استدعاء الآتي وتمثّل الغائب قراءة في مسرحيّة "رحلة إلى الغد" لتوفيق الحكيم

  • اليوم, 00:21
  • مجلات الاتحاد
  • 12 مشاهدة

استدعاء الآتي وتمثّل الغائب

قراءة في مسرحيّة "رحلة إلى الغد" لتوفيق الحكيم

أ. د. غنام محمّد خضر


                                        ناقد/ جامعة تكريت

الأدب والرؤية المستقبليّة

       مّما لاشكّ فيه أن الفنون بصورة عامّة والأدب بصورة خاصّة لا تمثّل محاكاة للماضي ولا هي صورة آنيّة (سكونيّة ) للحاضر ولا هي مجرّد توهّمات مستقبليّة بل هي كل ذلك،(( فلا يمكن أن نجيب عن سؤال المستقبل من دون أن نتمهّل عند سمات الحاضر الذي هو –الحاضر- بوصفه تطوّرًا للماضي))(1)، فالأدب صيرورة زمنيّة تتعامل مع الماضي والحاضر والمستقبل في بوتقة واحدة، لذلك تحوّل الزمن المستقبليّ في الأدب( وهو زمن تخييليّ)إلى رؤية مستقبليّة استكشافيّة، ولعلّ هذا ما يربط بين الأدب والعلوم في توجّهها نحو الآفاق المستقبليّة والكشف عن الحجب الزمنيّة، مّما يشكّل ترابطًا خفيًّا وواضحًا بين الازمنة الثلاثة فيجعل من الزمن واحدًا يمرّ من الماضي إلى المستقبل مرورًا بالحاضر.

    وعلاقة الأدب بالعلوم علاقة جدليّة تحدّث عنها العديد من المفكّرين والنقّاد، فهل الأدب يستفيد من العلم أم العلم يستفيد من الأدب؟، ولا بد لمن يُقبل على ربط التنبّؤات العلميّة بالأدب أن يكون مستوعبًا لكثير من المفاهيم والحقائق العلميّة، (( الحقيقة أن توفير رؤية مستقبليّة واضحة لما يريده المثقّفون والثوّار وقوى التغيير المدنيّة يحتاج إلى خبرات ما يطلق عليه علوم المستقبل)) (2)، إذ ترتبط العديد من الدراسات المستقبليّة بالعلم والتكنلوجيا وما وصل إليه العالم من تطوّر علميّ ومعرفيّ هائل.

       والدراسات المستقبليّة لا تعني الاهتمام الأكاديميّ فقط،(( بل تمهيد الطريق بحيث يصبح الاهتمام بالمستقبل جزءًا من ثقافة عامّة لدى الجمهور، بالإقبال على العلم والعلوم))(3)، فالأدباء والكتّاب حملوا على عاتقهم مهمّة الاتّجاه العلميّ في طروحات تنبّؤيّة عن مستقبل الكون والبشريّة، فقامت هناك جدليّة بين فلسفة الكتّاب ورؤيتهم نحو المستقبل فمنهم من وقف مع التطوّر العلميّ ومنهم من وقف ضدّه بحجّة أن التطوّر في الآلة على سبيل المثال هو إنهاء لإنسانيّة الإنسان.

    من هنا برزت الكثير من المؤلّفات الأدبيّة التي اتّخذت من الخيال العلميّ منطلقًا لها وهي تحلّق نحو المستقبل لتتنبّأ عوالمه المستقبليّة وما ستؤول إليه البشريّة، فقد ((كتب الفرنسيّ جول فيرن، والانكليزي ه.ج. ويلز وغيرهما قصصًا وروايات تنبّأت بالكثير من الاختراعات في القرن العشرين)) (4)، فبدأ الكاتب بالوقوف عند تلك الحقائق واستخدم(( العلم منطلقًا بخياله الأدبيّ يخلق آفاقًا مستقبليّة يدفعه الطموح إلى تفسير الظواهر الغامضة في الطبيعة)) (5)، فعلى هذا الأساس ارتبطت التنبّؤات المستقبليّة بالخيال العلميّ في الأدب، فأدب الخيال العلميّ يتحقّق في اتّجاهين هما: 

(( 1- اتّجاه يعتمد على الفكر الفلسفيّ، ويمكن أن نمثّل له بأدب (اليوتوبيات) المثاليّة، منذ أفلاطون وحتّى كابيه، وهو اتّجاه إنسانيّ يوظّف(الفكر) في خدمة الإنسان ويدعو إلى حلّ مشكلاته الاجتماعيّة والحياتيّة فيشجب القمع والاستغلال ويدعو إلى الحريّة والكرامة.

