صدور العدد الرابع للعام الثالث والستين من "مجلة الأديب العراقي" بطبعة غنية بالجمال
يوم اللغة العربية فعالية مشتركة بين اتحاد الأدباء وكلية التربية في الجامعة المستنصرية
اتحاد أدباء العراق ينهي مشواراً ناجحاً في معرض العراق الدولي للكتاب
اتحاد الأدباء يبارك للأدباء الفائزين بجائزة الأبداع العراقي والمكرَّمين بقوائمها القصيرة..
الشعر والأدب الساخر محاور جديدة طرحها اتحاد الأدباء في معرض العراق للكتاب
الأجيال الأدبية والمسرح الجماهيري أهم محاور اتحاد الأدباء في معرض العراق للكتاب
(١٥) كتاباً جديداً يصل لجناح منشورات الاتحاد بمعرض العراق الدولي للكتاب
قال د. احمد سوسة في كتابه ( تاريخ حضارة وادي الرافدين ط1)
يمثل هذا النقش المدّون على ختم اسطواني ، يعود الى العهد السومري القديم قصة آدم وحواء التوراتية ، يشاهد فيه رجل على رأسه قلنسوة ذات قرنين وامرأة بدون لباس الرأس جالسين الواحد امام الاخر . كل منهما ماد يده لاقتطاف التمر المحرم من شجرة الحياة ( شجرة معرفة الخير والشر ) وتشاهد الحية منتصبة واقفة خلف المرأة وهي تغريها للأكل من التمر المحرم عليها اكله . والظاهر هنا ان الشجرة التي حذر آدم وحواء من الاكل منها والتي ورد ذكرها في التوراة ( تك : 2= 15ــ17) هي شجرة النخل .
اعتمد الاستاذ احمد سوسة على النص الاجنبي في تفسير الاسطورة التي عبر عنها هذا الختم . والمعنى المفترض ضعيف جداً لان شجرة الفردوس التي تهيكل حولها النص التوراتي لم تكن النخلة ، بل هي شجرة التفاح والبعض قال بانها شجرة الرمان او التين .
السؤال الذي يثير رأي الاستاذ احمد سوسة هو ان الخطيئة التوراتية لاحقة للأسطورة السومرية التي بالإمكان قبول المعنى الذي تضمنته تفاصيل الختم ، وهذا امر صحيح جداً ، لأن مكونات الختم السومرية تشير بوضوح لأسطورة التابو التي استعارتها التوراة التي كتبت بعد الاف السنوات ، لان تدوين التوراة حصل في القرن السادس والسابع ق . م بينما تاريخ الختم الاسطواني يعود للمرحلة الحضارية المقترنة بالعهد السومري القديم .
والفرق كبير بين المرحلتين . والفردوس السومري حاضر ومعروف في عديد من الاساطير الخاصة بالاله انكي والام الكبرى السومرية ننخرساك . وتضمنت اكثر من اسطورة عفوية الطرد لإله ما ، مثلما حصل على سبيل المثل مع الاله انليل عندما اغتصب الالهة لذا لا يمكن اغفال الاصل السومري للطرد التوراتي ، ليس هذا فقط ، بل هناك كثيراً من الاساطير العراقية ، حصل سطو واضح عليها . وقد درست هذا الامر في اكثر من كتاب ، صدر لي في بيروت وعمان ومنها : الاسطورة والتوراة / المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، واقنعة التوراة + التوراة السياسي + موسى واساطير الشرق عن الدار الاهلية في عمان .
انا اكثر ميلاً للأصل السومري لهذه الاسطورة ، لان وجود النخلة كاف لتأكيد ذلك ، لأنها معروفة بانتشار زراعتها في العراق قديماً . ويعتبر النخل من اكثر الاسباب الموضوعية التي شجعت الاقوام السامية ، على ترك الجزيرة العربية والهجرة الى العراق . وقال الاستاذ شوقي عبد الحكيم ما يؤكد وجهة نظري ، حيث اعتبرها الساميون شجرة الحياة في جنة عدن . والنخلة شجرة الميلاد عند كل شعوب غرب اسيا ، وجاءت من اسمها تسمية فينقيا او فينيق ، بمعنى " الدامي " وربطت شعوب البحر الابيض المتوسط بين عمليات اخصاب النخيل او ما يعرف بــ " الطلع " او التلقيح التي بدونها لا تطرح النخلة او لا تثمر ، والعلاقة واضحة بين النخل وبين الموت ثم القيامة ، او توالي الولادة والاستمرار .
اعتقد بأن المرأة الموجود مع الاله في الختم الاسطواني السومري هي الهة ، على الرغم من عدم وجود الطاقية المقرنة ، لكنها جالسة على دكة الالهة ، والدكة رمز تعريفي بالمكانة المقدسة ، ولهذا ارتحلت صفة النخلة الرمزية والدينية واقترنت بالإلهة عشتار ، وصارت شجرتها المقدسة . ومن اسمها تسمت مدن تدمر في كل من الشام واليمن والحجاز ، ومثلما قال الاستاذ شوقي عبد الحكيم .
