داود سلمان الشويلي.. وضوح الاشتغالات المعرفية - شوقي كريم حسن

  • 21-10-2020, 21:50
  • نقد
  • 801 مشاهدة

*عند خط الفصل بين سومر بكل ارثيتها العجيبة، وامتدادات زقورة اور، واللاله الجالس في العلو، يحرك الأحلام ويرى الى الفرات بمسرة وحبور، كان الولد الاديمي الصورة، يراقب تحركات السماء واشكال رسوماتها التي لا تمنح سواه معاني للتأمل، والانغماس في بناء همسات لروحه، التي تصفن حين تنتبه بكل ولعها الى حكايات الف ليلة وليلة، ويتمايل بجذل وهو يقرر ان يكون قريباً من السماء، وهذا ماكانه فعلاً، لكنه الارثيات الحكائية ظلت لصيقة وعيه، لا يود مغادرتها مهما كانت الواجع، وقسوة الأيام، على غير تخطيط اكاديمي مسبق، وضع البياض بين يديه، وراح يفكك مكونات الليالي الالف والليلة الواحدة، وسردياتها العجائبية والغرائبية، ينتقل بين التأثير والمؤقر، محاولاً بجهد المتفحص العارف، نبش روح الحكاية وقواها الفاعله، هو المغرم بكل الشفاهيات التي تهتم بالارث، والعامل على جعله مادة علمية رصينة يمكن الرجوع اليها واعتمادها مصدراً معرفياً، ولحظة هدرت المدافع، وتحولت الحياة من شأن الاسترخاء الى الترقب المشدود، والدهشة الرافضة، بدأ داود سلمان الشويلي.. يدون حكايا تلك السنوات ومآسيها، عاملاً على ان تكون تدويناته السردية الدقيقة الفعل، الخالية من التمجيدات الزائفة، في القابل من الايام محطة اكتشاف ، وقراءة معرفية، لم يشأ الشويلي ، ترك مباحثة التراثية الاولى، بل ازداد تاملاً، وهدأت روحه، وأن كانت ازماته تلاحقت عليه، لتجلسه قعيداً، مع قراءات واهتمامات لو كانت لغيره لاهملها تماماً، جرأة داود الشويلي، وقدراته المعرفية المتشعبة، والمتوافرة على خيارات صعبة في مرات كثيرة، جعلته يهيم بين هناه السردية، وهناكاته النقدية والبحثية، لايترك ليومه هنيهة لحظة تاخذه الى هواجس تشل عمله وتوقف مساعيه، في سرديات الشويلي القصيرة، ثمة اعتناء وافر بالمشهدية المتتالية، الثيمة تتحرك أخذة بروح متلقيها الى قصديات السارد وغاياته، وهناك اكثر من غاية ، يضعها الشويلي امام متلقيه، على طبق من اللغة الصافية، الخالية من التعقيد والارتباك، لاتداخلات مربكة تشعر المتلقي بزيادتها، ولا تبتعاد عن المقصد العام، ثم العودة اليه، ويحدث هذا ضمن ادارة حوارية، متصاعدة خالية من الترهل والاستقرار، حوار مبني باحكام يدفع الى رد فعل ينشيء حدثاً، ويقود الى معرفية سردية، ومايتقصده السارد اعتماده المتغيرات النفسية لدى شخوصه، حيث تبدأ بحركة بطيئة ثم ماتلبث ان تتصاعد، وهذا مايعتمده ايضاً في سردياته الطويلة، والتي حاول من خلالها فلسفة الواقع، والافادة من متغيراته المتلاحقة، الشويلي داود.. وحده من يدون تلك المتغيرات وكأنه خبرها من قبل ، وعرف كيفايات تأثيرها ، من خلال هذه السرديات الواقعية، يريد السارد ان يحل محل المؤرخ المشكوك بولائة، وتلك مهمة اتخذها السارد العراقي دراباً جمالياً بعد سنوات التغيير التي امتلأت بالفواجع والمأسي والاثام، مهمة صعبة للغاية، لكنها على غاية من الاهمية والوعي، المورخ السلطوي خائن بطبعه وطبيعته، وهو المدون القصدي الذي يجعل للفراغ معنى، ويلبس الاكاذيب مسوح القيم والاخلاق والشرف، وهذا مالم تفعله السرديات العراقية، بل نراها تدون كل مايحدث بترو وتأمل، والاشارة التي يمكن ان نثبتها، ان ليس هناك ثمة من حيادية، شخوص داود سلمان الشويلي، تتحرك داخل فهمها العام والخاص، حركات افعالها تمنح متلقيها احساساً عارماً، ان العقل المؤدلج برقي معرفي ، هو العقل الفاعل والمؤثر، ويشتغل السارد على توصيفات زمانية ومكانية، يكون لهما التأثير الاهم والاشمل، وهذه التأثيرات هي التي تحدد مسارات الشخوص والاحداث معا، يجد المتلقي ان للزمان مساحات واضحة المعالم، قادرة على نبش المطمورات التي توجه سلوكيات وفعاليات الحاضر، ويقود المكان ليجعل منه مراحل انتقال سريعة، هي الاقرب الى الاشتغالات السينمائية ، مع توكيد واضح ان المكان لدى السارد يترك اثراً لايمكن محوه او تجاوزه حتى، ومع تعدد فعاليات الاشتغال لدى داود سلمان الشويلي، الذي يشتغل على كل الانشطة الفكرية مايقارب ١٣ ساعه، تزداد تاملاته النفسية ليجد له خطاً معرفياً لايخلو من الفلسفة المؤدلجة، التي يرى انها الخلاص الحقيقي لكل تلك العذابات الانسانية التي صيرت الانسان مجرد كائن مخرب ينتظر الرحيل، وداخل هذا المعنى وضمنه تتصارع الافكار، وتنمو الثيم مع وفرة من الشد الدرامي الادهاشي، داود سلمان الشويلي، ظاهرة معرفية كبيرة، يجب ان تنتبه اليها النقدية العراقية، وتقدمه للمتلقي العراقي والعربي كواحد من اهم السراد والموثقين والارثين الذين يعشقون الجمال ويحرضون الانسان بالانتماء اليه.!!