مستعداً لمعرض العراق.. اتحاد أدباء العراق ينهي مشواراً ناجحاً في معرض الشارقة الدولي للكتاب..
كلمة الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق بمناسبة افتتاح مهرجان النّفّري الثقافي في الديوانية
إنجاز المعاملات الخاصة بقطع أراضي أدباء بغداد مع البلديات المعنيّة..
التجديد في شعر عبد الله گوران" عنواناً للجلسة النقدية الثانية لمهرجان الثقافة الكردية الأول
جلسة شعرية عامرة بالمحبة ضمن فعاليات اليوم الأول لمهرجان الثقافة الكردية
الصباح مبتدأ الازمنة المتكررة تقليدياً ، مثلما اعتادت الناس على حركتها ، انه اول من تحدث وعاود كلامه الذي حفظته ذاكرة خزان عمر الدليمي واخذ فرصته معاوداً صمته ، لأن الناي صوت الصباح ، يفتح اليوم بإيقاعات مجنونة ... معاودة الناي لأطلاق غناءات فتحاته واخر ابوابه ، لكن الزمن الجديد لم يستطيع ان يدخل / ابواب الناي .
المثير للاستغراب اهم في الصباح ، طيوره ، احتفظت بدهشتها فوق اغصان اشجارها متفرجة وقد حصلت غرابات ، تغيرت فيها الموجودات . والعازف لم يختر مكاناً له غير الذي اعتاد عليه من قبل .
والان تجلس قبالة شجرة ميتة
الضوء يخبو رويداً رويداً ، وما هي الا دمعتان لتدخل في الظلام .
هناك انت تحيطك لوعة القصب
نايك ضامئ واصابعك ماء
هناك من قال ان تلك الشجرة ليست ابنتك
هي شجرة ضالة جاء بها صيف مخبول
صمت الناي ، او خرسه كما في الشعر اعلان معروف ومؤكد على موته ، والموت قاس وصعب والعازف لا يقوى على اختيار مكان جديد ، اخر وغير مألوف ، فاختار شجرة ميتة وجلس قبالتها . لابد من تناظر وتماثل في الصفات ، الشجرة التي كانت وتحتها يرتفع ايقاع الناي ، لم تعد هي ذات المكان بل ذهب لثانية ميتة ، ليست منه ، لا يعرفها وهي لا تريد حلماً جديداً منه ، فتوقف العزف ، ومات ناي الفجيعة قاسية وارتضت الشجرة الام الميتة تماثلاً مع الناي . موت الشجرة الام غياب ظلال الاغصان وذبول الفاكهة اخيراً .
والعازف نافر عن التماثل في التعطل والخرس ، لكن الشعر استعاد سردية انانا / شجرة الخالوب التي اخذها الفرات وسحرت بها انانا / عشتار ، لانها تريدها نوعاً من الخصب ، فسحبتها ، وذهبت بها لحديقتها في اوروك ولماذا تركت كل ما لديها من حدائقها شبيه الفراديس كانت تقضي فترات استراحتها ومزاولة لذائذ جسدها الشبقي .
وللعازف اشجار يانعة ، سعيد بها ، فرح هن بناته ما كان له لم تقدر عليه الالهة عشتار . ويستعيده خزان السرد ، فتذكر فضاء الاله العظيم انكي ، الذي هو القصب وكان الشاعر يلح على معاودة الحياة دورتها ، لانه لا يريد التوقف ، فالحركة معاودة وصخب وممارسة وتبادل الطاقة المولدة ، المانحة للحياة كل ما تحلم به ، وتريده . لكن العازف الصامت مكرهاً ، مطروداً من فضاء احلامه وهو الوسيط المساعد على معاودته للعزف ، وهو القصب المحيط به وصعود لوعة الكائن وحزت القصب وما ستؤول له امكانات الاله انكي وهو طاف فوق المياه العذبة / الآبسو والتناقض الكانطي صاعد وواضح ، يستقبل التساوي لذا ليس صعباً وجود التضادات ، ناي ميت في عطش متيبس ، لكن اصابع العازف السابح وسط القصب ، بلل يغسل اصابعه . التناقض صارخ.