2- اتّجاه يعتمد على الفكر العلميّ، ويمكن أن يمثّل له بما كتب جول فيرن الذي يقول( لقد بنيت دائمًا رواياتي على أساس من الحقائق/ واستخدمت في صناعتها طرقًا وموادّ ليست فوق مستوى المعلومات المعاصرة...... وهناك تيّار في هذا الاتّجاه العلميّ يقوم على التنبّؤ وتوقّع الانجاز الحضاريّ الجديد، فقد تمّ توقّع اكتشاف القنبلة الذريّة مثلاً قبل اكتشافها، وتوقّع وصول المركبات الفضائيّة إلى الكواكب الأخرى قبل وصولها، وتوقّع وصول الإنسان إلى القمر قبل أن يتمّ ذلك فعلاً)) (6)، وهذا الاتّجاه هو الذي يهمّنا في بحثنا هذا إذ تنبّأ الحكيم في مسرحيّته –قيد الدراسة- جملة أمور تحدُث في المستقبل من شأنها أن تغيّر حياة الإنسان، والحكيم من أوائل الكتّاب العرب الذين اعتمدوا الخيال العلميّ في كتاباتهم الإبداعيّة على الرغم من قلّة تلك الكتابات إذ أن(( الأدب العلميّ العربيّ متواضع إذا ما قيس بالأدب العلميّ العالميّ، فليس فيه سوى أدباء معدودين على الأصابع أو روايات يسيرة)) (7)، لكن على الرغم من ذلك أصبح في الأدب العربيّ المعاصر كتّاب تميّزوا باتّباعهم هذا الاتّجاه أمثال يوسف السباعي وأنيس منصور ومصطفى محمود وغيرهم.

الرؤية المسقبليّة في مسرحيّة رحلة إلى الغد.

      يُعدّ الحكيم من أوائل الكتّاب العرب الذين مزجوا بين الخطاب العلميّ والخطاب الأدبيّ في نتاجاتهم، وللحكيم مجموعة من الأعمال الإبداعيّة التي تنتمي إلى المسرح الذهنيّ أو الفكريّ والعلميّ، وقد عالج في هذه الأعمال حياة الإنسان الجديدة في ظلّ الثورات الصناعيّة الهائلة التي غزت العالم، والتقدّم العلميّ العملاق الذي وصلت إليه البشريّة من تقدّم وتطوّر في الآلة أمام تراجع الإنسان، ومن هذه المسرحيّات هي مسرحيّة رحلة إلى الغد، فهي مسرحيّة تنبّؤيّة وصفها الحكيم منذ أن شرع بكتابتها, كما أن العنوان (رحلة إلى الغد) فيه إشارة تنبّؤ بالمستقبل ، ويقترب العنوان من عنوان قصّة (رحلة إلى جوف الأرض) للكاتب الفرنسيّ جول فيرن، مّما يشير إلى أن الحكيم سار على نهج أدباء الغرب نحو التنبّؤ بالمستقبل، فتبدأ المسرحيّة من نقطة انطلاق نحو استشراف القادم , فالحكيم يحكي لنا بطريقة دراميّة قصّة شخص أحبّ سيّدة فقتل زوجها ثمّ تزوّجها وما إن كشفت الشرطة هذه الجريمة حتى أصبح الطبيب قاتلاً  ملقيًّا به في زنزانة داخل السجن وينتظر يوم تنفيذ حكم الإعدام  به ، فالقارئ عندما يربط هذه الأحداث بعنوان المسرحيّة يتنبّأ بأن المسرحيّة تدور حول جريمة القتل إذا عرفنا من أحداث المسرحيّة أنّ السجين اكتشف فيّما بعد أن الزوجة خدعته وهي من بلّغت عنه فنراه يقول : 

السجين :ليست هذه أوّل مرّة ! سبق أن ذرفت الدموع على زوجها الأوّل ، المأسوف عليه ، لتنقذ   المظاهر وتضمن الميراث ! إنها تعرف جيّدًا كيف تذرف الدمع الكاذب في الوقت المناسب ....وهذا ما ستفعله غدًا أيضًا بعد موتي 0 الطبيب: برغم ذلك كلّه أستحلفك أن تقلع عن فكرتك ....يكفيك جريمة واحدة !

 السجين: الجريمة الأولى كانت لحسابها ....دعني أجرم مرّة لحسابي (8)

يتبيّن لنا من خلال هذا الحوار  الذي دار بين السجين وطبيب السجن إنّ السجين ينوي قتل زوجته بعد أن اكتشف أنها خدعته لمجرّد أن تتزوّجه وتحصل على الميراث مثلما فعلت مع زوجها السابق الذي قُتل على يده0

ومن خلال هذا المشهد أيضًا تكتشف هناك إحالة مستقبليّة بثّها الحكيم في ثنايا النصّ فما الذي ستؤول إليه الأحداث؟ ,هل  سيقتل زوجته أيضًا أم ينفّذ الحكم قبل أن يتمكّن من قتلها ؟ فيبقى المتلقّي في حالة ترقّب لما سيحدث ,حتّى تأتي لحظة انقلاب وتحوّل في أحداث المسرحيّة ليدخل الحكيم المتلقّي في دوّامة استشراف المستقبل إذ يأتي مدير السجن خبر جديد يقلب مسار الأحداث فيه : 

المدير : جئنا إليك بخبر أهمّ بكثير خبر قد يغيرّ من مصيرك 

السجين : يغيّر من مصيري ؟! 

