ثغيب صرخة احتجاج ضد الفساد رواية شوقي كريم حسن / اياد خضير

  • 24-08-2021, 10:03
  • نقد
  • 1 130 مشاهدة

 

( ثغيب ) هو الصوت العالي المبحوح من الوجع، هي مفردة عراقية احتجاج على الوضع المتردي، كلمة لها جذورها السومرية هذا ما قاله عنها السارد شوقي لأنه سومري من مدينة الناصرية ولد في ناحية الغراف، كانت لوحة الغلاف قد جسدت الصرخة العالية وكانت معبرة عن العنوان لا اريد الدخول في قاموس اللغة عن ثغيب، انما اوضح ان الكلمة هي صوت احتجاج معارض تحمل الشجن واليأس من أجل الفقراء.

يقول بارت : أن السرد موجود حتى في اللوحة المرسومة.

 ( نحن لا نجد في أي مكان في العالم، شعباً بلا قصص، فلكل جماعة انسانية قصصها التي غالباً ما يتذوقها أناس تتفاوت ــ بل وتتعارض ــ مستوياتهم الثقافية ) *1

تحكي الرواية على لسان شكرية زوجة جبر الواضح، كان يسميها شكر لمة، وهي من المعجنات التي تطغى عليها مادة السكر تكون حلوة المذاق، استخدم السارد الكثير من اللهجة العامية، لأنه يحتاج أن يفهما الانسان البسيط، جاءت عناوين رواياته على هذه الشاكلة، هتلية/ قنزه ونزة/ شروكية / هباشون / لبابة السر / ثغيب/ كلها روايات تعالج الوضع الاجتماعي الذي يعيشه الانسان العراقي، مواضيعها انسانية واقعية عبر اجواء اسطورية وميثولوجيه وميتافيزيقية ( أعلن رسمياً، ومن خلال ثغيب ( شكرية ) التي شقت نفنوفها المليء برائحة الباذنجان وزفرة السمك البائت، وسط طست صدئ حائل، ودورانها غير المحسوب الخطوات بين الحوش، والغرف الطينية، التي تعرف أنها فارغة لا تحوي غير وجع الذين اغرتهم الفرارات الى جهات لا تدري أين ( مات جبر الواضح.. مات الذي ما بخل علي وما أخفي عني شيئاً.. مات الذي كان يسد شكرية وحشة الليل، وهو يأخذها الى صدره، حاكيا لها، مال يخطر على بال أحد يضع ضفيرتيها المدهونتين بالحناء والمسك عند منابت صدره الكث مثل زرا زير لا تجديد الحراك ، مات جبر الواضح )ص9 بهذه الكلمات ابتدأ القاص والروائي والسيناريست شوقي كريم  بالسرد، قصة امرأة أسمها شكرية مات زوجها جبر الواضح ( جبر بن جاسبية بنت خزامة) تبحث عمن يعينها على دفنه، الجميع يهرب لان عملية الدفن تحتاج الى مبالغ مالية وهي لا تملك، ظل جثمان جبر الواضح حتى تعفن ولم يدفن ويخرج من ثناياها دود أحمر متوهج، تكاليف الدفن باهظة وشكرية لا تملك غير دجاجة واحدة وثمان بيضات ونصف كيس طحين، ( لم تجد أمامها بعد شعورها بخيبة الامل غير ( شراد ) الذي اندفع اليها عارضاً مساعدتها في الدفن ، نظرته بحيرة اولا ، لأنه قعيد الارض منذ سنوات الحرب ) ص15

تقول أحلام مستغانمي: انت من بتأمل جثة حب في طور التعفن، لا تحتفظ بحب ميت في برد الذاكرة، أكتب لمثل هذا خلقت الروايات.

الرواية هدفها الاول هو امتاع القارئ بكلماتها الشعبية وحواراتها البسيطة، أحداث من صلب أناس بسطاء عاشوا في جور وظلم السنين الماضية، تجعل المتلقي منسجماً ومتفاعلاً مع السرد وبهذا يكون الروائي شوقي كريم قد حقق استمتاعه بلذة النص عن طريق ذاكرته التي تحمل الكثير من الاشياء التي خاضها في حياته اليومية وفي صباه فهو متمكن من اللغة السردية جعلته قادراً على تطويعها وتسخيرها في التعبير عن الحوادث.

( دون سابق لحظة، ثغب جبر الوضاح، الذي تركته شكرية شكر لمه، يواجه مصيره منفردا، مثل رغيف خبز يابس، وارتمت بمجون عطشان ثمل، بين يدي (شراد ) الذي راح يبحوش بين طيات الجسد المكتظ باللحم اللين، المثير للشهية) ص31

الرواية أدانة للوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي قبل وبعد 2003 كلف جبر الواضح أن يكون مسؤولاً عن سلق البيض بماء الورد ورميه الى اسماك السيد الف بيضة يومياً عند الصباح ومثلها عند مغيب الشمس واذا أكل بيضة واحدى يسد جوعه يحاسب، إعطاءه خمسة بيضات فاسدات الى أهله.( لك اتشوف هذا السمك احسن منك يومية يأكل بيض ومسلوك بمي الورد.. انت شنو. لك جبر بس لا تبوك بيض دير بالك تره نسويك بيضه واذبك للجلاب.. يالله غني ..يابط. يابط اسبح بالشط ..!!)ص127

