صدور العدد الرابع للعام الثالث والستين من "مجلة الأديب العراقي" بطبعة غنية بالجمال
يوم اللغة العربية فعالية مشتركة بين اتحاد الأدباء وكلية التربية في الجامعة المستنصرية
اتحاد أدباء العراق ينهي مشواراً ناجحاً في معرض العراق الدولي للكتاب
اتحاد الأدباء يبارك للأدباء الفائزين بجائزة الأبداع العراقي والمكرَّمين بقوائمها القصيرة..
الشعر والأدب الساخر محاور جديدة طرحها اتحاد الأدباء في معرض العراق للكتاب
الأجيال الأدبية والمسرح الجماهيري أهم محاور اتحاد الأدباء في معرض العراق للكتاب
(١٥) كتاباً جديداً يصل لجناح منشورات الاتحاد بمعرض العراق الدولي للكتاب
مجموعة من المسموعات التقطتها الكاتبة نوال جويد وسجلتها وكأنها حفظت روح للجماعات ، التي ارتضت أن تترك حضوراً ، لها بين الأفراد والجماعات . وما بذلته نوال جويد هو بمثابة استعادة اللحظة البدئية التي ابتكرت فيها الجماعات سرديات لها ، انطوت على تمثيل حقيقي للعلاقات السائدة بين العوائل والأفراد . ومثل هذه العناية التي بذلت بسببها نوال جويد تنطوي على اعتراف قوي بالدور الذي لعبه الأفراد في تخيل هذه المرويات باعتبارها كشف طاقة مرويات دالة على روح وحياة الجماعة ، التي ذهب احد افرادها الى تسجيل المحكيات وتوثيقها كوقائع واحداث . هي عبارة عن خلاصات لتجارب عامة شارك بها عدد ودائماً ما يكون العدد المتشارك معاً لا يتجاوز ثلاثة اشخاص او اكثر بقليل في بعض الاحيان . واذا ازداد عدد شخوص الحكايا مثلما كان في مروية " سوباط زكيوة " لكن الصامت هو الاكثر ، وغاب الزوج وظلت الزوجة هي التي ترسم حدود الحياة التي تتمناها لها ولبناتها الثلاث . ولا ادري لم اطلقت عليهن اسم الفريخات بعد منحن الصفة المعروفة والمتداولة .
عرفت " زكيوة " ايام الزواج بسعادة وفرح مع " جاسب " ونهضت بوظائف الزوجة لما يحتاجه الزوج واولاده بعد عودته من الهور . تؤدي ما تحتاجه العائلة بدقة وذكاء لان وظائفها معروفة وهي تلك مقترنة بالهور والارض ، كالخبز واعداد الطعام وكانت زكيوة اكدت على وظيفة الاوم الاولى بالعلاقة مع الهور والارض .
ولان المحكيات ملاحقة بالذي يهدم الملذات ، مثلما تعارفت عليه البنية السردية ذات الاطار الممتد قليلاً ، وتم سوق جاسب الى حرب الشمال واستشهاده . تحولت حياتها ظلاماً وجوعاً واستعانت ببكائها وندبها ، لطمت وتمنت مشاركة الهور بالبكاء ... ايام قليلة وافترقت الافراد عنها واحتارت كيف تحافظ على حياتها وبناتها وولدها الوحيد .
اخذت وليدها وركبت المشحوف وراحت صوب الشارع الذي يفضي بها الى المدينة . باعت وعرضت البسيط مما امتلكت من قطع ذهبية وتسوقت ما تعرفه حاجة ضرورية للفتيات والنساء والاطفال .
ولاشارة المواد التي تبضعتها ضرورة كاشفة عن مجال انثربولوجي عن طبيعة السوق المديني وما هو مطلوب من سكان اهوار . وستكشف الحاجيات حضور آليات تحميل النسوة مثل :
قطع قماش الوان زاهية ولماعية ، واحمر ، ديرم وعلج بستج وكحل فصوص ومسج ومحلب وكرنفل وبخور وحرمل وتمايم جهال وخرز ابيض وازرك " شحم ولحم " رجعت على الحلويات واشترت شكرلمة وحلقوم ومشط زينب ومزقول وحب شمس وباكيتات بسكت وجكليت / ص11//
وظفت الراوية الاولى ما تحتاجه المرأة لاستكمال وظيفتها الليلية وعبر الاهتمام كرست المعتقد منها وما عرضته للنسوة تجسيد جمالي لمتطلبات الجسد الانثوي من اجل تصعيد الوظيفة المتبادلة بينها وبين الزوج . وحتماً واجهت الزوجة المترملة نوعاً من منتجات الحزن على وفاة زوجها وتصاعد قلقها بسبب الحرمان ، على الرغم من ان جاسب ترك لها ذخيرة هي امتداده ، ثلاث بنات وولد .
كل ما استحضرته " زكيوة " من ضرورات ليال الهور محفز للطاقة الكامنة ، او المعطلة بالتعب والعمل اليومي وسط الهور . عرضت " زكيوة " ولم تستعمل احد معروضاتها . لا يجوز ذلك لها ، لانها مترملة ولم تحتفظ الا بصورة جاسب ، ومفرداته التي التقطتها واختزنتها لكنه جسد نوعاً من البطولة في الدفاع عن الوطن ومنح " زكيوة " وريثاً سياخذ صفاته ومميزات شخصيته . وفعلاً تمظهر هذا لحظة اقتناع الام بالسفر الى المدينة والتسوق منها وسيلة نظيفة ، بيضاء حتى تتمكن من صعوبات الحياة المواجهة لها وعاشتها بشخصيتها لم تستطع " زكيوة " نسيان ما يحتاجه جسد الانثى من مكملات المزاولات المسائية وتشكل مورداً جيداً .
