طه حامد الشبيب... قواعد السرد ومكتشفاته

  • 3-09-2020, 17:36
  • نقد
  • 1 370 مشاهدة

*المكان يشغل حيزاً كبيراً وواضح التأثير في البناءات المعمارية السردية العراقية، ومع المكان الذي كثيراً مايبدو خارج المألوف، الذي يسعى الى الأسطرة، واعادة تكوين، تتفق وغايات السارد ومقاصده، الامر لايشبه مافعله ماركيز حيث وضع متلقيه داخل مجول مدينة شيدها البياض، ومنحها تأريخاً، صار فيما بعد الاصل الفاعل في تاريخ كولمبيا، بكل عاداتها وقيمها وتقاليدها، مع السارد العراقي، يبدو الامر مختلفاً، يلاحق السرد مدن الذاكرة، ليعيدها حية، مع طفولة، او شباب، ومع المغلف والغرأئبي من المسارد، على افتراض ومفهوم لا ادري من ماذا استوحي واعتمد، ان السرد فعل جمالي متخيل وافتراضي، من اين يمكن للسارد أن يجيء بهذا الافتراض والتخيل،؟

هل ثمة اقصاء للواقع الاطماري، وماهي الاسس المعتمدةفي الاقصاء، والتكوين المستجد؟ خارج هذا المنطوق المعرفي، جاء طه حامد الشبيب، ليقرأ الامكنة، المشخصة والمعروفة، قراءات سردية، بعد منحها فضاءات ثيمية، تتصارع معاً، وتعاكس السائد الاجتماعي والسياسي، اهتمامات طه حامد الشبيب، السياسية والفكرية والاجتماعية، منحها بكليتها ليحرك شخوص سردياته، التي تؤدلج ذواتها دون ان تعرف لماذا وكيف؟

العقل المؤدلج الجمعي، هو الذي يقود الاحداث ، منذ انه الجراد، وهو الذي يعزز القيم التي يريد الشبيب ايصالها لمتلقية، يمنح الاروح قلقاً، يبدو بسيطاً، وربما ساذجاً في اول التكوين، ثم مايلبث ان يتصاعد، اخذاً بالمكتشفات السردية وكشوفاتها، الى مجاهل من الرموز، التي ترفض التقنين لدي الشبيب، بل وتنفلت في احايين متعددة، الانفلات قصدي لدى السارد، الذي يعطي متلقيه محفزات سؤالية ، تجعله يتابع المسارات والانتماءات، لدي الشبيب، كم من المسارات والثيم، لانه يريد ان يشيد تواريخ خاصة لشخوصه، وهذه التواريخ هي التي تجتمع عند خط الختام ، لتقيم تاريخ المكان، مع قصدية غير معلنه لاخفاء الامكنة وتأثيراتها النفسية على حراك الاحداث وتسارعاتها، هذا الاخفاء، يعمل الشبيب من خلاله على اظهار قوى حوارية درامية واضحة، تعطيه ردود افعال يستثمرها في لحظات خلق لاحقة، الشبيب من القلة الذين يعرفون كيفيات بناء حوارات درامية ، لا تمر عبر الفراغ لتصل الى فرغات عامة، كل ما يقدمه يتصارع، مع تعزيز الوجود بوصف يلاحظ من خلاله كل شيء، تكشف تلك الحوارات الغائية، وسر فعاليتها، والكيفيات التي تمنح من خلالها المتلقي قدرة المراقبة والتبني معاً، التبني الدرامي، والتفاعل، والحفظ، هو واحد من اهم عوامل النجاح، واسلمها، السرد الذي لايعتمد الدراما، يبدو باهتاً وخالياً من الابتكار والجده، لهذا صاغ الشبيب مجمل سردياته على اساس الفواعل المتصارعة، اذ ليس ثمة حيادية بين السارد ومسروداته، يشكل كله داخل هذا الجسد الجمعي، الخالي من الترهل والاسفاف، لغة الشبيب السردية ، خالية من الترهلات التزويقية، ذلك لانه يدون بعقل علمي، لايتعاطف مع الوجود المحفز بسهوله، يحسب لكل شيء حسابه، ويقيم لكل زوايا الامكنة وخفاياها حساباً، عالي التمكن من نفسيات الشخوص، وعلاقاتها، حتى يبدو مرات متلاحقة، ان بعض الامكنة لدى طه حامد الشبيب، هي التي تحرك العالم الحكائي، وهي التي تسهم في وضع الحلول، وصياغة العقل المنكسر او الفاعل، والازمنة محفز القحط، ولعبته الاثيرة، اذ انه يعمد الى ان تكون تلك السرديات صالحة للتلقي في كل زمان ومكان، حتى وان كانت معمولة على مقومات تاريخية، كما في الابجدية الاولى، اذ تبدو الاحالات واضحة وبشفرات مؤدلجة واشارات يراد من خلالها نقل الاحداث والمتلقي عبر امكنة يريد السارد اخذ متلقيه اليها عنوة، وضوح طه حامد الشبيب، الذي اثار جدلا نقدياً داخل العراق وخارجه، منحه مساحة تلقي جميلة، وهذه المنحة هي التي جعلته يتواصل، مع تطور سردي متجدد وملحوظ، ثمة غايات يحفز الشبيب من أجل الوصول اليها، وفي مجملها غايات وتوجهات تتوافر على تحريض انساني، يبدأ من سؤال وعي مركزي، لماذا يتوجب علينا ان نعيش وسط ابدية هذا الخراب؟

لماذا لا نحافظ على انسانيتنا المهانة، نستلذ بعبوديتنا التي اصبحت ملمحاً مستمراًْ نعلن ان الخلاص منه أمر على غاية من الصعوبة؟

يسهل طه حامد الشبيب، الحصول على بعض الأجابات، لكنه وعند عمد ومكر يبقيها مبتورة، وغير واضحة الفكرةْ، يريد لمتلقيه الاندفاع واياه من اجل فك طلاسم واسرار السردية، وتبيان خصالها، ومن ثم اعلان تبنيها، الشبيب، ضوء سردي عراقي، كاشف لاسرار ما كنا لنعرفها لولا مباحثه وولوجه خبايا امكنة مجهولة لكنها تحمل الاسرار الانسانية التي نريد!!