متروكات الاسلاف شاغلة للعلماء / ناجح المعموري

  • 7-02-2023, 13:06
  • نقد
  • 276 مشاهدة

لم تكن اللحظة التي ظهر فيها الفنان سهلة ويسيرة الاهتداء لها ، لان الفن في الحياة ليس سهلاً وبسيطاً وكما قال " موروا " يضيف الفن الى العالم الواقعي مالا يستطيع ان يقدمه هذا العالم .... ولكن ما للفن في عصرنا الراهن لا يحفل بتسجيل الشكل الطبيعي للانسان والمنظورات على حد سواء / نوري الراوي / دار الشؤون / 1997/ ص11//

نهتدي للخلق الدال على امكانية الكائن وابتكاراته العظيمة في الحياة البدئية عند اكتشفت العين وجود اثار كالخربشات البسيطة فوق السطوح الترابية او المنحدرات الملساء مؤشر عليها بالتقاط الملونة التي وحدت الصدفة بينها وجعلتها ذات شكل شبيه لما هو موجود في الاماكن التي استدعت الكائن الى فضائها ونشأت صلة قوية ولم يستطيع الابتعاد عنها حتى اعتاد على ترك ما هو دال على حضوره ، ولم يعد متمكناً من القطيعة مع ما وفره المكان من الفة وتغذية مستمرة . حتى ادرك الانسان صداقة المكان العميقة بالإضافة الى طاقته المعلمة . منه عرف آليات العلاقة معه عبر مساعدات موجودة في فضاء اوسع ، كما وظف الاشياء التي اعتاد عليها منذ الحظة الاولى التي رأت عينيه كل ما هو غير معروف وتدريجياً اقترب اكثر حتى فطن بأن ما كان مرسوماً متروك السلف الذي نجح من خلال تدوين رموزه اخضاع المكان وتطويعه ، لا بل السيطرة عليه واخضاعه ، وهنا هي الطفرة النبيهة المتأتية من اعطاء دور جوهري لليد في اختبار ابتكاراته وابداعاته التي عبرت في اعماقها ما هو اكثر تغيباً وتسكناً عنه ، الا وهو الروحي والتعبيرات الرمزية البسيطة جداً والتي سجلت اول مرة عن ابتداء الديانة التي انفتح امامها المكان وعبر عنها الكائن بكل ما تركه السلف وما كرسه الاتي وريثاً للدروس الاولى.  

وقال توما الاكويني : الانسان بقوله : انما الانسان عقل ويد . والمعروف أن وظيفة العقل التفكير ووظيفة اليد الفعل أو العمل وفي المرحلة الاولى من الحياة الانسانية كانت اليد عي الاداة التي فتحت العقل ونشطت وظيفته .

فعن طريق اليد راح الانسان الاول يستكشف ، ثم راح العقل يربط من خلال ما استكشفته الايدي بين العقل والنتيجة ، فتكونت له من خلال ذلك معرفة مباشرة / د. عز الدين اسماعيل / الفن والانسان / دار القلم / بيروت / ص16 .

لا يمكن ان يعرف الفن ، لأنه يجرب لعلاقته مع الانسان ويجري في نسوغ الحياة في الرسم كما قال الفنان نوري الراوي .

العين هي التي تأمر ، لكنها ليست العين التي ترى السطح الخارجي للوجود وللأشياء ، بل انها النفاذة التي تستطيع أن ترى ما خلف الخطوط تلك لأن الحياة هي نظر الفنان المبدع ,. " حيز الفن السبل الى فهم الفن وهو المشاركة خيالياً في مصادره .

قال رينيه ويج : " ليس الفن لهواً أو مجرد ترف ، مهما يكن هذا الترف رفيعاً ، بل الفن ضرورة ملحة من ضرورات النفس الانسانية في حوارها الشاف المستمر مع الكون المحيط بها . فإذا صح القول الا فن بلا انسان فينبغي القول كذلك إلا انسان فلا فن .