حسناً فعلت راوية المحكية عندما جعلت من الولد امتداداً لجاسب ، ووريثاً لاهم صفاته وابرزها شجاعته لذا استعانت به " زكيوة " على الانتقام من الحرامي الذي تسلل اليها ولسرقة ما توفر لها من اثمان مبيعات وما اعطاه المسؤول لها .
وتشاورت مع ابنها وربطاً معاً الرجل حتى الصباح . ودارت تفاصيل الحكاية وسط الجماعة وايضا الجماعات الاخرى .
ما تميزت به " زكيوة " جعلت من الراوية متنوعة ، لكن الذي دوّن حاز وظيفته بمهارة ، واستطاعت تداول المحفوظ والتصرف به لكنه لم يغادر الذاكرة التي دائماً ما تكون خزاناً ، هو ملكية للجماعات ومثل هذه الحكاية البسيطة المشحونة بالمأساة والغياب وضغط توتر الجسد وهو يستجيد للعلاقة مع ماء الهور ، حتى استطاعت مروية " زكيوة " من عبور الزمن وحدوده المائية والثقافية وايضا امكاناته الشفوية .
هذا الكتاب الثاني للسيدة " نوال جويد " مكوناً من مجموعة مسليات دائماً ما تكون مسائية في وقت الفراغ واستعانة بها لتحفيز الاخر من اجل وظيفته . حكايات متنوعة المنتج لكن الحافظ لها هو ذاكرة الجماعة واختارت لها " نوال " عنواناً مثيراً وقوياً يوفر للحكايات ما يؤهلها للاستمرار بالتداول ، على الرغم من المرويات التي ليس لها منتج ، بل حازت راوياً منتجاً . وانا واثق بأن ما سجله الشاعر علي ابو عراق ونوال جويد سيتركز ويتحول انموذجاً سردياً بالتراكم والتنامي الحتمي الاطاري . وهذا يفضي للامتداد والانتشار وانتاج دروس ، سيكون لها الدور المتكاثر وتتضح في المستقبل شبكة محكيات تعني الجماعات باعتبارها ذخيرة لخزان الذاكرة .
واستطيع الاشارة لما قاله المفكر سعيد الغانمي وتوظيفه لما ينطوي عليه من تناظر مع الحكايات ، لا سيما وان الغانمي من الاسماء البارزة التي درست وبذل جهداً نقدياً وتأويلياً .
" يختفي عن هذه النصوص وجود " المؤلف " بمعنى الشخصية النهائية التي يتوقف عليها انتاج النص ، وينوب عنه عدد من الرواة الذين يتناقلون هذه الصيغ شفوياً ويتواصلون من خلالها مع الجمهور .
وفي هذه الحالة ، فان النصوص المكتوبة لا يمكن اعتبارها صيغاً معيارية للأعمال الموصوفة ، بل هي مجرد ادلة مكتوبة للرواة الذين يقرأون هذه الاعمال او ينشدونها / سعيد الغانمي / خيال لا ينقطع / قراءة في الف ليلة وليلة / دار الرافدين / بغداد / 2022/ ص24//
واضاف المفكر سعيد الغانمي قائلاً : ان لغة النصوص الشفوية في الغالب العامية المحكية في البيئة التي تلقى فيها / ن . م / ص29//
النص الشفوي راوياً ، وليس له " مؤلف " وحين نحاول استخلاص معلومة عن النصوص الشفوية من مصادر مكتوبة ، فنحن نرتكب مفارقة من نوع ما . فالنصوص المكتوبة دائماً ، ولاسيما في الثقافة العربية الرفيعة ، تنتمي للنخبة المثقفة ، وتتبنى لغتها العالمية ومفردات النصوص الشفوية ، التي تعتقد انها لصيقة بالطبقات الامية الوضيعة ، فضلاً عن ذلك فان النصوص الشفوية نصوص تلقائية من حيث اللغة ، بمعنى ان منتجها لا ينتمون الى طبقة النخبة المثقفة ، ولم يتعلموا في معاهدها ولم يتشبعوا بتقاليدها ، بل هم يتكلمون لهجة تلقائية ، هي الهجة التي يتعامل بها الناس في الشارع / ن . م / ص29//
نحن نستطيع التعامل مع نوال جويد راوية ، لديها وظيفة ناجحة للاستماع والتدوين ووضع الضبط الدقيق للمفردات التي من الصعب التعرف عليها مع معانيها الان ومثل هذه التجربة هي جديدة ، لانها تساهم بوضع معجم وناظم للمفردات التي كان تداولها معروفاً ومألوفاً وهنا التمكن الانثربولوجي لما كان متداولاً في جغرافية محددة .
قال الاستاذ سعيد الغانمي : غياب المؤلف وحضور الراوي هي ان النص يفلت من هيمنة اسم المؤلف الذي يحرص على رسم العمل بميسمه ، لكي يحظى مقابل ذلك باعتراف المعتمد به / ن . م / ص30//