيدة شمطاء، انامله بعد الاتقان صارت تستشعر الضوء، وتمازجه داخل مختبرات الروح، كلما حول مسارات الاضاءة بدأت التعبيرات تتغير ومع تغيرها المؤثر جداً، تبدو امام المتلقي كأنها راوية الحكي السردي، تمنح الشخوص عزلة نفسية، لتعيد تشكيلهم على ماترغب، في أول مسافات اعمارنا كنت موقناً ان الاضاءة كانت تشكل بعداً ابهارياً لاغير، لكن التفحص الدقيق ظهر على غير ما قصدت تماماً ، السؤال الاضائي يلاحق خطى المجسد، ليضفي على وجوده سعادات لم يألفها من قبل، حزمة ملونات تعمل على الابهار، يقول لورنس اولفية، وهو اهم ممثل مسرحي في القرن الماضي،( لولا تلك المكونات النفسية للضوء ماكنت بقادر على الأمساك بقلق لير وتزايدات تراجعه وانبثاق همومه، صور العاصفة التي خلقتها الموسيقى وفهم دور الاضاءة المشارك جعلني اشعر أني وسط عاصفة فعلاً)في تجاربنا المسرحية، بعد انحطاطات مرحلة التسعينيات التهريجية، انتقل الشباب الى مسرح اعلن موت الكاتب او تهميشه واعادة السردية من خلال العوامل المساعدة، كان الضوء اهمها واقدرها على التجسيد السردي، ضمن هذه الايضاحية التي طورت اداء بشار طعمة الاضائي، تمردت رغباته، صار عن قصد اشتغالي يمازج بين بقعتين او اكثر ليمنح الحدث ابعاده النفسية والحركية، تعمد اضاءته على امر مهم ، هو تغطية المجسد وعدم تركه عارياً يرقب الظلام، ودفعه الى الهدوء النفسي المطلوب من خلال الملون الاضائي، كيف فهم بشار طعمة هذا السر التفسيري؟
من اين بدأ، وكيفيات تعاونه مع المخرج والسينغرافي الذي دخل دون سابق حضور في خضم تجسيديتنا المسرحية؟
هل كان ينصت الى ملاحظات المخرج ومجسدية ام تراه يعمل كما كان يعمل عبد الله حسن، مطلقاً لمخيلته خيارات تفسيرية يختار اعظمها تعبيراً كنت حين امازح الاضائي عبد حسن، كيف تستطيع الجمع بين كل تلك المتناحرات، بصوته العملاقي الاجش والفاح بروائح الليالي الصاخبة، يجيب،( كنتور المايعرف روحه واليعرفهه يشدله عمامة) هذه المعرفية التي انتقلت من كنتور حسن المهلهل الفاضح لاسراره، الى بشار طعمة الذي احسه بسرد المتون المسرحية من خلال سردياته الضوئية التي تهتم بالامرين معا الادهاش والابهار، سنوات طويلة مرت، وبشار يعاقر الضوء، يبحث عن معانيه الفلسفية، يحلل قواه التأثيرية على طرفي اللعبة المجسد ومتلقية، يبدو مثل حاكم قاس لكنه يبعث على الارتياح، دفعت هذه المفهومات بشار طعمة، الى فرش تاريخ المسرح العراقي برحلته الطويلة والقادسية منذ اول ولادة لمسرحية وحيدة التي كتبها موسى الشابندر وكانت بواكير نتاج الفرقة القومية حتى وقتنا المفعم بالكسل والانفعال هذا، مهمة توثيقية ارشيفية كان قد اعلنها الراحل احمد فياض المفرجي، لكنها تلاشت الى نثارات بعد موته وانبثاق نيران الحروب المتلاحقة، هاهو بشار طعمة يفرش ايام مسرحه ليدون التأريخ المسرحي كله، لن يترك في طريق حلمه مايمكن ان يوقف الاستمرار، بهدوء نقل اشتغالاته الضوئية الى اعلان ضوئي مغاير وضع كل ممكناته عند هذا الحد المهم والمفيد، والموثق لتاريخنا الجمالي الذي دمره الباربرة بحسب ما اعله الشاعر الاسكندري كافافي.. انهم البرابرة الذين حطموا كل ممكناتنا الارثية الانسانية المهمة،!!