إبراهيم البهرزي... سرديات متوازنة

  • 14-09-2020, 20:27
  • نقد
  • 1 330 مشاهدة

*الأحلام وقاحة الفقراء، ومحاولاتهم الجريئة من اجل اقتحام مدن عذاباتهم الازلية التأثير، لهذا يعملون على محو بعضها واضافة من يستجد من رغبات الروح، وسياحات الحكي الذي لايريد الارتحال، السرد نبوءة الليالي التي تغدو طويلة محزنة دون جدة تروي، ونار توج محاولة فض اشتباكات الاشياءْ هذا يحدث دون وجود نهر قريب وهسيس اشجار تملأ النفس بالخيالات التي تصنع انواعاً سرمدية من الحبيبات بعيون خضرْ وشعور ذهبية تهف مثل زارزير البراري، يجلس الولد عند اول جذع شجرة ، وجد نفسه تنجذب اليها دون ان يدري لماذا، ويروح يتأمل ، غاصا في بحور انين الناس ونداءات الاسواق، ونحيب الامهات وملفوظاتهن الاقرب الى العتمة، من يسور وجودنا بكل هذا القهر؟ تبدو الأجابة صعبة ومتشعبة الارجاء وتدفع الى الاضطراب، يحمل السؤال ليضمه مع الأسئلة التي تكاثرت ْ حتى ظنها يوماً انها لسوف تسهم في قتله عنوة، الشاعر الذي تعمل الاسئلة على قتله، شاعر لابد وان يكفن يوماً بقصائد فاعلة وخالدة، هنا اكتشف ابراهيم البهرزي، طرق صراخه واحتجاجه، امسك بطرفي البياض، وببطء راح يدون ما تمور به بواطنه، كانت المحطة التي توقف عندها البهرزي تتلاعب برغباته، لتأخذه الى حيث يكون سعدي يوسف وبلند الحيدري ورشدي العامل، وسركون بولص، وربما البسيط من السياب وجنون حسين مردانْ، حاول صنع مختبر شعري خاص به، يمزج ضجيج الشعر الخمسيني والستيني وتجارب قصيدة النثر اينما وجدت عله يصل الى مغاير عما يألفة ابناء جيله السبعيني، الذي كان يرفض كل الارث سوى علاقاته الايدلوجية، كانت الافكار هي التي التي تدون الاشتغالات الشعرية، ومحال الخروج عن شروطها ودلالاتها، تلك الاشتراطات اصابت الكثير بقلق التناسخ، لا جيد يؤسس، ولا اعلان قادم لشطب وبناء، وحين تفلشت العلاقات الايدلوجية، وانهزمت الذوات الشعرية، حطت الحرب حمايم خرابها فوق الرؤوس، فلم يعد البهرزي ابراهيمْ، يقاوم اعاصير المحن، واسرار الانكسارات التي حدثت، عن هذه اللحظة الحاسمة، لتجأ البهرزي الى المعاني الشعرية التي تمنح الارواح المتلقية تأريخا وثائقياً خال من هدير المدافع ومهوسات المديح، ابتعد البهرزي ليعود الى ذات الشجرة، وينبش اطمار الاسئلة التي هجرها بقصد البحث عن الجديد، فوجد اكثر من منفذ، واكثر من خلاص، لغة البهرزي الشعرية، صافية، مسترخية، تتفحص الاحداث لتمنحها ما ترغب من شفرات ورسائل ابتعدت عنها شعرية الحروب كثيراً، كان البهرزي، يقيم لنفسه صرحاً يجعل المتلقي يحج اليه راغباً بالرافض والمشيد الاخر، لهذا نئت عنه النقدية لسنوات طويلة، وظل وفياً لما سمعه عن سعدي يوسف.. أمشي مع الجمع وخطوتي وحدي، بعد البركان الذي زلزل الوجود الانساني في وطن كان يرغب ان يكون بين احضان المستقبل، ازدادت عزلة البهرزي، وصار يتأمل مايحدث بعينين من توسل، حتى امسك بلحظة انفلات خاصة جداُ، امسك بعنف بلب الاحداث وصار يدون سرديته الأولى، خليط من الأثام والاوجاع والانكسارات والغرابةْ، البهرزي ابراهيم، مجنون بالأسئلة، وهو متفوق جدا في معرفة كيفيات اطلاقها ولماذبتها، لهذا جاء سرده متفحصاً التراجعات النفسية المتسارعة وكيفيات الوقوف ضد هذا الأنحدار المتواصل والمدوي معاًْ ، اهم واخطر اسئلة البهرزي، هو.. مالخلاص واين يمكن ان نجده؟

صار يبحث بين مدافن استذكاراته، ليالي الانس في بهرز، وبساتينها وشطأن انهرها وسواقيها، وتلك الوجوه التي غابت منذ ازمان بين حرب وسجن ومجهول، ظل البهرزي دائم البحث وحين لم يجد ما يطفيء نار القلب ولواعجه يلوذ الى ذيل الكتابة، يدون كل ما يعرف من اسرار، ومسرات، وجنون، ؟

هدأت روح البهرزي، رغم تبنيه صوراً حادة تصيب المتلقي بالغثيان والصمت، تلك مهمة تبناها البهرزي ولا يزال يعلن عنها، مع اهتمام واضح من قبل النقدية العراقية بما يقدم ويكتب.. ظاهرة البهرزي واحدة من اهم اشتغالات الشعرية العراقية المعاصرة.