إسماعيل سكران.. أطر السرد النفسية - شوقي كريم حسن

  • 12-11-2020, 22:44
  • نقد
  • 933 مشاهدة

*حين حطت عوالم السبعينيات من قرن المواجع، وقف الولد الواسطي يتأمل مايمكن ان يحدث من متغيرات، هو الذي كانت اسئلة الانتماء الحالم تملأ روحه وتفيض على وسائد وجودة حتى الاستيقاظ، البدايات التي هيمنت على المصير الجمعي كانت معتمة، وبصعوية فرزنة حقيقتها من كميات الوعود والاكاذيب التي تطلق، بغتة قرر الولد الفارع الطول مثل نخلة خستاوية دراسة علم نفس جاء الارض حديثاً ، التربوي، تبدو الكلمة مثل طريق موحش، لكنه ايقن نجاح مهمته ، مثلما  شطت به روحه ليتعلم لغة مساعدة، تمنحه سعة الاطلاع والمعرفة، كانت الانكليزية سلاح آخر، وتوجه اخر، وصياغة معرفية تقدمه كما يرغب ويريد، تقدم صوب هيامات السرد القصير الذي تعلقت به نفسه، وتمنى لو انه استطاع الوصول الى غاياته، قرأ موبسان وسالنجر ودي بفوار، وتشخوف، وعلى عكس ابناء جلدته ظل قصياً عن سارتر وكيرجارد وكامي و رهطه، هو يؤمن بيقينية مطلقة ان لادب دون واقع يشيده، ودون رغبة في ايقاظ المعنى النفسي التي تخلق التحديات، ستظل هذه الازمة واحدة من اهم الاشكاليات التي ترافق اشتغالات اسماعيل سكران، الذي بدأ وبهنيهة تأمل مع سرديات قصيرة، اهتمت بدواخل الشخوص وعلامات تحركها، لايحبذ  استخدام التداعيات الحرة التي ابتكرتها فرجينيا وولف، لكنه قد يحاذتيها مرات ، مع ظن يقيني، ان الشخصيات السردية التي لاتكشف عن ردود افعالها النفسية ازاء المكان والزمان والثيم، ستظل شخصيات عارية غريبة عن الواقع، لاتستطيع التأثير بالمتلقي والانتماء الى الارثية السردية الجمعية، مع تأرجح الوقت  واندفاعاته من حرب الى حرب ، وانقياده الى حصار حاول جاهداً لملمة وعيه، وتشخيص الكيفيات التي يمكنها مساعدته في خرق قاعدة الادلجة العامة، وهذا ما نجح فيه فعلاً، هدوء اسماعيل سكران ابهج طاقة تحرك تأملاته وتمنحه لحظات سرد خاصة، قد لاتتوافر الا عند القليل من اولئك السراد الذين وجدوا انفسهم امام محنة الروح وحصارها، يهتم السارد بالبناءات السردية، لايعتمد التداخل، ولايحبذ الاسترخاء ايضاً، ثيمه الفاعلة تشتغل برفقة شخوصه داخل مهمتين اساسيتين هما كيفيات تاثير الزمان على الشخصية والحدث، وفعالية المكان الذي يعتبرة اسماعيل سكران عتبة القص الاساس والمؤثرة ايضاً، مع صياغة تجاذبية للحوار الذي يظهر  في الكثير من مسرودات السارد على انه فعل لايحتاح الى رد فعل، بل الى توضيح مقاصده ودلالات الانتماء والرسوخ، وتلك مغايرة سردية ظل سكران يتابعها وينميها بعد ان تحول الى المسرودات الطويلة، قد تثير الدهشة متلقي السارد لانه يعتمد لغة مقتصدة، لايسمح الها بالاندياح الى اينما تريد وساعة تريد، وهذه السيمة اخذها عن القصة الانكليزية التي ترجم منها الكثير وتفحصها بدقة الراغب بالتعلم والتعليم معاً، البطء ودقة الاختيار هي سمة ثالثة، يقف عند ضفاف رغباته لايتحرك الاضمن منطق الاختيار والتفكيك ثم اعادة البناء والتشكيل، وهذا يتطلب وقتاً وجهداً يجد اسماعيل سكران فيه متعة روحية، وخيار رائع لترويض النفس وفعالياتها مع رفقة تطول لشخوصه المختارة بعناية ودقة، بهذا الاختلاف تمكن اسماعيل سكران الوقوف عند الصف الاول من سراد الجيل السبعيني، دون ضجيج ولا حتى رغبة بالاعلان عن حضوره، هو سارد اشتغالي، سردياته تعلن عن وجوده ووجودها، مع تطور معرفي سردي متنامي  وصياغات لغوية ترفض الوقوع في اقفاص التشابه والتقليد الذي لاطائل منه، معظلة اسماعيل سكران، هي تجاهل النقدية العراقية لمنحزه بشكل يكاد يكون واضحاً، برغم ان ثمة دراسات مهمة شخصت تجربته واشارت اليه، لكنها لاتكفي المنجز ثر وعميق وواع  لرسائلة ودلالاته ومقدما لمرموزات جمالية تثير شهية متلقيه ورغبته في تحفيز هذا العقل السردي الذي حلق خارج سرب الاعتياد وسيظل يزامل وحدته السردية متحملاً كافة توابعها ومكوناتها القاسية والفاعلة ايضاً، اسماعيل سكران.. غادر الانتماءات الخاصة التي توقف السؤال عند حدود المقصد السياسي لينطلق بأتجاه الاسئلة النفسية الانسانية العامة مؤمناً ان هذه اهم شروط السرد ومقوماته ورسوخه ،!!