الحب حينما يكون طاغياً - عبد الهادي الزعر

  • 27-09-2020, 22:48
  • نقد
  • 966 مشاهدة

* قراءة فى مجموعة ( أمرأة من عسل ) للشاعر حامد الشمرى


عندما يتمكن الشاعر من لغته يصل الى قناعة تؤهله الى ترجمة أحاسيسه وعواطفه والبوح بها متى شاء ففى القصائد الحسان تبرز علاقة النص بقائله والنص بالمتلقى وتبدو على شكل (متلازمه ) بين الشكل والمعنى ؛ فالشعر مراّة الشاعر- - يعكس أستجاباته النفسية ومدى تعالقه بمن يحب -

فقد سئل محمد بن سلام الجمحى (231 هجريه ) يونس النحوى : من أشعر الناس ؟ قال

(لاأومىء لك لواحد بعينه ولكن أقول : أمرؤالقيس اذا غضب والنابغه أذا رهب وزهير أذا رغب والاعشى أذا طرب )

ويبدو السجع فى هذه المقولة قد طغى على المفاضلة فأحالها الى معنى غائم ومما لاشك فيه أن النصوص مرتبطة بقائلها ولهذا ألتجأت المناهج الوصفية التحليلية الحديثة التى تعتمد الموضوعية والتحقق من الافتراضات اللغويه من دراسة حياة الاديب وتكويناته وأخيلته فهى عدته التى يعتد بها كما توغلت عميقا بالعوالم التى تأثر بها ومناخاتها (أمكنه وأعلام )

- - كما درس العقاد أبن الرومى وأبى نؤاس - - ودرس طه حسين أبى العلاء والمتنبى - - ودرس ناجى علوش شعرية السياب أسبابها ودوافعها -

(مازال عطرك فى دمائى فاتحا - - - ورضابك الاشهى بثغرى يرقد

لم أدن منك برهبة مالم أكن - - - متوضئا حتى يتم الموعد

أن لامست كفاى كفك عدت لى - - - وأذا أفتقدتك وهلة أتبدد

مابين جيدك والمباهج قربه - - - يبدو الصراط المستقيم الاسعد

وبوجنتيك الورد يغفو ناديا - - - وعلى جبينك يستفيق العسجد

الدهر يفنى كل شىء فى الدنا - - - الا هواك فأنه يتجدد )

من نص اّخر العشاق ص5

البنية الايقاعية فى القصيدة العموديه هى بمثابة أتفاق غيرمعلن بين الشاعر وقارئه فالوزن لا وجود له الا بأعتباره علاقه بين المعنى والصوت (*) ففى هذه الابيات التى أخترتها عشوائيا من ستة وعشرين بيتا والتى أتصفت ( بوحدة المعنى )

فاللغة التصويرية والبناء الوصفى المسترسل بعفوية أحالنى الى جماعة ( أبولو ) حين كانت تلك الثلة المثقفة تسعى لتطوير أساليب شعريه غير مطروقه من قبل الشعراء الكلاسيكين حدث ذاك فى مقتبل القرن المنصرم -

ولا أستبعد الشمرى أن يكون متأثراً بهم فالتناغم الدلالى الممزوج بجرس الالفاظ كان شاغل الرومانسيين العرب أمثال احمد زكى ابوشادى وعلى محمود طه وابراهيم ناجى والشابى فقد أهتموا بالايقاعات الخارجية الضاجه ( بالصوت ) ثم أنهم تأثروا بروادها فى الغرب أمثال :كولدرج \هازلت \شلى \ أسبنسر \وورذروث ؟

وأما شاعرنا الشمرى فهو مترجم لشعراء أجانب كثر وله مجموعة شعريه فى هذا الشأن لكونه مدرسا مرموقا فى اللغة الأنكليزية -

وفى قصيدة أمرأه من عسل ص46 نقرأ :

(من التراب نساء الارض قد خلقت - - - وأنت أمرأة منها همى العسل

وأن غفوت بأعلى الصدر يهبط لى - - - طوعا بساط سليمان فأرتحل

أراك قبلة حب حين أقصدها - - - أذوب فى ركنها طوعا وأبتهل

تحوم روحى قرب الثغر ظامئة - - - لقبلة تنتهى من بعدها القبل

لن يدخل النار أهل العشق أنهم - - - قد عمروا الارض والدنيا بما فعلو

أذا شممتك شوقا لم أعد بشرا - - - بل خيط نور بعرش الله يتصل

من مات حبا حباه الله منزلة - - - يرومها انبياء الله والرسل )

