من تراثنا المجيد-رفعت مرهون الصفار

  • 18-12-2020, 12:54
  • ذاكرة
  • 1 092 مشاهدة

كان البغداديون القدامى يلتزمون بمعايير الاخلاق الفاضلة والامانة وبراءة الذمة ويأنفون من الدنايا ويبتعدون عنها. ويردون من يقترفها نصحاً وارشاداً ، والا فتكون هناك قطيعة مع امثال هؤلاء لئلا تسري عدواهم الى البسطاء من الناس ..

كما انهم كانوا يعلمون اولادهم محاسن الاخلاق ويبعثون فيهم القيم الانسانية النبيلة ، ويرجون لهم السداد في ما يعملون مع متابعتهم وتوجيههم .

وفي يلي نبذة من سير هؤلاء الناس الكرام.

كان الحاج حسن (وهو من اهالي نجد ومن سكنة محلة المهدية) (معتمد المدرسة الجعفرية) يأتي ليلاً الى المدرسة لتنظيم السجلات ونقل الدرجات وغيرها من الاعمال . وفي احد الليالي وبينما كان الحاج حسن منهمكاً في العمل سمع حركة في السطح فخاف معتقداً ان احد اللصوص جاء ليسرق المدرسة وبينما هو في حيرة وارتباك ناداه الشخص الذي يسير على السطح وهو مبتل (حجي .. حجي.. لا تخاف انا السيد كاظم شكاره / وكان عمره آنذاك يقارب السبعين سنة/ جئت لتنظيف المرازيب من الاوساخ واعشاش الطيور بعد ان شاهدت المطر وذلك خوفاً من ان يقف الماء وينضح السطح).

كان جاسم الملة حسن تاجراً كبيراً ومن مرتادي قهوة محمد فرج السعيدي الواقعة في سوق الساعجية وقد اصابه الذهول اواخر ايامه . 

      في احد الايام وعند خروجه من المقهى دفع الى محمد فرج اربع ليرات ذهبية بدلاً من اجرة المقهى    (عشرة فلوس) ولما قال له محمد فرج ان سعر الجلوس في المقهى عشرة فلوس اجاب جاسم ان هذه هي عشرة فلوس.

فما كان من محمد فرج السعيدي الا ان يأخذ الليرات الاربع الذهبية ويذهب بها الى عواد بن جاسم الملة حسن ويخبره بالقصة محذراً من الا تتكرر امثال هذه مع غيره.

جابر عثرات الكرام (الحاج داوود ابو التمن) كان من المعروف عنه وقد سيق شباب العراق الى جبهات القتال (سفر برلنك) وبقيت عوائلهم بدون معين لذا اقام الحاج داود ابو التمن بعمل اكياس من التمن توزع على النساء ليلاً من دون معرفة العوائل المستفيدة دفعاً للاحراج والمتاعب الجانبية.

      وقد أيد الاستاذ علي بازركان هذه المبادرة في كتابه (الوقائع الحقيقية في الثورة العراقية ) 

لا انسى مجلسه في مسجده وقد وضع اكوام المجيديات امامه والمجاهدين حوله وهو يسألهم عن عدد من يعيلونهم ليدفع لهم نفقات اكسائهم ومعيشتهم.

    ان هذه الصفات الحميدة كان يتصف بها البغداديون.. املا ان تكون دروسا لنا وللاخرين في هذه الفترة التي ضاعت فيها القيم وزيفت فيها معالم المكرمات والسجايا الحميدة... لان فيها من العبر والمزايا السامية ما يجعلنا ان ننظر اليها بعين الاجلال والتقدير. وهي المفاهيم السائدة بين اولئك الاجداد الكرام نضيفها الى تاريخنا القديم الحافل بامثال هؤلاء لتكون معلماً يهتدى به من يبتغي الهداية كما لاتخفي على الظاليين المنحرفين عساهم ان يأخذوا في يوم من الايام العبر من هذا التراث الخالد وليغرفوا من هذا المنهل الطيب وليربوا انفسهم واولادهم على قيم تراثنا المجيد.