عصر ما قبل التدوين هو الذي " نسج علاقات التاريخ وإيقاعه من خلال لحظات التنوير التي تطمس لحظات السكون والانكماش ، كي لا تحدث اعاقة في استمرارية فهم الفن واغراضه ومواصفات الابداع فيه ، حتى ان ميراث الحضارة الرافدينية بمراحلها مجتمعية مروراً بفنون العرب قبل وبعد الاسلام ، ثم معطيات الرسم الاوربي الحديث تفضي الى فرضية لهذه دون ادنى شك ، وكان الخطاب الابداعي يشترط في حركته تجاذباً بين النسق الخارجي والنسق الداخلي ، دون تجاهل خلال ذلك على طبيعة الاستقبال / د. عاصم عبد الامير / جواد سليم اجنحة الاثر / ريادة ام ريادات / جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين / 2019/ ص23//

الفنان البدائي هو الذي التقط الرموز المحوطة به وجعلها وسيلته للتفاهم وكرسها خطاباً ، لكنه في لحظة من الخطاب تعميق التفاهيم بين الداخل والخارج تتفتت البناءات وتضعف اللغة .

لكنها لا تفقد آليتها في التفاهم ، لان اللغة حياة قوية وليست احادية ، بل تتنوع فحوصاتها وتفضي بالتالي الى توصل مثلما اشارت له الدراسات الفنية الى ان اللغة داخل اللغة كما قال فاليري . وهذا لا يعني بانها خاتلة ، بل ظاهرة ، لانها مكشوفة عبر القراءة والتأويل ، وكلها تقشر السطح الظاهر ، برزت سطوح كامنة كاشفة عن معان معرفة بها اللغة . ودائماً ما يتضح للفحصوصات بأن اللغة البدئية ، الرموز ، الخربشات ، تبدو اكتمالية على الرغم من انها مبتدئة . وهذا يفضي نحو طاقة اللغة المكونة من الاصول النابتة بالأرض وفي الارض ، ولذا يصعب فك الاشتباك بين اللغة وسطوحها التدوينية لانهما يؤسسان عظمة ما توصل اليه العقل لان اللغة دالة عليه ، حتى في عتبتها السامية وعالية الشعرية والمعني بذلك النقاط المرمية فوق السطوح والجدران وعلامات النابت في حضن الارض والمطروح على الجدران ، ليعلن مكشوفاً عما اراد ان يقوله الفنان الاول الذي ما زالت عينه ترنو نحو الماضي المعلم والاخرى تحدق بالحاضر الذي يعيشه وتحلم بما سيكون الاتي ، لان المستقبل غير منغلق ، بل منفتح ، قادر على اكتساب ما يتبدى قوياً يوميء لعظمة اكتمال المستقبل وليونة حواره باستمرار .

*************************

اكدت الدراسات المعنية بتطورات الكائن البشري مع تعددات الاسلاف بالصعوبة التي تكشفت عنها والتعقيدات وتضافرت كلها مثلما تم الكشف عن ذلك " يان / ايلنيك / الفن عند الانسان البدائي / ت : د . جمال الدين الخضور / دار الحصاد / دمشق 2017/ ص7// عن ذلك من خلال ما توصل عبر النظريات العلمية وتشخيصات العلمات الذين اكدوا على ان يعتمدوا فقط على مكشوفات العظام الملقية ، لملايين السنين ، في الصخور الجبلية ومدرجات الانهار ، او في طبقات التربة النباتية ..... لقد ابتكرت وسائط واساليب معقدة لدراسة المكتشفات وظهرت في السنوات الاخيرة مجموعة من الاكتشافات الهامة التي ادى الكثير منها الى انقلاب حقيقي في التصورات السائدة العامة حول تطور الانسان .

اكتشف علماء الانثربولوجيا تنوع الكثير من المواد الجديدة حول اسلاف الانسان الغابرين . وما زال الكثير من المكتشفات غير مدوّن او مسجل لم يخضع للتحليل بشكل مرَّض . لذلك فان تقسيمه من قبل عدة علماء غالباً ما يدفع الى ظهور اختلافات هامة في وجهات النظر . لكن من الاكيد ان الكثير من الاكتشافات غير المتوقعة ما زال ينتظرنا على هذا الطريق / ن . م / ص7//