محمد تركي النصار/ هوية الشعر - شوقي كريم حسن

  • 28-09-2020, 22:03
  • نقد
  • 1 202 مشاهدة

*هو الاكثر صخباً، وجرأة، أيام كانت رسائل الحبيبات تصل الى المقابر، بحثاً عن عاشق حملته التوابيت الى التيه، ينظر الى ماحوله متفحصاً، يقود اللعبة الاجتماعية اول الامر، ليحولها الى نص شعري، يصنع من اليوم واثامه، تأثيراً وجدانياً، خارج مألوف المنصات التي تكاثرت مثل جراد، يطن ليل نهار، تأملاته الفتية بعد اعطته فرصة البحثْ، مع اختلاف عن شياطين جيله، الذين جعلوا السلطة ترى العسل ولكنهم باعوها النخالة، انغمست خطواتهم داخل دائرة الضجيج، لكنهم حملوا صلبان اشتغالاتهم الشعرية الى خارج ماهو اجتماعي، لم تشكل المنابر هماً بالنسبة لهم، لانهم يتقنون الأفكار، ولا يأبهون لما غيرها، كان يمسك عصا احلامه من الوسط، وتلك معظلة ومهمة صعبة، في مايكتب من نصوص يرى متلقية الحيرة واضحة، قلق المجهول وزحمة الاسئلة، الحرب اكثر الأمكنة خلقاً للاسئلة، والاكثر قتلا ً لها، كان يقرأ بنهم ولد يريد فتق كوامن هذه الاسرار، طار بأجنحة الاكتشاف من اودنيس الى شطآن سان جون بيرس، الذي كان قد استحوء على رغباته الأنتمائية، ومن هناك اكتشف عزرا باوند وانسي الحاج، وبودلير ورامبو، ليعود الى منبع شعريته، ليصافح بهدوء تجارب جيلين مهمين هما جيل الموجة الصاخبة، وحرافيش الجيل السبعيني الذي رفع الاستار، ليقدم شاحنة بطيخ... وعكازة رامبو.. ودخان المنزل... وكل عوامل الرفض، جيل تأدلج ليحول الشعر الى تحديات حياة، واخر يريد صناعة حياة شعرية خالصة دون ادلجة، عند هذا الارتباك وقف محمد تركي النصار، يتأرجح بين عالمين مختلفين تماماً، هو يرغب بأن يردلج روحه، لكنه لايرغب بأدلجة الشعر، بوصفه هماً كونياً ، ينابع فيوض الانسانية والاضاءات الكبرى، المهمة التي اضطلع بها النصار، وما كان لوحده مهمة على غاية من الخطورة، لأنه ومع أول تجاربه وقف مدافعاً عن تجربة لم تنضج وتكتمل بعد، الشاعر خالد على مصطفى، الذي قرأ محمد تركي النصار، بدقة المكتشف الذي يريد سبر اسرار النصوص وقوة تأثيرها المجتمعية، يقول(تجربة النصار ترتبط بمرثرات خارجية قد تصل الى التناصات والتوليفات، وهذا ما اضعف الابتكار الشعري لديه).

الأشارة، التي اثارت جدلأ حفزت النصار الى ان يتراجع قليلاً ليعيش روح الأبتكار وكيفياته، مع إنكسار واضح وترتجع ملحوظ، سياط الأيام قاسية، انتقلت الحياة من حرب الى جوع ، وقسوة، وعدم رغبة في ممارسة الجماليات، والأقتراب من مكوناتها، انهارت احلام القصائد ورقتها لتتحول الى ثقافة حصار، ولعبة تحد لفراغ، كيف يمكن للشعر اهزام الجوع؟

وتشظيات الحياة قد تكاثرت، وماعاد المتلقي ينتبه لنص نثري، ولا حوارات يظنها بطرة في الثقافة، التفحص منح النصار، طرق دلالية ميزته عن ابناء جيله، واعطته المكنة من قراءة اليوم بحذر شديد، ورغبة بمتابعة خطوات الجمال حتى وإن كانت مهمة صعبة او مستحيلة، نص مشدود الى الحكي النثري، مع توافر صورة ثيمية تنمي النص لتصل به الى قصديات خواتمه، وهي خواتم تدين وترفض، وتمنح متلقيها البدائل الصعبة التحقيق، ويوم اختار النصار غربته، ظل واضح الحظور في المشهدية الثقافية بعمومها، يراجع اثره الشعري بديمومة، سرقت المدن والموانيء، ووحشة الطرقات محمد تركي النصار، حتى ضاعت اخبارة، ولاشت هناك روحه الشعرية، ربما كانت الغربة، النصارية، مهداً لليباس، والوقوف عند بوابات الأنتظار، لاشيء مبهر وهو الجالس على مصطبة الظلام سهواً،حاول اخفاء الاكفان الحارة التي يحملها مثل صليب، لكنه اعلن ان الامراض سادرة في غيها، الشعور بقحط الحياة، لمت كل اسئلة الروح، وهشمت هيمنات الغربة، ليعود النصار الى ماعتاد من الفضاءات التي يحسها امنة، شديدة التأثير والتأثر، تبدو اشتغالات الشاعر في سنواته الفائته، اكثر حكمة وانزياحاً نحو الهم الفلسفي، مع مجسدات روحية هي اقرب الى السعي باتجاه الاسرار التصوفية، ومرادفاتها، خف الضجيج داخل شعريات النصار، وهدأت الروح مع زيادة ملحوظة، في الأسئلة ودقة اعلانها، لا نص دون اسئلة، والأمر لايحتاج الى اجابات، بل الى الكثير من الأسئلة، عاد النصار الى الواجهة مرة ثانية، وان كانت ببطء ولكنها فاعلة، وشديدة التميز، لأنه مؤمن بجد، ان وجوده هو تمثيل لجيل فائر عاش الصخب والعنف بكل قسوة، ليصنع مميزات اصبحت فيما بعد المرتكز الاهم في ارثيات الشعر العراقي، بل والعربي ربما، المحنة التي يعيشها النصار، هي ابتعاد النقدية العراقية عنه، وعدم قراءة مستجده الشعري بحبور، ولربما في قادم الأيام سنجد ان متغيراً نقدياً يحدث ليعيد تفحص الجماليات التي قدمها محمد تركي النصار، بعد ان نضجت التجربة، واستقامت صوره وتزايدت شفراته ودلالاتها عمقاً، وارتكازاً.!!