المدير: بالتأكيد فقد يمنع من تنفيذ حكم الإعدام !  

السجين : ألم تبلغوني إن النقض قد رفض ؟!

المدير : هذا أمر لا علاقة  له بالنقض... النقض قد رفض فعلاً , وحدّد للتنفيذ موعد قريب جدًّا  لست في حلّ من الإفضاء به إليك صراحة , ولكن بالنسبة إلى الظروف الجديدة ,يصحّ أن ألمّح لك بصفة خاصّة أنّ هذا الموعد يقدّر الآن بالساعات هل فهمت ؟ 

السجين : كان هذا شعوري كما قلت لكم !

المدير : قد يلغى التنفيذ إذا وافقت على العرض المقدّم  

السجين : أيّ عرض ؟؟ 

المدير : عرض مقدّم من إحدى الجهات العلميّة وسيادة الأستاذ                                                            (( يشير إلى الرجل الوقور)) هو  مندوب عنها ...الموضوع باختصار.... أظنّ الأنسب أن يتولّى سيادة المندوب شرح الموضوع بنفسه 

المندوب : ((يتقدّم نحو السجين ناظرًا حوله) طبعًا الموضوع سرّيّ جدًّا.

المدير : اطمئن يا أستاذ .... ليس معنا من يخشى منه ... ((يشير إلى الطبيب)) الدكتور طبيب السجن وهو محلّ ثقة.

المندوب : أدخل إذن في الموضوع بدون مقدّمات .... المسألة في كلمتين                             أنّه قد تمّت الترتيبات  النهائيّة لأطلاق صاروخ                                              إلى الكواكب  البعيدة ، وهذا الصاروخ  معدّ لحمل إنسان , وقد جرى                            البحث عن هذا الإنسان .... وأخيرًا  اهتدينا إليك، والعرض المقدّم هو أنه في حالة قبولك القيام بهذه الرحلة , فإنّ حكم الإعدام يُلغى , هذا القرار تمّ بالاتفاق مع الجهات الحكوميّة المسؤولة ! 

السجين : يلغى بصفة نهائيّة؟! 

المندوب : بالطبع !

السجين : وإذا عدت من هذه الرحلة حيًّا 

المندوب : لو فرض أن عدت حيًّا فسوف تكون بالطبع حرًّا .

السجين : وهل هناك احتمال في أن أعود ؟ 

المندوب : بصراحة الاحتمال ضعيف جدًّا 

السجين :  كم في المائة ؟ 

المندوب : واحد في المائة : 

السجين : أكون مغفّلاً   إذا تردّدت في القبول .... بعد ساعات ستكون النسبة صفرًا في المائة .... فالواحد في المائة إذن كسب كبير أليس كذلك ؟(9)

        تدخل   المسرحيّة هنا منعطفًا جديدًا وهي مرحلة الرحلة الحقيقيّة التي أرادها الحكيم فمن السجن نقطة الانّطلاق ثمّ رحلة إلى الكواكب، فالحكيم يفترض أن في المستقبل ستكون قرارات الحكومة بهذا الشكل , والمشهد جاء منسجمًا مع تطلّعات الحكيم التنبّؤيّة , فهو امتداد لحالة التوقّع والترقّب التي سيطرت على فكر المتلقّي منذ مشروعه في قراءة المسرحيّة وتتبّع أحداثها , فما حياة الصاروخ التي ستنتظر هذا الشخص وكيف سيرتّب أموره هناك ؟

      فتبدأ حياة جديدة فضاؤها محدّد ب(الصاروخ) والرحلة إلى الفضاء , وهي انعطافة جديدة كما ذكرنا , وبهذا غاب فعل القتل والجريمة وما يحيط   بها عن ذهن المتلقّي , لتبدأ مرحلة جديدة من التنبّؤ بالمستقبل القريب ماذا سيحدث !! وما الذي يريد قوله الحكيم في المستقبل , ولم يشأ الحكيم أن يجعل السجين لوحده في هذه الرحلة بل زجّ معه شخصًا آخر.

السجين : (ينهض) لابد أن يكون هذا الصاروخ مغلقًا بإحكام ... نعم فهم ليسوا بالحمقى ! إنهم حريصون على أن ينقلوني من سجن إلى                                 سجن  ما هذا ؟ ... ((يصغي مليًّا)) ما هذا الصوت ؟ هذا صوت تخطيط مؤكّدًا صوت تخطيط .... إني لست وحيدًا هنا ... هنا شخص ! 

((يمشي في المكان باحثًا , وإذا هو يعثر في الجهة المقابلة على مقعد آخر ممدود فوقه رجل نائم)) . 

الرجل الآخر (يستيقظ)    أين أنا ؟ 

السجين : أين أنت ؟ ... وأين كنت ؟ ولماذا جئت ؟ 

            سأوفّر عليك كلّ هذه الأسئلة , وأبادرك بالإجابة أنت أوّلاً في الصاروخ 

الرجل الآخر: الصاروخ ... نعم! 