كما دخلت النخلة في الاساطير الاغريقية ، فكل من الالهة ، ابولو ونبتون ودلين ، ولدوا تحت نخلة وكذلك المسيح في الميثولوجيا السامية والاشارة واضحة وصريحة لذلك في القرآن الكريم . ولان الاسطورة عنصر مركزي في صياغة النظام المعرفي ، فانها دائماً ما تكون محتشدة بشبكة من الرموز هي الابتداء الاول في الحضارات الشرقية ــ والعراقية أولاً ــ لتحديد ملامح الكتابة الصورية . وتختلف هذه الاساطير برموزها عن القصص والخرافات والحكايات الموظفة للرموز التي تقترب مما هو موضوعي ، لذا انا اعتقد بأن الاسطورة التي تضمنها الختم الاسطواني السومري ، يفتح لنا محاولة للاقتراب من العلاقة الممتدة والموروثة بين مكونات الاسطورة لاحقاً ، من خلال رموزها التي لم تتفكك ، بل ظلت حاضرة ، معبرة عن نظام متداخل ، ليؤكد بعداً ثقافياً ودينياً ، يتجه نحو الخصوبة بالحياة ومثال ذلك استمرار العلاقة بين النخلة الرامزة للآلهة المقدسة والافعى التي ظهرت في الختم اول مرة . حيث ظلت الحية رمزاً وعلامة دالة على الام الكبرى الاسطورية ، والالوهة المؤنثة وكشفت التنقيبات الاثارية وجود الافاعي / الحيات في معابد الالهة الكبرى ، لأنها تتماثل معها بالوفرة ، واستمرار حياتها وتجدد انبعاثها . وظلت الحية في المعتقدات الشعبية ، التي هي عقائد موروثة ، مقترنة بما له صلة مباشرة بالمقدس ، حيث دائماً ما تختار الحية مكانها للاختباء او الاحتماء في قلب النخلة ، وكأن هذا التواجد اشارة واضحة للعلاقة الاسطورية الاولى . وايضا لها اقتران مع الطين / الحيطان الريفية التي تلوذ بها ، وهي ( الحيطان الطينية ) تومئ للحظات تخليق الام الكبرى واعتمادها على مادة الطين المقدسة .
ويثار سؤال متكرر حول العلاقة التي تحدثت عنها ، وهذا الامتداد المستمر مع انحرافات معينة ، اقول بالإمكان التعامل مع مكونات الاسطورة بانها ليست منطقية ، لكنها ليست معزولة عن المكان ، الذي انتجتها ودفع بها للتداول عبر الطقوس والعقائد ، وانا اؤمن بأن الاسطورة طاقة رمزية ، غير قابلة للتعطل ابدأ ، بل تظل حاضرة وبتفاوت ، وفي احيان اخرى تحتفظ ببنية صغرى من الما قبل ، وتدفع بها لاستكمال الدور المعرفي ، غير القابل للتعطل الكلي . ذلك لسبب جوهري وهو ان لغتها خاصة ، لا تقرأ بسهولة ، اعتقد بانها متماثلة تماماً مع النص المكتوب بلغة اجنبية ، او تشبه الحلم ، وكلاهما بحاجة للترجمة ومن بعد اقتراح تأويل لها .
تظل النخلة احد اهم الرموز الموضوعية المتعايش معها من قبل الجماعات التي لم تكف عن انتاج عقائدها وطقوسها ، ولان بدايات النخلة ــ كما في الختم السومري ــ دينية / مقدسة ، ظلت تحمل هذه الصفة في الارياف ، واطلقت عليها الجماعات " العلوية " وعلى الرغم من انها مصدر حياتي ، تعايش معها الكائن وسيظل حتى الابد . ابتكرت الجماعات لها محرماً وهو لا يجوز جني تمرها بعد غروب الشمس لانها تصرخ ، والدرس التربوي والاخلاقي واضح ولا يحتاج للتفسير .
كان انشاء البساتين منذ 5500 سنة ، اي مطلع عصر الوركاء زمن بداية الكتابة ، وان ظهور العلامة المسمارية التي يكتب بها اسم البستان قد ظهرت منذ ذلك العهد ــ ويرى الاستاذ طه باقر ان النخلة كانت اول شجرة غرسها الانسان في جنوبي العراق .
وطائر الفينيق او النخيل ، اسطورة كنعانية معروفة ، يحج هذا الطائر الى مدينة بعلبك ، ويموت بها وينبعث ثانية هناك . وقال عنه هردوت : يشبه هذا الطائر العنقاء . العلاقة خفية بين طائر الفينيق وبين شعاره المقدس " النخلة " وايضا بين عقائد الحياة والموت ومن بعد التجدد / الانبعاث والصعود ثانية .
" اكرموا عمتكم النخلة " لأنها خلقت من فضلة طينة آدم قال عنها القزويني : انها تشبه الانسان من حيث الاستقامة . وامتياز ذكرها عن انثاها واختصاصها باللقاح . ولو قطع رأسها هلكت ولطلعها رائحة المني .
النخلة مقدسة في بابل وفينيقيا والجزيرة ، وهي صورة للحياة " سواء نظرنا اليها من حيث هي كائن واقعي او من حيث هي رمز حي " .