إطلالة نقدية على رواية ( مخيم المواركه ) لجابر خليفه جابر

  • 2-09-2020, 19:44
  • نقد
  • 1 415 مشاهدة

هل يتمكن المتلقى من استنطاق النص السردى وتحريه ؟

أحيانا تكون العنونة بمثابة الثريا لاستجلاء المعنى وإنارة منحنيات القص من اول وهلةٍ ، حينها يدخل القارىء النابه وهاد وتضاريس المتون وهو واثق الخطى -

وأحياناً تكون خادعة يضرب القارىء حيالها اخماساً باسداس ولم يهتدى !

لكن المستبصرين لا يحارون تراهم يستنطقون ما خفي بين السطور وما لاذ بين شقوق المفردات والفقرات متسائلين :

اهى صورة ذهنية -- مشهد مستغرب -- ام واقعة تاريخية بث فيها السارد العليم روحاً فأحياها بعد موات ؟ إذن لابد من التروى لمسك خيط السرد -

فالروائي “جابر خليفة جابر” طبع بصمته الأسلوبية المميزة على خارطة السرد العراقي عبر فهم عميق لسرّ الحداثة المنبثقة من عمق التراب العراقي (تراب البصرة تحديداً). يذكرنا جهده أو مشروعه بما قاله الراحل الكبير “عبد الرحمن منيف” في رسالة إلى المبدع “شاكر خصباك”:

( النجف وباقى مدن العراق لها القدرة على انتاج عشرات الروايات أهم وأخطر من ( مائة عام من العزلة” ) لغابريل غارسيا ماركيز -

فالروايه عالم أبداعى غايتها أسعاد القارىء وإثراء ثقافته

حشد من الشخوص والافعال تتحرك وفق معياريين زمانى ومكانى تحاول أثبات كينوناتها ، فالقصص تروى ولا تعاش بينما الحياة تعاش وتروى وهنا أقف متساءلا : هل يمكن تجريد السرد عن زمنه ؟ فالشكلانيون عارضوا الانفصال بشدة قائلين :

أن أفضل الروائيين من رسموا عتبات قصصهم وتعاملوا معها وكأنها حقائق لاغبار عليها -

وكما قيل أن أجمل الروايات (هى المزدانه بالثنائيات المتضادة ) والتى تحتمل الحقيقة والخيال الاسود والابيض الغائم و المشمس الفعل ورد الفعل -

شريطة أن لاتكون نقلا فوتغرافيا ولا تقريريا كما تفعل الصحافة -

سرديات اليوم ( المؤرنخة ) لها اعتبارات لاحصر لها : ربما حدثت فعلا أو لم تحدث او ستحدث مستقبلا فما دام السرد عالم لاحدود له فأنه يتسع فيشمل مختلف الخطابات

أذن نحن أمام قاص عرف عنه الدربة وخصبة الخيال فكتب مخيم المواركه وهو نص متقن عد متفردا رغم تغربه وعقده -

والمخيم من روايات بعد الاحتلال وأنه يؤرخ لحقبة صاخبة بالاحداث الدراماتيكيه لم يبقى لها هناك سوى الصدى -

فمن خلال التاريخ الشخصى للراوى يعرج السارد على أحداث التاريخ الغابر رابطا هويته بجماعات صغيرة متناثرة على شكل مخيمات أفتراضيه -

فالرواة متعددون ولكن يرجع نسبهم للراوى الاخير ( عمار أشبيليو ) وذلك لتذليل الاتصال بالشخصيات الفاعله ؛ ترى المراوحة بين السيرة الذاتية الموثقة متداخلة وممزوجة بالفعل التاريخى أقام عتباتها على موقعين الاندلس الذى أمسى شيئا من التاريخ مضافا له المخيم المفترض -

نأى عن التشفى والبكائية وبث فيه حزم من الامل والتسامح معتمدا على ثلاث ركائز : ثقافته الواسعه \ التناص \ الافتراض -

يعتبر هذا السرد ( مخيم المواركه ) من روايات مابعد التغيير 2003 لكونه سجلا لحقبة زمنية ( مضت ) كانت ضاجة بأحداث جسام فمن خلال التاريخ الشخصى للراوى نراه يعرج على حوادث التاريخ الغابر رابطا هويته ورغباتها بهوية جماعات صغيرة متناثرة على شكل مجمعات أفتراضية - فالرواة متعددون ولكن يرجع نسبهم الى عمار أشبيليو وذلك لتذليل عقبات الاتصال بالشخوص الفاعلة ولمسك خيط السرد حتى لا يتشظى ويمسى مزقا -