السجين : نعم  ثانيًا جئت لتحرسني إلى قبيل الانطلاق  وبعد ذلك لا أدري ماذا هم صانعون بك أنت سجّاني المؤقّت , فقم بسرعة من فضلك , لأنّي في حاجة لخدمة منك .

الرجل الآخر : ((ناظرًا إليه)) من أنت ؟  

السجين : أنا سجينك طبعًا (10)  

        هكذا بدأت الحياة داخل الصاروخ فالسجين الأوّل لم يبق لوحده بل التقى مع سجين آخر معه في الصاروخ فيا ترى لماذا عمد الحكيم إلى نقل الأحداث من الأرض إلى الفضاء  ؟! هل يريد أنْ يجعل الفضاء بديلاً عن الأرض في المستقبل ؟ أم أنّه يريد أن يقول حياتنا في المراحل أو السنوات القادمة ستصبح خارج حدود المعمورة كحياة، ففي الصاروخ  تبادل السجينان الكلام ودخلا في موضوعات عديدة حول حياتهم الخاصّة وكيف كانت جرائمهم في الأرض وقصّ كلّ شخص نبذة عن حياته واستمرّ الحال كما هو عليه حتى وصلا أحد الكواكب . 

والحكيم هنا له رؤية استشرافيّة تجاه حياة الإنسان المستقبليّة، ومن ضمن هذه الرؤية أن الإنسان في حياة الفضاء غير محتاج لا للطعام ولا الملبس ولا أيّ شيء آخر.

السجين الثاني : لا أدري لا أدري  بعد لا تلقِ عليّ مثل هذه الاسئلة قم بنا نصنع  شيئًا آخر .... ألا تشعر بالجوع؟ 

السجين الأوّل : جوع .... حتّى الجوع فقد اسمه , لم يعد هو الجوع  لأنه لا يوجد طعام .. قل الفراغ .... فراغ المعدة والشعور به ....علاجه تناول الأقراص المعهودة ... أين هي ؟! قالوا لنا عن موظّفها انتظر لحظة حتى أبحث عنها 

((ينهض ويتّجه إلى خزانة معدنيّة في جدار الصاروخ)) (11)

      في هذا المشهد نستدلّ على أن الحكيم يريد أن يقول إنّ في المستقبل القادم سيتّجه العالم نحو تصنيع أقراص تغني عن الجوع فبمجرّد أن يأخذ الشخص قرصًا واحدًا تمتلئ معدته ولا يشعر بجوع، وهذه رؤية للمستقبل أخرى زجّها الحكيم في هذا القالب المسرحيّ

         ويستمرّ الحكيم في استشرافه للحياة المستقبليّة من خلال هذه الرحلة التي افترضها لشخصين أقبلا إليها لأنها الخيار الوحيد لهما , وبهذا نستنتج أن الحكيم يريد أن يقول أن إنسان المستقبل القادم لن يكون له خيار آخر في طريقة العيش، ستكون كلّ الأشياء من حوله متغيّرة وهو ليس بوسعه أن يفعل شيئًا آخر غير الاتّجاه صوبها , فالرؤية هنا واضحة وصريحة , لكنّه وسط هذه الرحلة يحافظ الحكيم على تغذية الأحداث بمشاهد يشير بها من خلال الشخصيّتين المتحاورتين أن على الإنسان أن يحافظ على إنسانيّته وعلى العادات والتقاليد مهما حدث له ومهما تغيّرت من حوله الأشياء.

السجين الأوّل : إنه لمن الطريف حقًّا ... بل من المشجّع أن نتحادث هكذا ونتعاقب ونحن ضائعان في الكون!. 

السجين الثاني: ((أمام الجهاز فاغرًا فاه)) هذا غير مصدّق 

السجين الأوّل : ماذا؟   حديثنا هذا ؟! حقًّا مازلنا وسط هذا الفراغ الكونيّ نتأثّر بالكلمة المهينة ونخشى الحقيقة الشائنة ونحاول أن لا يصغر أحدنا في عين أخيه ! هذا حقًّا غير مصدّق (12) .

       فبالرغم من كلّ شيء تبقى هناك أشياء تلازم الإنسان مدى حياته إذ ليس باستطاعته أن يغيّرها لكنّ السجين الثاني لم يكترث لهذا الكلام وبقي مهتمًّا في قضيّة الأجهزة وماذا حدث لها .

       وما أن يصطدم الصاروخ بجسم غريب حتّى يهبط في كوكب مجهول غير معروف فيعطينا الحكيم رؤية مستقبليّة أخرى وكأنّه بهذا الشكل يعطينا مجموعة رؤى ضمن دوائر تّتسع الواحدة تلو الأخرى , فهذه الرؤية عن نمط الحياة الجديدة , فالحياة غادرت شروق الشمس وغروبها وبقيت على لون واحد.

