مسرحية الدم في العاشر

  • اليوم, 01:16
  • شعر
  • 18 مشاهدة

مسرحية الدم في العاشر


في العاشر،

ما كان العرضُ ترفيهاً،

بل خنجرًا من الكلمات…

يُغرز في القلب دون موسيقى.


المسرح ساحة،

والساحة كربلاء،

وكل من حضرَ

جمهورٌ… وشاهدٌ… ومُبتلى.


الممثلُ لا يمثل،

هو الحسين،

يمشي إلى مصرعه

بخطى ثابتة،

وصوتٍ لا ينهزم.


يُنادونه:

"ارجع، فما لهذا الزمان تُجابه؟"

فيقول:

"أنا لستُ ضدّ الزمان…

لكنني ضدّ أن يُباع الحقُّ فيه."


على طرف المسرح،

الطفل "علي الأصغر" يُلوّح بيديه،

كأنّه يسأل:

هل للماء ثمنٌ في بلادٍ لا تشبع من الدم؟


في الزاوية،

رأس "الحرّ" ينكّس خجلاً،

و"زينب" واقفةٌ،

كأنها جدارُ الصبر في مدينةٍ سقطت.


فولتير يُهمس:

"ما أغرب أن يُقتل الحقُّ بهذا الجمال."

وأرسطو يحسب التراجيديا،

ثم يمزّق القواعد،

ويقول:

"هنا لا منطق…

هذا فوق الفلسفة."


لا ستائر تُسدل،

ولا نهاية تُكتب،

فكلّ عاشرٍ يُعيدُ المشهد

بدمٍ جديد،

وبصوتٍ لا يختنق.


وفي كل عام،

يُعرض الوجعُ نفسه،

لئلا ننسى،

إنّ الحسين…

ما مات، بل قامَ ممثّلًا عن كلّ مظلوم


أُسدلَ صمتٌ ثقيل على الخشبة،

وظهر ثلاثة رجال:

أرسطو، فولتير، ونيتشه…

وجلسوا في حضرة كربلاء،

لا ليُحلّلوا،

بل ليفهموا كيف سقطت الفلسفة أمام دمعة.


أرسطو:

"بحثتُ عن البطولة في كتبي،

عن التراجيديا المثالية،

لكنني لم أجد فيها من سار إلى موته

واختار الفناء لأجل فكرة."


"الحسين…

لم يكن مجرد بطل،

بل كان ميزانًا جديدًا للفضيلة."


فولتير:

"أنا مَن ناهضتُ الكنيسة والملوك،

لكنّي لم أجرؤ أن أقف

تحت سيفِ الظالم وأبتسم.

هذا الحسين،

علّمني أن الحرية ليست شعارًا،

بل موقفًا يكلّفك رأسك."


"قال لا…

وكان يعرف أن (لا) ستُذبح معه."



نيتشه (ينظر إلى الأرض، مذهولًا):

"كنت أؤمن أن الإنسان الأعلى

هو من يصنع قانونه…

لكنّ الحسين،

كسر نظريتي."


"فهو لم يكن فوق الناس،

بل تحت جراحهم…

وفي نزيفه كان المعنى."


"هذا ليس انتصار الضعف،

بل ذروة القوة —

أن تموت لأجل ما لن تراه،

لكنك تؤمن أنه سيولد."


وهنا…

تتداخل أصواتُ الفلاسفة

مع بكاء الجمهور،

كأنّ الفكر انحنى أمام الإيمان،

وكأنّ كل حكمة

تحتاج دمًا كي تُكتب بصدق.


ويختم فولتير:


"لو كان الحسين من أهل الغرب،

لرفعناه على عرش الفكر،

ولجعلنا يوم عاشوراء

درسًا في الضمير الإنساني."


محمد أحمد باقر