نوال جويد حكايا بلون القصب / ناجح المعموري

  • 7-02-2023, 13:11
  • نقد
  • 930 مشاهدة

مجموعة من المسموعات التقطتها الكاتبة نوال جويد وسجلتها وكأنها حفظت روح للجماعات ، التي ارتضت أن تترك حضوراً ، لها بين الأفراد والجماعات . وما بذلته نوال جويد هو بمثابة استعادة اللحظة البدئية التي ابتكرت فيها الجماعات سرديات لها ، انطوت على تمثيل حقيقي للعلاقات السائدة بين العوائل والأفراد . ومثل هذه العناية التي بذلت بسببها نوال جويد تنطوي على اعتراف قوي بالدور الذي لعبه الأفراد في تخيل هذه المرويات باعتبارها كشف طاقة مرويات دالة على روح وحياة الجماعة ، التي ذهب احد افرادها الى تسجيل المحكيات وتوثيقها كوقائع واحداث . هي عبارة عن خلاصات لتجارب عامة شارك بها عدد ودائماً ما يكون العدد المتشارك معاً لا يتجاوز ثلاثة اشخاص او اكثر بقليل في بعض الاحيان . واذا ازداد عدد شخوص الحكايا مثلما كان في مروية " سوباط زكيوة " لكن الصامت هو الاكثر ، وغاب الزوج وظلت الزوجة هي التي ترسم حدود الحياة التي تتمناها لها ولبناتها الثلاث . ولا ادري لم اطلقت عليهن اسم الفريخات بعد منحن الصفة المعروفة والمتداولة . 

عرفت " زكيوة " ايام الزواج بسعادة وفرح مع " جاسب " ونهضت بوظائف الزوجة لما يحتاجه الزوج واولاده بعد عودته من الهور . تؤدي ما تحتاجه العائلة بدقة وذكاء لان وظائفها معروفة وهي تلك مقترنة بالهور والارض ، كالخبز واعداد الطعام وكانت زكيوة اكدت على وظيفة الاوم الاولى بالعلاقة مع الهور والارض .

ولان المحكيات ملاحقة بالذي يهدم الملذات ، مثلما تعارفت عليه البنية السردية ذات الاطار الممتد قليلاً ، وتم سوق جاسب الى حرب الشمال واستشهاده . تحولت حياتها ظلاماً وجوعاً واستعانت ببكائها وندبها ، لطمت وتمنت مشاركة الهور بالبكاء ... ايام قليلة وافترقت الافراد عنها واحتارت كيف تحافظ على حياتها وبناتها وولدها الوحيد . 

اخذت وليدها وركبت المشحوف وراحت صوب الشارع الذي يفضي بها الى المدينة . باعت وعرضت البسيط مما امتلكت من قطع ذهبية وتسوقت ما تعرفه حاجة ضرورية للفتيات والنساء والاطفال .

ولاشارة المواد التي تبضعتها ضرورة كاشفة عن مجال انثربولوجي عن طبيعة السوق المديني وما هو مطلوب من سكان اهوار . وستكشف الحاجيات حضور آليات تحميل النسوة مثل : 

قطع قماش الوان زاهية ولماعية ، واحمر ، ديرم وعلج بستج وكحل فصوص ومسج ومحلب وكرنفل وبخور وحرمل وتمايم جهال وخرز ابيض وازرك " شحم ولحم " رجعت على الحلويات واشترت شكرلمة وحلقوم ومشط زينب ومزقول وحب شمس وباكيتات بسكت وجكليت / ص11//

وظفت الراوية الاولى ما تحتاجه المرأة لاستكمال وظيفتها الليلية وعبر الاهتمام كرست المعتقد منها وما عرضته للنسوة تجسيد جمالي لمتطلبات الجسد الانثوي من اجل تصعيد الوظيفة المتبادلة بينها وبين الزوج . وحتماً واجهت الزوجة المترملة نوعاً من منتجات الحزن على وفاة زوجها وتصاعد قلقها بسبب الحرمان ، على الرغم من ان جاسب ترك لها ذخيرة هي امتداده ، ثلاث بنات وولد .

كل ما استحضرته " زكيوة " من ضرورات ليال الهور محفز للطاقة الكامنة ، او المعطلة بالتعب والعمل اليومي وسط الهور . عرضت " زكيوة " ولم تستعمل احد معروضاتها . لا يجوز ذلك لها ، لانها مترملة ولم تحتفظ الا بصورة جاسب ، ومفرداته التي التقطتها واختزنتها لكنه جسد نوعاً من البطولة في الدفاع عن الوطن ومنح " زكيوة " وريثاً سياخذ صفاته ومميزات شخصيته . وفعلاً تمظهر هذا لحظة اقتناع الام بالسفر الى المدينة والتسوق منها وسيلة نظيفة ، بيضاء حتى تتمكن من صعوبات الحياة المواجهة لها وعاشتها بشخصيتها لم تستطع " زكيوة " نسيان ما يحتاجه جسد الانثى من مكملات المزاولات المسائية وتشكل مورداً جيداً . 

