بكامل جماله وعمق محتوى كتبه.. جناح منشورات الأدباء ينتظر افتتاح معرض العراق
سبعة كتب جديدة تنضم لمنشورات اتحاد الأدباء في حقول إبداعية مختلفة
بنجاح وتميّز كبيرين.. مهرجان الحبوبي السابع يختتم أعماله في ذي قار
كلمة الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق بمناسبة افتتاح مهرجان الحبّوبي/ الدورة السابعة
بمشاركة متخصّصين أكفاء.. مؤتمر الأدب الشعبي في اتحاد الأدباء يزهر بجماله ومعرفته
"أوراق الطفل الوقح/ عزرا باوند قارئاً جيمس جويس" ترجمة جديدة بمنشورات الاتحاد
لقد عرفت الحضارة العراقية اشكالاً عديدة من الفنون وعبر مختلف وسائل التنفيذ ، ومن هنا جاء تميز وتفرد هذه الحضارة ، ولعل اهم ما يميزها فنياً عن الحضارات الاخرى في الشرق ، هو من الاختام الاسطوانية ، هذا الفن الذي لم نعرفه بشكل واسع ، الحضارات الاخرى ، على الرغم من انها لم تستطع الصمود امام التأثر به ، لكنها ظلت قريبة منه ، مع علمنا بانها ــ الحضارات الشرقية ــ قد تناغمت مع انجازات الحضارة العراقية القديمة ، ابتداءاً من حضارة اور ، وتأسيساتها الاولى . لذا بامكاننا ان نؤشر واحدة من اهم ملامح الفن العراقي القديم وحصراً الفن السومري .
ومن هذه التأشيرات الفنية المهمة ، منجز الاختام الاسطوانية والذي يمثل احد اهم الانجازات الحضارية ، والتي اتقنها الانسان في العراق القديم منذ 35000 ق . م ولم تكن الاختام الاسطوانية / لو المحفورات مكتفية بالحفر فوق الطين ، وانما وجدت نماذج عديدة ، محفورة على الحجر والمعادن النفسية ، مثل الذهب والفضة . والعمل الفني على تلك المعادن ، يعني ــ حتماً ــ وجود اقتران بين العمل الفني وبين مؤسسة دينية او سياسية من اجل ان يكون واجهة ــ العمل الفني ـ او هدية ما ، لذا تم اختيار المعدن الثمين ــ وسيلة للتنفيذ ، كذلك تم استثمار الرقائق الصفيحية . واشار الفنان رافع الناصري الى ان عناصر الاختام الاسطوانية ، لا تختلف كثيراً عن فن الكرافيك . فنجد الرسم والحفر والطباعة على الطين ، وهذه تمثل اساسيات العمل الكرافيكي المنفذ على الورق .
وتصدى مهارة الفنان العراقي القديم في اختيار المساحة التي يشتغل فوقها على الطين ، وهي مساحة صغيرة جداً ، وتمكن من ضبط الاشكال وتحقق عنصر انسجامها وتناغمها مع المختلف واياها ، وهذا ما يلاحظ بوضوح تام في اشكال الانسان او الحيوان والاشجار ، هذه التكوينات المختلفة ، لم تكن مجردة وانما ذات وظيفة ، او مجموعة وظائف دينية / سياسية / اجتماعية . ولعلنا نتذكر الاختام الاسطوانية المعروفة والمشهورة عن الملك جلجامش ، الملك الخامس في سلسلة الملوك الذين حكموا مدينة اوروك بعد الطوفان .
يبدو بأن اهتمام الانسان العراقي القديم بالأختام لم يكن اهتماماً ذاتياً وشخصياً ، وانما هو وسيلة تدوينية في مرحلة شيوع اللغة التصويرية ، او نشط في فترتها هذه ، والاهتمام بالأختام تجسيد لموقف سياسي / ديني ، لذا نجد بأن الاختام قد تمركزت حول مواضيع عديدة ، لكنها ذات صلة بالنظام السياسي ، والمنظومة الدينية وسلطة الالوهة . لذا كانت اكثر الاختام خاصة بالملوك والالهة ، ومتجسدة لعقائد دينية عرفها الديانة العراقية القديمة . ولنا في الاختام الاسطوانية الخاصة بالملك جلجامش ، وهي دليل مهم ولافت للانتباه ، وكان لفن الاختام تأثيرها الواسع لاحقاً ، حيث امتد في المراحل الحضارية المتقدمة عبر خصائصه وبعض تفاصيله الدقيقة والبسيطة ، والحفر المتناهي جداً ، وهيمنة الفنان القديم من خلال قدراته على تجسيد الموضوع الذي يشتغل عليه ويريد ابرازه مع ملاحظة كون الاسطوانة ذات حجم صغير جداً .