التقنية - - تتراوح بين السيرة الذاتية ممزوجة بحوادث وقعت أو لم تقع بالفعل ولكن لها أشباهها فى تاريخنا العربى وتقوم على دعامتين :

1- الاندلس لكونها حضارة سادت حيث مكثت ثمان قرون فى شبه جزيرة إيبيريا ثم بادت بفعل الغل والكراهية من قبل الاّخر

2- مخيم أقيم بفعل أحداث قاتلة و له معنيين ظاهر أنسانى وباطن غايته التخلص من التسلط والعبودية -

والقص برمته خلا من التشفى والانتقام والبكاء على الماضى وأعتمد على ثلاث ركائز:

ثقافة القاص الواسعه \ التناص \ عالم الافتراض

قال جيرمى هوثرن :

(الرواية عبارة عن اخبار لحدث ما ) فالسارد ليس هو الكاتب بالضرورة ونقاد السرد لم يقيموا حدودا مانعة تقرب هذا وتبعد ذاك

ولهذا شملت مختلف الخطابات وكل حكاية ولها حبكة وقد يقص علينا المنشأ مايراه بواسطة الراوى فمن خلال التناوب السردى يشكل القارىء فى ذهنه صورة عن ما أراده القاص من تلميحات واشارات مبثوثة بين السطور لتقريب المعنى وإغناءه بالمقاربات حيث تنبأ بالحدث وقع فعلا أو لم يقع أو سيقع لاحقا -

(وجدت هذه القصاصة على شكل مدونة تاريخية بأسم حامد الاندلسى هل هو حامد بن قمرين أم حامد كنارى ؟ وحتى لا أضع القارىء فى متاهة وضعت أسمى عليها )

هذا مانوه به القاص فى الاستهلال وهذه تقنية ذكية تحسب للمؤلف - وهى رواية توليفية - متعددة الاصوات عموما المنجز يتحدث عن تاريخ مجموعة من العائلات الاندلسية الاسلامية المضطهدة (المواركه او المورسيكيون ) والمقتلعة من موطنها الاصلى أنضوت تحت مسميات التطهير العرقى والدينى قامت بها محاكم التفتيش بعد سقوط الاندلس - صحيح ان الراوى لم يتسلسل فى السرد حسب الاسلوب المعتاد حيث يلمس القارىء انشطارية وقصة داخل قصة وهذا لايعنى العبث الغير مدروس بل هو حداثة سردية وظفها -- خليفه -- بذكاء مكين -

رود بيرو وهو محور الحكى الروائى وهو الحفيد حيث اقام مع زملاؤه مخيما توزعت خيامه لتستوعب كل المطرودين مع الاهتمام باّراءهم وما يدور من احاديث لتذكر القارىء الكريم ان هذا حدث فعلا فى اقصى بلاد المغرب العربى ( الاندلس ) دفع ثمنه المسلمين -ذاك ماجادت به قريحة المنشأ ( جابر خليفه ) ولكن الحقيقة والتاريخ يقولان شىء اّخر

ماذا يقول التاريخ المتداول :

- - - - - - - - - -- - - - - - - - - - - - -- - - - - - - - - - -

سقطت غرناطه اّخر القلاع العربية عام 1492 وحلت حينها الكارثه على شعب مسلم حيث أقترفت محاكم التفتيش أو محاكم التحقيق أفضع ماّسى التاريخ وأبادت تراث انسانى قوامه ثمانية قرون أجبر فيها المسلمون على التنصر وسموا ( المورسيكيون ) هاجر اّلاف منهم الى شمال أفريقيا هربا من الحرق والموت الزؤام

صدرت عشرات القرارات المجحفة بحقهم احرق الكاردينال خمينيت عشرات الاّلاف من كتب الدين والشريعة والتفسير واّلاف من نسخ القران النادرة واجمل ماخطه العرب من موشحات وفلسفات مقارنة وشطحات فكرية مميزة وراقية

واصدر عام 1511 بيان كاردينالى يلزم جميع السكان العرب بالتنصر -

كوّن العرب تجمعا فى سرقسطة وبلنسيه وأعتزموا على أسترجاع حقوقهم حتى الموت ولكن جوبهوا بالقوة المفرطة والحرق أمام الجميع فخمدت ثورتهم

- وأظن ان المواركة أقيمت تجماعاتهم فى بلنسيه وما جاورها لكونها تابعة لأدارة دولة المغرب العربية فى تلك الفترة وخارج جغرافية شبه جزيرة ايبيريا ولكنها لم تسلم هى الاخرى - - فضمها الكاردينال بالقوة لحكم التاج الاسبانى تشفياً وغلاً