حسناً فعلت راوية المحكية عندما جعلت من الولد امتداداً لجاسب ، ووريثاً لاهم صفاته وابرزها شجاعته لذا استعانت به " زكيوة " على الانتقام من الحرامي الذي تسلل اليها ولسرقة ما توفر لها من اثمان مبيعات وما اعطاه المسؤول لها .

وتشاورت مع ابنها وربطاً معاً الرجل حتى الصباح . ودارت تفاصيل الحكاية وسط الجماعة وايضا الجماعات الاخرى . 

ما تميزت به " زكيوة " جعلت من الراوية متنوعة ، لكن الذي دوّن حاز وظيفته بمهارة ، واستطاعت تداول المحفوظ والتصرف به لكنه لم يغادر الذاكرة التي دائماً ما تكون خزاناً ، هو ملكية للجماعات ومثل هذه الحكاية البسيطة المشحونة بالمأساة والغياب وضغط توتر الجسد وهو يستجيد للعلاقة مع ماء الهور ، حتى استطاعت مروية " زكيوة " من عبور الزمن وحدوده المائية والثقافية وايضا امكاناته الشفوية .

هذا الكتاب الثاني للسيدة " نوال جويد " مكوناً من مجموعة مسليات دائماً ما تكون مسائية في وقت الفراغ واستعانة بها لتحفيز الاخر من اجل وظيفته . حكايات متنوعة المنتج لكن الحافظ لها هو ذاكرة الجماعة واختارت لها " نوال " عنواناً مثيراً وقوياً يوفر للحكايات ما يؤهلها للاستمرار بالتداول ، على الرغم من المرويات التي ليس لها منتج ، بل حازت راوياً منتجاً . وانا واثق بأن ما سجله الشاعر علي ابو عراق ونوال جويد سيتركز ويتحول انموذجاً سردياً بالتراكم والتنامي الحتمي الاطاري . وهذا يفضي للامتداد والانتشار وانتاج دروس ، سيكون لها الدور المتكاثر وتتضح في المستقبل شبكة محكيات تعني الجماعات باعتبارها ذخيرة لخزان الذاكرة .

واستطيع الاشارة لما قاله المفكر سعيد الغانمي وتوظيفه لما ينطوي عليه من تناظر مع الحكايات ، لا سيما وان الغانمي من الاسماء البارزة التي درست وبذل جهداً نقدياً وتأويلياً .

" يختفي عن هذه النصوص وجود " المؤلف " بمعنى الشخصية النهائية التي يتوقف عليها انتاج النص ، وينوب عنه عدد من الرواة الذين يتناقلون هذه الصيغ شفوياً ويتواصلون من خلالها مع الجمهور . 

وفي هذه الحالة ، فان النصوص المكتوبة لا يمكن اعتبارها صيغاً معيارية للأعمال الموصوفة ، بل هي مجرد ادلة مكتوبة للرواة الذين يقرأون هذه الاعمال او ينشدونها / سعيد الغانمي / خيال لا ينقطع / قراءة في الف ليلة وليلة / دار الرافدين / بغداد / 2022/ ص24//

واضاف المفكر سعيد الغانمي قائلاً : ان لغة النصوص الشفوية في الغالب العامية المحكية في البيئة التي تلقى فيها / ن . م / ص29//

النص الشفوي راوياً ، وليس له " مؤلف " وحين نحاول استخلاص معلومة عن النصوص الشفوية من مصادر مكتوبة ، فنحن نرتكب مفارقة من نوع ما . فالنصوص المكتوبة دائماً ، ولاسيما في الثقافة العربية الرفيعة ، تنتمي للنخبة المثقفة ، وتتبنى لغتها العالمية ومفردات النصوص الشفوية ، التي تعتقد انها لصيقة بالطبقات الامية الوضيعة ، فضلاً عن ذلك فان النصوص الشفوية نصوص تلقائية من حيث اللغة ، بمعنى ان منتجها لا ينتمون الى طبقة النخبة المثقفة ، ولم يتعلموا في معاهدها ولم يتشبعوا بتقاليدها ، بل هم يتكلمون لهجة تلقائية ، هي الهجة التي يتعامل بها الناس في الشارع / ن . م / ص29//

نحن نستطيع التعامل مع نوال جويد راوية ، لديها وظيفة ناجحة للاستماع والتدوين ووضع الضبط الدقيق للمفردات التي من الصعب التعرف عليها مع معانيها الان ومثل هذه التجربة هي جديدة ، لانها تساهم بوضع معجم وناظم للمفردات التي كان تداولها معروفاً ومألوفاً وهنا التمكن الانثربولوجي لما كان متداولاً في جغرافية محددة .

قال الاستاذ سعيد الغانمي : غياب المؤلف وحضور الراوي هي ان النص يفلت من هيمنة اسم المؤلف الذي يحرص على رسم العمل بميسمه ، لكي يحظى مقابل ذلك باعتراف المعتمد به / ن . م / ص30//