الرواية فيها الكثير من الامثلة أذكر منها ( الشهر الذي لا فائدة منه لا تتعب نفسك وتعد ايامه)ص57  مقولة يزيد ( اليوم خمر وغداً أمر ) ص56 من الذكر الحكيم ( تلك الايام نداولها بين الناس لعلهم يفقهون ) ص57  هتافات الحرب ( هله بيك هله .. وبجيتك هله ) احنه مشينه للحرب .. عاشق يدافع من أجل محبوبته )ص59 الكورس ( يفني ) العزيز انت .. انت!!ص62 ماكو مؤامرة تصير والحبال موجودة ص66 وهناك الكثير من الامثلة بين طيات السرد.

( بروب ) المنتمي الى المدرسة البنيوية :Proppيقول

( ان السرد اما ان يكون مجرد استرجاع لبعض الاحداث، وفي هذه الحالة لا يمكن الحديث  عنه الا بالرجوع الى فن الراوي وعبقريته، واما ان يشترك مع أشكال أخرى في البناء، ومن ثم يكون قابلاً للتحليل)*2.

الحوار في رواية ثغيب يتطابق ومستوى الشخصيات المتحاورة بأسلوب سلس متماسك يشد القارئ لأن الروائي شوقي يجد همومه ولغته فيه، الحوار يطلق علية نكهة السرد، احتجاج جبر الواضح الذي عاش اهانات الحروب يبحث عن لقمة خبز في لعبة سردية تدفع المتلقي للمتابعة لمعرفة الحزن العميق الذي غلف اجساد الفقراء والسخرية من الحكام، استطاع السارد شوقي كريم أن يسترجع الواقع العراقي المزري المأساوي الذي يعيشه الناس البسطاء الذين يسكنون العشوائيات كان يمزج الواقع والماضي والحاضر والخيال( فلاش باك )، أجاد الروائي بتقنية السرد المتقطع يتحدث عن الاموات ثم يعود الى الاحياء السرد هنا يحمل نكهة الاستذكارات.

( وضعت شكرية رأس جبر في حضنها الذي أشعره بالرضا، كان يشم رائحة المسك الفواحة التي اعتادت شكر لمة دهن جسدها به.

قالت بود: جبر ما بك؟

 ــ لا شيء.. الدنيا سرقت روحي يا روحي!!

ــ ما تعودت هذا منك.. جفوتك تؤذيني!!

ــ من يجرؤ على الابتعاد عنك وانت لب القلب شكرية لكن الايام تجلد ظهري ليل ونهار.. السنوات تمر ونحن دون ولد يسند احزاننا..!!) ض129

أثناء محاكمة جبر الواضح من قبل الكاهن سأله جبر سؤال المتهم جبر بن جاسبيه بنت خزامة كان مخيراً في أفعاله أم مسيراً؟

أجابه الكاهن الانسان مسير.

قال جبر بصوت رخي ناعم اشعره بالانتصار لأول مرة ــ سيدي الكاهن لأني مسير فهذه الذنوب والخطايا انتم مصدرها. انتم من جعلها عنوة امامي وما كنت سوى اداة طيعة من ادوات وجودكم !!

صرخ الكاهن خائفاً ـ ما الذي تقول؟

أيها الكاهن ... أنت من يتحمل المسؤولية ... ارجوك تعال مكاني لا بدأ محاكمتك!!)ص198

ارتجت القاعة بالتصفيق والهتافات كان الكاهن لا يعرف ما الذي يمكن ان يفعله.

انتهت الرواية مثلما بدأت بهذه الكلمات :

( أعلن رسمياً، ومن خلال ثغيب ( شكرية ) التي شقت نفنوفها المليء برائحة الباذنجان وزفرة السمك البائت، وسط طست صدئ حائل، ودورانها غير المحسوب الخطوات بين الحوش، والغرف الطينية، التي تعرف أنها فارغة لا تحوي غير وجع الذين اغرتهم الفرارات الى جهات لا تدري أين ( مات جبر الواضح.. مات الذي ما بخل علي وما أخفي عني شيئاً.. مات الذي كان يسد شكرية وحشة الليل، وهو يأخذها الى صدره، حاكيا لها، مال يخطر على بال أحد يضع ضفيرتيها المدهونتين بالحناء والمسك عند منابت صدره الكث مثل زرا زير لا تجديد الحراك ، مات جبر الواضح !!)ص200

أخيراً

ثغيب رواية مؤثرة لأبناء العراق خصوصا المنطقة الجنوبية .. الناصرية، كونها المدينة المملوءة بالوجع والهم والتهميش، ولدنا بالهم وشببنا بالهم وكبرنا بالهم فكانت مؤثرة نعيشها وعشناها بكل تفاصيلها.

يذكر ان الرواية اصدار الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق / بغداد بواقع 206 من الحجم المتوسط .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*1 د. سامية أحمد أسعد التحليل البنوي السردي.

*2. نفس المصدر.