خاطرة
خبز على الرف
إنها الحرب يا سادة، عنصرٌ مُدمّر.
سلبتنا أعزّ ما نملك، فتكت بالكثير من الرجال والنساء والملائكة الصغار، حطّمت حياتنا وغزت بلادنا.
نحن نتكلم عن عدوٍّ أخرس وأصمّ (إسرائيل)، ينفّذ دون أن يهتمّ لأرواحنا؛ كلّ همّه قذائفه، وصواريخه، وأسلحته المدمّرة التي قصفت شعبًا لا ذنب له.
ضميره متوقّف عن النطق بالحق، وفي الأصل لا يعرف الحق منذ زمن.
دخل المحتلّ أرضنا، لقد وهبناهم منازلنا ليكونوا ضيوفًا، وقدمنا لهم ما يحتاجون، كونهم بشرًا أمثالنا، لكنهم (خنازير) برّية، لا ينفع معهم اللطف أبدًا.
مرّت السنوات، أخرجونا من بيتنا، واستولَوا عليه بالقوّة القاهرة، والآن يعيدون الكرّة ولكن بأقوى من السابق.
يرغبون بسلبنا مدينتنا، أرضنا، بلادنا (فلسطين) الحبيبة.
ماذا بقي بها غير ركام المنازل، ورائحة الموت من كل الجهات تحيطها؟
لا زالت صرخات الكثير تصدع في رؤوسنا، لكننا لا نستطيع ردع العدو.
قلوبٌ محاطة بالخوف الدائم، مع كل رصاصة نسمعها، وكل قذيفة تقع، كأنها وقعت على أجسادنا.
أبطالنا قُتلوا، وقواريرنا نزحت، وملائكتنا الصغار... نفوسهم ماتت في أجسادهم.
طفلٌ يرى كلّ هذا الدمار... برأيك، ماذا سيكون في جوفه؟
كم من وجع ووجع سيجرع؟
وفوق كلّ هذا، قطعوا عنّا الإمدادات!
(لا طعام، لا ماء)... أبسط شيء سرقوه منّا.
بقاؤنا أحياء لا يعني أنّنا أحياء... أجسادٌ تتحرّك فقط، دون جهد، دون طاقة.
فقط أمل بسيط يحيط بنا، علّها ساعة استجابة تُنقذ أرواحنا.
من بين هذا الكمّ الكبير من الدمار والحطام، وُلدت قصّتي
أنا عمر حمد،
أحتفظ بآخر ما تبقّى لي من السعادة على رفوف الحياة: مكتبة!
أجل، مكتبة جمعتها بكدّي وتعبِي، قبل سنواتٍ كثيرة.
كنت أعدّ الكتب صديقتي ومهربي من الحياة، أتعلم منها وأنتفع، وأعدّها أرشيفًا شخصيًّا.
في داخلها، أضع صحفًا قديمة، ومقالات تاريخيّة، وكتبي الثمينة.
حاولت الاحتفاظ بها قدر المستطاع، وضعت ممتلكاتي الثمينة (كتبي) في حقيبة فوق ظهري عند ترحالي، وقد رافقتني من بيت حانون إلى رفح، ثم إلى خان يونس، وصولًا إلى غزّة، حيث أعيش اليوم مع عائلتي، في مخيم لا يتّسع حتى لأنفاسنا، بسبب الجوع المنهك حدّ الموت.
بطوننا أصبحت موازية لظهورنا، عظامنا خاوية...
اضطررتُ أن أعرِض سعادتي التي جمعتها منذ طفولتي للبيع، مقابل رغيف الخبز، لأُطعم عائلتي.
إنها ليست ثمينة كثمن عائلتي التي أنجبتني إلى الدنيا.
تصريح عمر:
عمر (بغصّة حزن): "ما عدنا نملك شيئًا... كلّ كتاب في مكتبتي يحمل جزءًا منّي، ومن طفولتي، ومن أحلامي...
حاولت أن أتمسّك بمكتبتي حتى آخر لحظة، لكن الجوع لا يرحم، ولا ينتظر."
لا أستطيع أن أضمن نفسي، هل سأعيش أم سأموت؟
نحن بشر، ولسنا بمخلّدين، ولكن نتمنّى أن تموت أجسادنا موتة كريمة، دون ذلّ، وقهر، وألم.
ندعو الله أن يحفظنا، ويحفظ بلادنا وشعبنا، وينصرنا على العدو الطامع.
كلمة الكاتب:
ليست قصّة هذا الشاب المدعو عمر استثناءً، لكنها انعكاس لمأساة ممتدة في غزة؛
حيث تؤكد تقارير الأمم المتحدة أنّ نحو 1.2 مليون نسمة في القطاع يعانون في ظلّ اضطرابات غذائيّة حادّة.
هناك من يموت بسبب القذائف، وهناك من يموت بسبب نقص الغذاء،
ومن يعيش يكون ميتًا روحيًّا لا جسديًّا،
ولكن في داخله بصيص أمل صغير بالغد لا يموت...
هذا ما يتميّز به سكّان فلسطين الحُرّة، رغم شدة الظروف الصعبة.
حنين علي عبد الواحد