السجين الثاني : انتظر بل هو لون يقرب من برق بعض الشرارات الكهربائيّة 

السجين الأوّل : متأمّلاً مهما يكن من أمر فهو لون رائع ألا توافقني ؟ 

السجين الثاني : نعم عندما يبقى الجوّ كلّه بهذا اللون  هذا اللون الخرافيّ هذا اللون لم نر مثله حقًّا إلاّ في ريشة المصوّرين الذين يصوّرون الأساطير (13) 

        فهذه أوّل الأشياء المختلفة التي يواجهها السجينان داخل حياة الكواكب فضوء الشروق اختفى كما ضوء الغروب فلا وجود في هذا الكوكب لأيّة علامة قديمة من علامات الأرض بل حتّى الهواء توقّف هنا.

السجين الأوّل : ((ملتفتًا باحثًا)) يظهر أنه لا ريح هنا ... ولا نسيم ... ألا تلاحظ ؟! كلّ شيء ساكن ... كأنّه جوّ مرسوم فوق لوحة زيتيّة ! 

السجين الثاني : ((ناظرًا حوله)) عجيب حقًّا  يخيّل إليّ أنه لا يوجد هنا هواء 

السجين الأوّل : وكيف نتنفّس إذن ؟! انتظر   إني لا أتنفّس  إني فعلاً لا أتنفّس  ولكنّي مع ذلك لا أشعر بضيق  أرني صدرك أنت ؟! اجلس حتّى أفحصك جيّدًا  ((يضع أذنه فوق صدر زميله)) عجبًا !! 

الرئة لا تعمل  أرني نبضك ! يمسك نبضه النبض غير محسوس إطلاقًا أسمعني قلبك (( يسمع قلبه بإذنه)) قلبك واقف ... واقف تمامًا 

السجين الثاني : كيف ذلك قلبي واقف ... وأنا حيّ ؟! 

السجين الأوّل : (( يترك زميله ويأخذ في فحص نفسه)) أنا أيضًا  لا نبض   يعمل عندي  ولا قلب  ولا رئة 

السجين الثاني : ما معنى هذا !؟! 

السجين الأوّل : لا أدري نحن في عرف الطبّ البشريّ من الأموات ! 

السجين الثاني : ولكنّنا نعيش  أليس كذلك ؟ 

السجين الأوّل : وهذا ما يدهشني ! (14) 

           فالحكيم يفترض أن الحياة هنا في الكواكب بدون هواء والقلب والرئتان لا يعملان بينما الإنسان على قيد الحياة , فالرؤية المستقبليّة هنا تخرج من نطاق الواقع إلى نطاق العجائبيّ ، ويبقى الحكيم يجسّد آراء جديدة يفترضها في حياة البشريّة فالكوكب عبارة عن قطعة من المعادن مشحونة بطاقة كهربائيّة.

 السجين الأوّل : ماذا اكتشفت ؟ 

 السجين الثاني : نحن الآن فوق كوكب هو عبارة عن كرة من المعدن   من معدن غير معروف لنا ..  لأن هذا الكوكب نفسه مجهول ولاشكّ من علماء الأرض ... إنه فيما يبدو كوكب صغير جدًّا وبعيد عن المدارات المعروفة 

السجين الأوّل : أهذا هو السرّ الخطير ؟!

السجين الثاني : لا أنتظر الاكتشاف الخطير هو أنّي سمعت كلّ كلمة كنت تحادث نفسك منذ قليل هل كنت تتكلّم بصوت يمكن أن يصلني ؟

السجين الأوّل : لا على الإطلاق  كنت أحادث نفسي 

السجين الثاني : كلماتك وصلتني لا عن طريق صوتك  بل عن طريق إشارات تلقّيتها برأسي مباشرة 

السجين الأوّل : ما معنى هذا ؟ 

السجين الثاني : معنى هذا إننا نعيش الآن فوق كوكب معدنيّ مشبّع  بالكهرباء كهرباء لا أدري عنها  ولكنّي أكتشف آثارها وفي استطاعتنا إجراء تجربة الآن إذا أردت أوجّه إليك كلامًا  لا من فمي  ولكن من رأسي هل أنت مستعدّ ؟ 

السجين الأوّل : تكلّم !

السجين الثاني : ((يطرق ويستجمع فكره ويركّزه ولا ينطق بشيء ))

السجين الأوّل : نعم   نعم.... سمعت .... أدركت 

السجين الثاني : ماذا قلت لك ؟

السجين الأوّل : قلت لي ((نحن الآن مخلوقات نعيش بالكهرباء )) 

السجين الثاني : بالضبط هذا نصّ العبارة التي وجّهتها إليك .(15) 

        فالحياة تحوّلت إلى ذبذبات كهربائيّة والناس في الكوكب يعيشون على كهرباء لا ماء ولا هواء ولا أيّ شيء آخر , وهذا الشيء جزء من رؤية مستقبليّة أراد الحكيم تسليط الضوء عليها وهي اعتماد الحياة على الكهرباء بشكل أساسيّ ومن غير الكهرباء لا تكون هناك حياة ، كما عمل الحكيم هنا مقارنة ما بين الهواء والكهرباء وجعل من أهميّة الكهرباء تفوق أهميّة الهواء والدليل أن الحياة في هذا الكوكب قائمة بالدرجة الأساس على الكهرباء , ناهيك عن معرفة ما يدور في فكر الآخرين قبل أن ينطقوا بها 

السجين الثاني : نعم   نحن الآن يا صديقي قد صرنا كبطاريّة تشحن بالكهرباء  وهي تشحن آليًّا ما دمنا فوق هذا الكوكب ! 

