حين مات السيّد كوكول
رياض داخل
حال وصولنا لمكان وزمان غريبين كأننا في كوكبٍ مهجور أو في كوكبنا الأرض ، كلّ شيء فيه أبيض ، ظننت أننا نشاهد فيلمًا تدور أحداثه في روسيا التي كنت أنزعج منها كثيرًا وأنا الذي أنتظر فيلم السهرة بلهفة بعد أن يكمل مقدّم نشرة الأخبار حديثه من ثمّ التسجيل الكامل لما قاله القائد من خريط.
فيأتي فيلم السهرة في موسكو فيحرمني من مشاهدة أيّ جمال سوى وجه البطلة التي ترتدي كلّ ملابس الكون من البرد.
تمّ تفريقنا إلى مجاميع ثمّ قُسّمت كلّ مجموعة إلى شخصين معًا ، كنّا خائفين ، لم ينبس أحد منا بكلمة. لكنّ صديقي كان جريئًا بشكل مفاجئ ، فتكلّم بصوت مسموع وتساءل:
- أين نحن الآن( معودين)؟
أجابه كائن ضخم جدًّا لكنّه جميل جدًّا:
- ستعرفون ذلك.
تجرّأ صديقي مرّة أخرى وسأله :
- هل ستعطينا ملابس أم نبقى عرايا؟
فأتته الإجابة الصدمة:
- لستم عراة!
ثم استرسل قائلًا:
- أيّتها المخلوقات هنا حياتكم والتي لا نعلم ربّما ترجعون إلى الأولى أو ترحلون إلى حياة ثالثة سنعرض عليكم الحياة الأولى ثمّ لكلّ فردٍ منكم تقديم طلب أن كان ينوي الرجوع إلى الأولى أو الثالثة ، ثمّ ينتظر.
اقتربت إلى الصديق نوري الذي تعرّفت عليه في الفتحة الأولى في مقبرة النجف ، المكان الذي كان القريب من أبي تحسين (أبو المي ورد والبخور). وكان لطيفًا معي ، فقد لعبنا كثيرًا فوق مقابرنا ، حدّثني كثيرًا عن أمواله التي جمعها ، وتحسّره الدائم على ال 350 ألف التي جمعها ، لكنّ انتهاء حياته حال دون أن يشتري لأهله ويدخل عليهم السرور قبل يومين من عيد الأضحى ، حيث كان يهمّ بطرد ذبابة تحوم حول سلطة كان يهمّ بأكل شيء منها مع كل ارتشافة من قنينة البيرة فأتاه الموت وظفرت الذبابة بالسلطة قلت له:
- هل كنّا في بثّ تجريبيّ.
ضحك وقال:
- اي بشرفي، أتذكّر النملة التي أكلت (غراضك) .
- نعم وأغراضك ، النمل أكل كلّ شيء ، حتّى أنني أذكر أن آخر ما أكله النمل…
قاطعني :
- احذر أيّها الحبيب فكلامنا السوقيّ ربّما لا يقبلونه هنا.
قلت للكائن الضخم :
- بشرفك احنه وين
أجاب :
- والله ما أدري.
ضحكنا ثم طلبنا أن نشاهد _نحن الاثنين_ الحياة الاولى ، من الليلة الثانية لوفاتنا شاهدنا كلّ أهالينا حزنهم ضحكهم ، بكينا كثيرًا وضحكنا أكثر، إلى أن أبلغونا أنّ جميع من عاصرتموهم قد ماتوا ، إنكم الآن في عام 3005 وفق توقيت دنياكم صدمنا وسألنا عن إمكانيّة لمّ شملنا مع أهالينا ، فجاء الجواب:
- أن اصبروا فهناك أمل.
فكّرت بحياة دخلتها وخرجت منها من دون إرادة من نحن؟
التفتّ إلى نوري وقلت له:
- لنستمتع بشاشة عرض الحياة والتي تمتاز بالدقّة المذهلة ! لنقل صورة مميّزة جدًّا، فهي تعمل برغبة من يشاء ، فبمجرّد ذكر أيّ زمان ومكان سيعرض لك وحدك ما تريد وتراه عين اليقين.