وظلت السردية متباهية بمحكيتها عندما قالت :
هناك من قال ان تلك الشجرة ليست ابنتك
هي ضالة زحفت مع الفرات وقادها الصيف
للإلهة انانا / عشتار .
الشجرة الام ميتة . عطل الانبعاث وصمت التجدد ودهشة الربيع ، فالحتم يفضي للذبول . كلما سألت طيراً نفضت اوراقها ، ورقة ، ورقة ودخلت ، بيت الخريف . الطيور هاربة ، ميتة تقريباً . غير قادرة تماماً على استعادة اوكارها وعلى الاقل مكاناً لها اخضر ، لان حياتها مرتبطة بذلك وكان الطيور تعرف دخول الشجرة في عتمة الموات المؤقت / الخريف . هذا فصل طقوسي في العراق القديم ، يزاول فيه الممالك القديمة طقوس الجنس المقدس وهو الدورة الثانية ، وفي بداية نيسان الدورة الاولى في الاكيتو . الخريف ثنائي باستعادته ومجازه ، ذبول / موت / انبعاث / خصوبة . الماء ممتد امام علاقة بالسراب ، وعقد صداقة مع الطافي في مسامات عريضة وطويلة . الماء اول الكائنات عارف بالأسئلة الخاتلة ، يتلقاها فرحاً ، لأنه يرى بعينين مخفيتين ، بانه ــ الماء ــ لا وجود له الا المكتوب على الجسد والعالق على انامل اصابعه وهنا يعاود الشاعر هوسه بالعازف الذي بقى متكئاً على شجرة ميتة وبيده ناي .
ربما اراد عمر الدليمي ان يذهب العازف نادباً الموت ويبدو بأن ارتباك والاضطراب ليس محدوداً وانما متسعاً . فحتى الضوء ارتضى ان يكون خابياً قرب عينيه . فيما نساء بعيدات يتحدثن عن شجرة ميتة . النسوة ختمن المناحة ، والندب حول كارثة موت الشجرة وخرس العازف.
قيل انها ليست امرأة العزيز ولا المجدلية ما دامت الام الكبرى الاسطورية ، انحرفت اليها سردية الموت والعشق ، لان العازف عاشق مجنون ولعبت به ايقاعات مخزونة بالذاكرة ، يحلم بها ويستعيدها ، لكنها الهوس بالناس لا يعني فقط الايقاع والموسيقى والرقص ، بل منذ هل بالذكورة التي يومئ لها المزمار ، هو رمز تشكلت قداسته وتبلورت مع فضاء الرقص والغناء ، والتناقض الندب والمراثي ، كائن وبطل ، هذا ما تعرفت عليه الملاحم والاساطير وهو مجاور العذرية وممتحن بالبكورية . سرديات الطبيعة ، ذهب اليها عمر الدليمي وانشغل بها كثيراً ، مجد تجدد الموجود وخصوبة الارض ، النايات ضاجة ، مالئة السهول والجبال والايقاعات تلوح للعشاق الرعاة التي عرفتها سومر وزحفت الى مملكة اشنونا ، والعازف ملكها الرمزي المجاور للقلب بغداد . سردية النص ردت حقيقة ان المرأة ليست للعزيز ولا المجدلية مريم . امرأة واحدة موزعة بين اسطورتين لانموذجين ، بطلين بسرديتهما لا يوسف ولا يسوع . مثل امرأة موت ناي هي اقرب لانوثات المعبد ، الراقصات مع ايقاع الناي ، مصاحبات الصلات ومس الجنون للعاشق الذي خطفه صيف اشنونا شفر عمر الدليمي وحدات العشق السردية في هذا النص ويوسف انموذج عاشق لا يختلف عن الذي عرفته مريم .
لكني اريد ان اختم الحكاية ، ان المضمون الوحيد العارف بالأسرار والمكبل بالأسئلة ، فماذا سأحكي لهذا الليل وانت ذاو على سجادة صمتك تتسرب من اصابعك السواقي ها انت تجف وحيداً وبين اصابعك ناي ميت " ذهبت اسطورة العازف الداعي نحو سرديات غير متماثلة عن اسطورة بروميتوس . انها سردية الفقدان والتراجيديا .