السجين الأوّل : نُشحن آليًّا كبطاريّة ! ما عدنا إذن نحتاج إلى طعام أو شراب  حقًّا  إنّي لم أعد أشعر بالجوع 

السجين الثاني : ولا أنا 

السجين الأوّل : مع أنه قد مضى علينا ولاشكّ وقت طويل منذ سقوطنا 

السجين الثاني : ولا نشعر كذلك ببرد ولا بحر 

السجين الأوّل : طبعًا ولا بحاجة إلى ملابس (16)

      إذًا الكهرباء هي البديل عن كلّ شيء الأكل والشرب والملابس هذا ما يراه الحكيم , فالكهرباء المحّرك لكلّ شيء في المستقبل وسيطرة الكهرباء هنا تكون سلبيّة على حياة الإنسان , فلا وجود للعمل والتفاعل مع الأشياء , وبهذا يريد أن يقول الحكيم بأنّ كلّما تقدّم العلم وتطوّر كلّما تهمّش تفاعل الإنسان مع محيطه , لكنّ الحكيم يعمل دائمًا على زجّ قضيّة الماضي والحاضر والصراع فيما بينهما في وسط أحداث المسرحيّة فيحاول أن يجعل هناك فريقين أحدهما يندمج مع الحياة الجديدة والآخر يبقى يحنّ إلى الذكريات وحياة الماضي , وبالتالي فهذا الصراع ما بين الماضي والحاضر هو صراع أزليّ قائم وسوف يستمرّ , هو صراع فكريّ قائم على قناعات كلّ شخص , فلكلّ طرف قناعته الخاصّة تجاه الأشياء ويبقى الحكيم هنا على الحياد إذْ يتبنّى شخصيّتين كلّ شخصيّة تمثّل طرفًا من أطراف الصراع , والحنين إلى الماضي يأتي على شكل صورة قديمة ، فكلّما فكّر شخص بصورة تعرض أمامه على شاشة ، وتبدأ تحاوره وكأنها بقربه , وهنا يستخدم الحكيم شاشات العرض في النصّ المسرحيّ لتدعيم فكرة المسرحيّة والوصول بها إلى مبتغاها 000 

السجين الأوّل : عندي صورة لشخص أذكر تفصيلاتها  بوضوح   لأني لا يمكن أن أنساها 

السجين الثاني : صورة شخص ؟  من ؟

السجين الأوّل : زوجتي ! 

السجين الثاني : طبيعي وخاصّة إذا كنت تحبّها !

السجين الأوّل : ((متذكّرًا)) كانت جميلة  أنيقة   تبدو عليها الوداعة , وإنّ كانت في الواقع ما علينا  كانت وديعة المظهر على الأقلّ  لا سيّما وهي تجلس في مقعدها المعتاد بجوار الراديو, وفي يدها إبرة ((التريكو)) تشتغل بصنع ((بلوفر)) من الصوف , يقول إنها ستهديه إليّ عندما يشتدّ الشتاء (( تّتضح الصورة في الفضاء كما وصفها وهي امرأة  جميلة فوق مقعد مريح بجوار جهاز الراديو الذي سبق وصفه وهي تشتغل بالتريكو))

السجين الثاني : ((مشاهدًا )) ها هي ذي حقًّا  أكانت كذلك في الحقيقة ؟! (17)

    فكلّ شيء يمرّ في الذاكرة يظهر على شكل شاشة أمام الآخرين , وهذا ضربٌ من ضروب التطوّر العلميّ الذي يتنبّأ الحكيم بالوصول إليه من خلال رحلته إلى الغد , فسوف يصل الناس إلى حدّ الترف , فكلّ شيء يمرّ في خاطره يعرض أمامه ويسمع صوته وكأنّه جالس بقربه  وفي وسط هذا الخيال في المستقبل يضعنا الحكيم أمّا إشكاليّة الماضي والحاضر وهذه الإشكاليّة هي جزء من المستقبل الذي يتنبّأ به الحكيم.

