القاص فلاح سرهيد .. شعرية الرمز وتخيلات الصورة

  • 21-10-2022, 13:51
  • مقالات
  • 604 مشاهدة

دائماً ما تكون البدايات مثيرة للانتباه والاهتمام ، هذا رأي تشكل لديّ منذ عشرات السنين ، لن اللوذ بالصمت ومزاولة المران فترة طويلة والاستعانة بالاختبارات حتى يصل المبدع الى قناعة تامة بأنه حقق نجاحاً واضحاً في ما كتب وحصد كثيراً من المواقف الداعمة لتجربته الطويلة وهذا ما حصل مع القاص فلاح سرهيد الذي ابتدأ معي في لحظة واحدة وكان تاريخنا المشترك متماثلاً في اختيار ما نقرأ وما ذهبنا اليه من متاعب . لذا أنا سعيد لأني قرأت للقاص فلاح سرهيد قبل أن تنشر له " الطريق الثقافي " لأني اطلعت على كل ما كتب من قصص قصيرة .

المثير في النصوص التي اختارها انتباهة جعلت من نصوصه ذات خصائص شعرية وكأنه استفاد من أهم التجارب السردية التي ابتدأت بالستينات وما بعدها وحاز على العناصر الفنية المميزة للنص السردي القصير واتضح لي وأنا أقرأ له ما قدمه لي وذهبت بقوة وطاقة للاطلاع على قصصه الخمس التي نشرت له واتضح لي أو هكذا تبدّى بأن الاختيار ذهب نحو ما تمتع به من شعرية كانت وعاءً طويلاً مع موروث الشعرية الذي كرسته التجارب الحدثوية في تجربة الشعر الجديد . إن إشاراتي للشعرية لا تعني الأناقة والدقة باختيار ما يحتاجه السرد القصير جداً وإنما قصدية ملاحقة الرمز الذي تنتجه اليوميات والمألوفات مع معرفة وخبرة في التعامل مع الرمز وسط سياق نصي مركز ، ويضفي التركيز خاصية فريدة من نوعها وهي ديمومة السياق النصي توصفه بؤرة متوترة ومنتجة لرموز متتالية أخرى لم يذهب اليها القاص فلاح سرهيد ، بل المتتاليات النصية هي التي جعلت من اليومي والوقائعي حاضراً وسط رمزية ، المتلقي هو الذي التقط التشابك الرمزي الذي أضفى على السرد نوعاً من الدهشة والصدمة ، لحظة إنهاء السرد بسياقه الابتدائي الأول ، ولكنه لن يتعطل ، ولا يتوقف ، بل يستمر للضرورات البنائية التي هي بحاجة جوهرية للسياق والذي يبتكر في كل لحظة رمزاً جديداً ومن هنا وجدت الاهمية البنائية والفنية ذات الشعرية مع كل ما يتبدى من شحنات ، تفيض بها الشعرية التي تمنح السرد المركز والقصير ابجديات مانحة ومعطية للمتلقي نوعاً من الحرية في البحث عن احلام مبثوثة ، موزعة في مجموع الصور المنتشرة في ازمنة الذاكرة التي بقيت محمولة وكأنها تخيلات . ويتضح تدريجياً ان القاص فلاح سرهيد ذاهب لإيجاد طاقة تؤثر على السرد المحافظ على ابتداءات الرمز وما يفيض به الاستهلال في كل قصة من القصص الخمس وكأنه يريد او يحلم بتأسيس ابتداءات الكلام وما يرشح عنه من توصلات وما يوفر من صور هي الوسيلة التي يمنحها المخيال للكائن الذي ينشغل بفواتح الاستهلالات .

لذا يواجه المتلقي عبر العلاقة مع النصوص القصيرة ، وجود استهلالات وكأنها متناظرة بالطاقة الكامنة فيها والتي تلقي لمن لديه علاقة مع القصص تمظهرات تمتحن المتلقي بما هو مخفي فيها من جزيئات واقع وتجوهرات المخيلة بوصفها في احيان بعيدة عن اللاواقعي . ان العلاقة بين مترشحات الذاكرة والصورة او مبتكراتها صور الكثيرة راشحة عن الذاكرة .

اعتبارها صور الماضي المختفي بخزان الذاكرة ، والذي هو احد انماط الوجود الواقعي بين انماط اخرى ، وعندما ارغب ــ كما قال جبري ورنوك ـ في كتابه المهم " الذاكرة في الفلسفة والادب " هي من مكونات الوجود الواقعي ، وعندما ارغب في معرفتها من جديد فإنني الاحقها حيث هي ، أوجه وعيي نحو ذلك الشيء الماضي الذي أبحث عنه .

تمثل قصة المغني أنموذجاً مهماً لقصص فلاح سرهيد وهي ليست من النوع القصير جداً ، فهي ليست كما تضمن العنوان ، لأن البناءات السردية في القصص عديدة ، ومتنوعة ، تضع المتلقي وسط انشغال بين الواقع الآن والماضي الذي كان ، مع حضور تخيلات مستقبلية كانت ومستقبليات ستظهر فالمغني بوجهه الأسمر ظل واقفاً تحت شرفة الأمير وهو يغني ويرتفع صوته الرخيم عذباً ورقيقاً .

" من أجله ومن أجل كل هذا احتشد الناس ، تجمعوا والتفوا حوله ينصتون ، يصفقون ، ويتأوهون مع كل نغمة حب ز مع كل لحن أمل . اطلعت الأميرة الفاتنة الحسناء من شرفتها تصحبها طفلتها الأميرة فارعة الطول كشجرة اللوز ترفل في فستان من الورد ، تركت جدائلها تتدلى فوق جيد من المرمر / الطريق الثقافي / فلاح سرهيد / خمس قصص قصيرة جداً / يوم الثلاثاء 9 / 2022 .

لي عودة ثانية حول آلية انبناء الرمز متوتراً بشحنات الشعرية الجديدة مع توصيف لأهمية الصورة وتخيلاتها والطاقة التي تتكون فيها مع حضورات أزمنة الماضي والآن والمستقبل .