تتصف قصيدة العمود الحديثه ( المحبوكه ) بالثبات والتكافىء من خلال تساوى الحركات والسكنات مابين الصدر والعجز فتؤدى الى رفع درجات التوقع عند المتلقى لما سيأتى من أنساق فى المقاطع اللاحقه فالانغام والنبر المتجددان بالتوالى هما اللذان يكونان (التجانس) ولهذا نرى التموسق الشعرى يحرك مشاعر المتلقى قبل الانتهاء من البيت والتهيأ للأنتقال الى البيت الاخر ؟ وأما التفعيلات فهى أطر كميه تأخذ مداها الزمنى بالتلاحق !

فالقافية ركن مهم فى بنية القصيدة الفراهيديه لكونها تحدث رنينا محببا عند السامع والقارىء وشاعرنا الشمرى كتب فى الابحر الصافيه والممزوجه على السواء ورب سائل يقول مالفرق بينهما ؟ والجواب ان البحور الصافية مكررة التفاعيل ك (فعولن فعولن فعولن فعولن ) ومن أبحرها الكامل والرمل والمتقارب والرجز ؛ وأما الابحر الممزوجه وهى التى تتألف من أكثر من تفعيله ( مفاعلتن مفاعلتن فعول ) كالسريع والوافروغيرها ؟ وقد قيل سابقا ( اللغة منزل الشاعر )

(فى هدأة الليل أطياف تسا مرنى - - - كأننى لحفيف الوحى أستمع

أنفاسها عبق الفردوس تجعلنى - - - الى السماء بلمح البرق أرتفع

ما زلت أنزف فى صمت ويذبحنى - - - فى كل يوم على محرابها الوجع

تلوح فى البعد عنقودا بدالية - - - اذا علا او تدلى فى فمى يقع

دقات قلبى على أنغامها أنتظمت - - - فصوتها هدل أو صمتها سجع

دينى هو الحب لادين يناظره - - - ولا فتاوى بهذا الدين أو بدع

أكاد أرسمها عطرا وألمسها - - - نورا لأطفىء نارا فىّ تندلع

( همسات ص 51 )

من خلال أستقرائى للشمرى لمست فيه انه شاعر مطبوع يكاد يكون أحساسه بالجمال مفرطا يرفض الحرب والقبح والتسلط ! أراه سابح أبدا فى سماوات الغزل البرىء ممسكا بتلابيب شوقه المتجدد ؛ يهيم بالجمال أنى كان على طريقة العذريين ألم يكن عمر بن أبى ربيعه يسيح مقتفيا ركبان الحسان أين ماتتجه أكان مسيرها للشام أم نجد فهو مجبول على أقتفاء اّثارهن حتى لو كان الثمن حياته -

( أحب نساء الارض طرا وأننى - - - لأكره دار الخلد دون نساء

وأن حان يومى للرحيل مع الردى - - - تمنيت أن تمشى الحسان ورائى ) رحيل ص 88

اختم هذه الرحله الجميله بنص (كونى فكانت )ص 112

(كونى ! فأعجز كنهها التأويلا - - - والرب عطر ثغرها تقبيلا

لما راّها فى الهيولى أختارها - - - سبحانه فى عرشه أكليلا

كانت فكانت أول أمرأة بلا - - - أبوين أنزلت تنزيلا

لم يخلق الرحمن أنثى غيرها - - - بهرت عيون الناس جيلا جيلا

لو ان ابرهة راّها مرة - - - لدعا اليها جنده والفيلا

قد حار رب الفن فى تجسيدها - - - فجثا وحطم دونها الازميلا

فيها ارى كل النساء ولم اجد - - - صنوا سواها فى الورى وبديلا

تلك بعض همسات شاعرعشق الجمال فذاب فى شجونه وفنونه - - وقفت طويلا أزاء بلاغة النصوص وألفاظها وتراكيبها بما حوت من مجاز وتكرار وتقديم وتأخير ولكونى لاأحب المقاربات التى تربك القارىء ولا أحبذ العود على البدء

لذا قررت ترك النصوص تتحدث عن نفسها -

\\ أمرأة من عسل شعر حامد الشمرى \ دار الفرات للثقافه والاعلام فى الحله 2015 \\