السجين الثاني: إنك أحسن حالاً منّي ! لديك على الأقل صورة من الماضي جميلة تستطيع أن تعيش فيها هنا   أمّا أنا فسأعيش في العراء  العراء النفسيّ 

السجين الأوّل : لا تقل ذلك 

السجين الثاني : أليست هي الحقيقة ؟ حقيقتي الآن ؟!! إلى أيّ شيء أتّجه ؟ إلى ماضٍ ؟! لا أريد بأيّ حال أن أطالع وجه ذلك الماضي ! إلى المستقبل ! أين هو؟ المستقبل الذي عشت له   المستقبل الذي كان لي كلّ شيء    وصنعت من أجله كلّ شيء  هذا المستقبل أين هو؟!  لا توجد الآن هذه الكلمة ...  لا توجد ... لا توجد ((يضحك ضحكات هستيريّة)) (18)

    من خلال هذا المشهد يشير الحكيم إلى أنّ المستقبل مهما يكن من متطوّر وجميل لكن تبقى للماضي نكهة خاصّة وطعم مميّز ومؤثّر في حياة الإنسان ((فالسجين الثاني)) يعاني من أن ماضيه غير جيّد ومستقبله غير معلوم , وكأنّه يريد أن يقول من لا ماضٍ له لا حاضر له ولا مستقبل !! لكنّه رغم ذلك فهو ناقم على الحياة التي تفرض على الإنسان أن يتعلّق بصورة من الماضي حتّى يعيش ويقاوم هذه الحياة  

السجين الثاني : ما أشقى تلك الحياة التي تعتمد على صور الماضي وحدها 

السجين الأوّل : ما دمنا لا نملك غيرها 

السجين الثاني : ((بقوّة)) يجب أن نصنع لنا حاضرًا ...  يجب أن نصنع لنا                مستقبلاً (19)

         تبيّن لنا من خلال هذا المشهد أنّ القضيّة الفكريّة الأساسيّة التي يطرحها الحكيم في نصّه هذا هي الصراع بين الماضي والمستقبل وشخّص ذلك دراميًّا من خلال الشخصيّتين المركزيّتين، فهذا هو (السجين الثاني) لا يقبل أن يعيش الإنسان أسيرًا للماضي بل يدعو إلى أن يعمل الإنسان ويجتهد حتى يكون له مستقبل.

        ويركّز الحكيم على قضيّة يحاول من خلالها أن يسلّط الضوء على مسألة العمل والإنتاج من أجل صناعة المستقبل , فلا مستقبل لأيّ إنسان ما لم يكن له عمل يصنعه 

السجين الأوّل : نعم هنا سنعمل وننتج ! 

السجين الثاني : ننتج ماذا ؟ لا تحدّثني عن الماضي وعن صور الماضي !  ما أعني   هو أن ننتج شيئًا جديدًا ... أن نحدث شيئًا جديدًا أفهم الحاضر أو المستقبل لا يكون إلا بحدوث  أشياء جديدة هل نستطيع هنا أن تنتج شيئًا جديدًا(20) .

        ويستمرّ الحكيم في جدليّة الصراع الذي دار بين السجينين وهما في الكوكب,  حتّى اقتربت الرحلة من الانتهاء، ثمّ يجدّدها الحكيم بفتح دائرة أخرى للمستقبل وهو بعد أن قرّر السجينان الهبوط والعودة إلى الأرض , لاكتشاف حياة مستقبليّة جديدة , فالرؤية المستقبليّة هنا ستكون عن أبعاد هذه العودة وما طرأ عليها من رؤى إضافيّة.

          في الفصل الأخير من هذه المسرحيّة المعنون بـــ ( العودة إلى الأرض)  فالعنوان يحيلنا إلى رحلة أخرى من الرحلات التي أرادها الحكيم ففي هذه الرحلة يواصل الحكيم طرح أفكاره وفلسفته من خلال الرموز التي يطرحها , فعندما يهبط السجينان إلى الأرض مرّة أخرى يجدان كلّ شيء مختلفًا فالزمن تقدّم ثلاثمائة عام , إذ كلّ  شيء مغاير فالقهوة والشاي بالأنابيب , فهذا الأمر يثير استغراب السجين الأوّل فبدأ يسأل عن هذا التطوّر فالفتاة الشقراء التي تصاحبه بدأت تجيبه : 

الشقراء : ألم يكن هذا موجودًا في عصركم؟ 

السجين الأوّل: العفو!.

الشقراء : حقًّا ... حقًّا....في دراستنا التاريخيّة لذلك العصر , منذ ثلثمائة سنة كان العالم مختلفًا 

السجين الأوّل : ثلثمائة سنة ! أليس عجيبًا أن أسمعكم تقولون هذا عنّا وعن عصرنا  أنا وزميلي !... ثلثمائة سنة؟!... أين كنّا طوال هذه الأجيال ؟! ... إنّ هذه الرحلة لم تستغرق في نظرنا أكثر من يوم أو بعض يوم !!! (21) 

        إذن الزمن اختلف ما بين بداية الرحلة والانطلاق من الأرض في صاروخ إلى الفضاء لغاية العودة مرّة ثانية إلى الأرض وما بين الانطلاق والعودة مرّت رحلة هذين السجينين بجملة أشياء تنبّأ الحكيم بحدوثها، ثم طرح فلسفته الخاصّة ورؤيته حول هذا التطوّر , إذ يواصل السجين الأوّل اكتشاف هذا التطوّر والتعرّف عليه عن طريق الحوار الذي دار بينه وبين الشقراء 

السجين الأوّل : والصحف ؟! 

