منذر عبد الحر.. ملامح الانتقالات السردية - شوقي كريم حسن

  • 3-10-2020, 23:35
  • نقد
  • 941 مشاهدة

بخفة فواخت نخيل البصرة، التي تنوح من اجل ترسيخ الأحلام الرخية في عمق ذاكرة الاولاد الذين انغمست ارواحهم وسط اتساعات شط العرب، وحكايات نواخذه ، وسفنه التي ما كانت تستقر الا عند الداكير ، الذي صار مجرد مهجور اخرس لا تروي حكاياته سوى السن اتقنت الحكي والتدوين، بهذه الخفة كان الولد الذي يحمر وجهه خجلاً كلما ابصر انثى بلون الهلاهل، ينتقل بخطو تعوده بطيء لكنه راكز، يتفحص فضاءات البصرة ومسراتها، اكتشف السياب، وغرابة حركة يديه، فراح يبحث عن شباك وفيقة الذي كان يود لو اوصله الى غاياته، وامسك بثياب كاظم الحجاج، وحسين عبد اللطيف، ثم وبجرأة الواضح الاختيار ولج مملكة محمد خضير السوداء، ليجرب زيارة الشفيع، وجد انثيالات المشهد المعرفي البصري بسعة ازمنة البصرة من فراهيديها حتى ثورة زوجها البيض، تواريخ تحتدم داخل الارواح لتصنع مجداً معرفياً لا جدال فيه، الكون الباذخ أخذ منذر عبد الحر الى استغاثات بصرته ايام كانت تغتسل ببارود الحرب وتمتليء بخطوات الفارين من جشع الموت، بدأت فكرة الحرب تأخذ منه جلَّ اهتمامه، ماالذي تصنعه الحروب غير هذا الدوي السافل، والتوابيت التي لا يتوقف مرورها بإتجاه محطات القطار؟

تلك ثيمة سردية فرضتها الايام على جيل الثمانينيات بكله، هم حطب الاحتراق اليومي، ورمز تحدياته ايضاً، رغم هدوء منذر عبد الحر، الذي يتلبسه اينما اتجه، لكنه يضم بين ثناياه نفساً امارة بالغضب، تعود جمحها من خلال اللهاث وراء البياض الذي اختاره اداة متحدية للتعبير، لا شيء يغريك في سرديات منذر عبد الحر الشعرية، غير كم الغضب والصراخ، والاحتجاج، وفيوض الاحلام، هو صانع احلأم يغاير كل من انتمى اليهم شعرياً، لايسرد شعره تحت رغبة ان يكون شاعراً وكفى، بل يخطط ويضع الشفرات الدلالية نصب عينيه، معطياً للحكي فعاليته التي تأخذ بمتلقيه الى مايقصد ويريد، مطولاته السردية الشعرية، ومكتشفات نجاحها وديمومتها، هي التي دفعته بعد لهاث وقت الى ان يثب بارادة منحدٍ ليلج ابواب السرديات الطويله، اخذاً كل عثرات الأيام وتراجعاتها كثيم توثيقية، لم يرها سارد قبله، ينبش في تحتانيات الذاكرة الأنسانية الجمعية، ليخرج مايتفق ورسالته الايصالية، و يميز مسروداته التي شكلت ملمحاً مهماً في تاريخ السردية العراقية، تقترب لغة منذر عبد الحر في سردياته الطويلة من شاعريته مما يضطره الى الانصياع والقبول، ثمة الكثير من المنثورات السردية الشعرية، تجدها فاعل مشهدي قوي وتمكن، ولكن الامر لايقف مع عبد الحر عند هذا الحد، لانه يوظف اللقطة السيمية المحددة الابعاد ليتوهج بفعل استمراري من خلالها، مع ادراك واع لاهمية هذه اللقطات وتجميعها اتشكل الاساس البنائي الذي يريده عبد الحر، مختلفاً كلياً عما يعرفه، تمتد حوارات السرديات لتحل محل الوصف الاكمالي، يلج الحوار وهو يروم كشف اللحظات التأثيرية وهي في مجملها لحظات نفسية، تمكن المتلقي، الذي يعمل السارد على اقناعه، من الرضا والانتماء التطهيري في عموميات السرد، ويقترب السارد ايضاً من اللوحة المسرحية التي اعطت لمسروداته زخماً خاصاً، جعله يعاود السرد الطويل لمرات عدة، دون التخلي عن اهتماماته السردية الشعرية؟

كيف يمكن لعبد الحر الموازنة بين فعاليتين مختلفتين تماماً، الاختصار الروحي، والسعة الاكتشافية من خلال شخوص يتابعهم بوضوح ودراية وعمق؟

السؤال يظل معلقاً، وغير وارد الاجابة، مادام عبد الحر، مصراً على الانتقال من اناه الشعرية، الى اناه السردية الطويلة بشطارة جنوبي اتقنت حنجرته اطلاق مواويل العشق ماان يحيل ليل التسامر؟

اهتمت الذائقة النقدية العراقية بمنذر عبد الحر، سواء في وجوده الشعري، او سردياته الطويلة، التي اصبح من خلالها من التميزين ابداعياً!!