ولعل اهم الملامح التي ميزت عمل الفنان العراقي القديم ، وهو الوعي بتفاصيل التكوين الاسطواني ، والتمكن من العناصر الذاتية ، لكل من الحيوانات المشكلة للختم وهذا ما يتبدى واضحاً في الاشكال التصويرية الخاصة بالحيوانات وحصراً الغزلان . كذلك الرموز الشائعة والتي عرفتها الحضارة القديمة / الديانة العراقية ، وهي رموز ذات وظائف دينية ، لكنها ساهمت ببلورة مفاهيم لها صلة بالفن العراقي القديم ، وتحولت الى خصائص ثابتة .
ان الفن العراقي القديم ــ بشكل عام والاختام حصراً ــ ما كان ليكون وليتمركز هكذا ــ ومثلما عرفته الحضارات ــ لولا الدين والنظام الالوهي . كما اننا في تعاملنا مع الفن العراقي القديم لا يمكن عزله عن محيط المحاكاة ونقل عناصر دينية والاعلان عن وظائف ، لها علاقة مع الطقوس والقداسة . اي ان جينولوجيا الفن العراقي والفنون الشرقية هو ديني وقد اكد ذلك مالرو بقوله : الفن السومري ، مثلما هو حال الفن المكسيكي والمصري فناً مهتماً بالقداسة والتي تمثل بصفة بارزة عالم الوهم وعن طريق الفن وحدة اتخذ هذا العالم الوهمي شكله .
ان الاختام الاسطوانية ، التي اهتمت بالإنسان ولأسباب سياسية ودينية ، مثل جلجامش ، لم يحاول الفنان العراقي القديم تجسيدها مكن خلال عناصر بشرية ، واضحة الملامح تقربه من الحياة الانسانية ، وانما نزع عنه صفاته اليومية ، وقربه اكثر من الاشكال الالهية ، باعتبارها صفات دينية / سياسية وذات صفات مقدسة وبذلك حاز الانسان على صفات دينية لم تكن له من قبل .
كثيراً ما تشير المنحوتات بوجودها الواسع وسط المعابد ، وفي الاماكن الخاصة ، بداء الشعائر والطقوس لوجود علاقة شفيفة بين المكان والافراد ، كذلك هيمنة التجليات والاشراق الذي تثيره المنحوتات في دواخل النفس الانسانية ، والتي ساهمت بتكريس الصلة بين المكان / المعبود وبين الانسان واشار مالرو : الى ان الصفة الاساسية للفنون القديمة تعود الى محاولات الانسان القديمة للتعبير عن ذاتيته بوسائل لا يملكها الانسان . لذا فاننا نلاحظ بأن الفن البوذي والمسيحي اهتما بالجانب الروحي العاطفي المختلف بوسائله التعبيرية اختلافاً كلياً عن الوسائل الخاصة بالتعبير الروحي المقدس والذي عرف في الفن العراقي القديم .
ستظل الاختام الاسطوانية ، فناً عراقياً خالصاً ومثيراً للاهتمام والجدل ، وطغت عليه وفيه وظائف دينية مقدسة ، وامتدت بعض عناصره الى فنون اخرى في الشرق الادنى القديم ، ومنها فن حسونة ، حيث برزت تشكيلات زخرفية مدورة ، وتضمنت دوائر شكلتها حركة الاشخاص او الطيور والضفائر المربعات ، التي هي ايضا علامة شكلت الصليب باعتباره منظومة رمزية خاصة بالخصب وعقائده الدينة في التفكير العراقي والذي تطور في العصور اللاحقة ، ليرسم السواستيك المالطي المقترن بعبادة الشمس كعلامة سيميائية تتكون من منظومات رمزية ، صعدت نحو العديد من بلدان الشرق الادنى القديم .
ان البحث في الاختام الاسطوانية ، يقدم لنا فرصة نتمكن عبرها من تفكيك الختم / النص ، وعزل مفرداته المختزلة والمختصرة والتعامل معها كعناصر دالة على مدلول او مجموعة مداليل دينية / طقوس / عقائد ، تومئ كلها لمرحلتها وتاريخها ، حيث لا يمكنها الذوبان والاختباء .
كما ان تتالي تكرار العلامة في الاعمال الفنية ، يساهم بترسيخ مدلولها ، وبالتالي تتحول الى رمز ثابت يومئ لما هو ديني ثابت وراسخ ، في صياغة البنية الذهنية الاسطورية في العراق القديم .
ويلعب التكرار الخاص للموضوع السياسي والمتن الديني ( الملك ) نحو تحويل الختم الاسطواني باعتباره مجموعة منظومات دينية الى علامة ايقونية ، لا تشير الا الى مدلولها المباشر ، والذي لا يكون الا بها ، ولا تتجسد هي الا من خلاله وبه .