الشقراء : أيّ صحف ؟ ... آه فهمت ...  تقصد... نعم ... نعم الصحف والكتب عندنا ترسل كذلك لمن يطلبها في كلّ مسكن في العالم ! ... إمّا في نسخة منظورة أو مسموعة أو بالحروف كما تريد !... يكفي أن تقف أمام لوحة هذا الجهاز , وهو موجود في كلّ مسكن وتطلب الصحيفة أو الكتاب الذي تريده ونوع النسخة ليعرض أمامك ما طلب , إمّا صورًا أو أصواتًا .. أو صفحات باللغة المطلوبة (22) 

      وبهذا يكون السجين الأوّل أمام تجربة ثانية مشابهة للتجربة التي عاشها على سطح الكوكب , فكلّ شيء من حوله أصبح مختلفًا عمّا كان في السابق ، ويستمرّ الحكيم بطرح رؤيته المستقبليّة للعالم.

الشقراء : حقًّا هل أعجبتك القهوة ؟

السجين الأوّل ((وهو يرشف)) جدًّا طعمها لذيذ وغريب أيضًا بعض الشيء اللبن من البقر

السجين الأوّل : ماذا تقولين ؟ لا شجر ولا بقر ؟

الشقراء: لا كلّ هذا مصنوع كيميائيًّا هذا شيء معروف من قديم  منذ أكثر من قرنين من الزمان  المواد الغذائيّة الضروريّة تستخرج من البحار والمحيطات والرمال والهواء لذلك هي كما قلت لك زهيدة القيمة جدًّا (23)

    فالعديد من المواد أصبحت تُصنّع كيميائيًّا بأسعار زهيدة غير مكلّفة فلا أحد يدفع مقابل هذا الطعام أيّة مبالغ تذكر!، فيعكس لنا هذا المشهد ماذا يتنبّأ لنا الحكيم من أشياء في المستقبل ، فالناس لا تتعامل بالنقود ولا تدفع أيّة مستحقّات عن الطعام والشراب:

السجين الأوّل : كم تدفعون مثلًا في هذا الفنجان ؟ 

الشقراء : ندفع ماذا ؟ 

السجين الأوّل : نقودًا ! كم من النقود ؟ 

الشقراء : نقود ؟! ما معنى هذا ؟ آه تقصد ذلك الذي قرأناه في التاريخ القديم لا يا سيّدي نحن لا نعرف النقود 

السجين الأوّل : لا تعرفون النقود ؟1 وبماذا تتعاملون ! بماذا تحصلون على الأشياء ؟! 

الشقراء : الأشياء موجودة دائمًا نحصل عليها كما نشاء عندما نشاء. السجين الأوّل : بلا مقابل ؟!

الشقراء : طبعًا !

السجين الأّول : هذا شيء عجيب !(24) 

          فيصوّر لنا الحكيم الحياة القادمة في المستقبل عن طريق هاتين الشخصيّتين فلا يوجد تعامل بالنقود، كلّ شيء متاح لمن يرغب بالأكل والشرب والمنام , ويستمرّ هذا الاكتشاف الذي يستغرب أمامه (السجين الأوّل) الذي ترك الأرض في رحلة ثمّ عاد إليها فوجدها مختلفة , ومن خلال هذه الفتاة عرف السجين الأوّل إنّ هناك نظامًا حاكمًا قاد هذه الحملة العلميّة التي أدّت في النهاية إلى سيطرة الآلة على كلّ شيء وجعلت من الشعوب تعاني من البطالة والعيش في اللا جدوى.

الشقراء : لا يوجد عمل لكلّ الناس 

السجين الأوّل : ما هذا الكلام ؟ ومن الذي يدير هذه الحركة اليوميّة في هذه المدن الكبرى ؟ 

الشقراء : الأجهزة الآليّة (25)

          يصف الحكيم هذا التطوّر هو سبب من أسباب سيطرة الآلة على الإنسان، إذ أصبح الناس بحاجة إلى العمل فلا يجدونه , وهذا من وجهة نظر الحكيم أنه مضرٌّ للإنسان , فكيف يشعر الإنسان بإنسانيّته  ما لم يعمل، وهذه الرؤية تجسّدت من خلال ما طرحه (السجين الأوّل)   وفي هذا الفصل (الهبوط إلى الأرض) ركّز الحكيم على حالة الصراع ما بين الماضي والمستقبل , إذ إن هناك حزبين الأوّل حزب المستقبل والثاني حزب الماضي , فالشقراء تنتمي إلى حزب الماضي , فحتّى في هاتين التسميتين (شقراء – سمراء) فنلحظ أن هناك رموزًا ، فالشقراء تنتمي إلى الغرب والتطوّر والسمراء تنتمي إلى الماضي القديم  

الشقراء : فرق كبير يا سيدي  أنا أنتمي إلى حزب المستقبل وهي تنتمي إلى حزب الماضي (26)