من محاسن الصدف التي كانت مذهلة وقد تكلّمنا بها كثيرًا أن نوري يتابع ما يعرضه الثنائي (سوسو وزوجها اياس) وإنه يستمتع مثلما أنا في مشاهدتهما ، وبالحقيقة مشاهدة ما تستعرض به سوسو بالأخص…
.. .....
عرض أول سنة 2030 (المشاهير سوسو ، ماجد)
واضعًا أمامه أربع علب من السجائر، وثلاث قنانٍ من العرق ، وجهه أصبح شاحبًا. صاح زوجته (سوسو) :
- أنا لست قوّادًا ، وعلينا أن ننفصل يا ابنة العاهرة.
قفزت عليه وأمسكت بخناقه: لكنّك عملت قوّادًا لسنين تستعرض مؤخّرتي كي تحصل على الكثير من المشاهدات ، أيّها الغبيّ بمؤخّرتي سافرت إلى جميع دول العالم ، اقتنيت أفضل السيّارات وأسكنتك في بيت تحلم به يا ديّوث.
نظر إليها:
- كنت تبرّرين ذلك وتقنعيني أنّها ليست قوادة.
- إنّما كنت تقنع نفسك.
........
منذ أن بثّت جميع القنوات التلفزيونيّة بيان شركة كوكول الذي جاء فيه إن محرّك كوكول قد انتهى مفعوله بسبب خطأ فنيّ جسيم والأجواء الغريبة التي ضربت العالم للمرّة الأولى وإن عودته باتت من المستحيل . والعالم في حيرة وتوجّس أن يستمرّ هذا الغياب. امتلأت مقاهي شارع الرشيد بالأدباء ، قل الصعود إلى منصّات الجلسات الأدبيّة. حاول أحد أدباء كوكول كسر هاتفه وكان تبريره:
- لماذا أصوّر في هذه الآلة التي أصبحت مجرّد جماد؟ عليّ أن اقرأ كتابًا ورقيًّا، اوووف ، لقد قضي علينا.
انسحب من الوسط الأدبيّ تدريجيًّا الفئات الآتية :
- السميعيّون
- المتملّقون
- نقّاد الكوبي بيس
وووووو الكثير. كذلك اختفى دكتور الفيس بوك الذي كان يعوّل كثيرًا على لسانه البذيء وتعليقات طلّابه. خرج قرّاء الورق الراسخين داخل الكتب بعد هروبهم وامتعاضهم من (درّاخي الكوكل) خرجوا فرحين ، تسيّدوا المشهد الثقافيّ ، انتعش الورق . ازدادت حالات الطلاق بين المشاهير، طردت المطربة الشهيرة زوجها ، وقد صرّح أحد المقرّبين أنّها قد قالت له :
- تزوّجتك من أجل مواطني بلدك ومشاهداتهم وترينداتهم
وانتهى كلّ شيء.
٢٠٣٩
عاد الكوكل تدريجيًّا. ركض( اياس ) فرحًا يتمنّى لو طويت له الأرض ليعود إلى (سوسو) لم يكن يمتلك أجرة التاكسي أو أيّ باص فهو المشرّد بعد أن باع كلّ شيء ، وهو في الطريق أتته مومو راكضة ، تعانقا همس لها ، لقد عاد كوكل وبرامجها احتضنته نعم سنعود ، علينا إعلان التالي. رغم ما مررنا به فإننا لم نعتمد للحظة على كوكول فعملنا في مجال التجارة والحمد لله الذي رزقنا كلّ خير، وسنخصّص حلقات نكلّمكم عن حياتنا وقوّة علاقتنا. همس إليها (اياس):
- المااااكرة
ضحكت واحتضنته بشدّة.
2125
أخرج أبو وائل كرسيّه ووضعه بجانب حائط بيته ، شاهده جميع الشباب وأخرجوا ما يجلسون عليه من كراسٍ ، ثمّ ألحق جميع من في شارع ميرديان ، رغم أن وسط الشارع قناة صغيرة تسير فيها المياه الآسنة ، وباندفاع بطيء جدًّا تسير فوقها صورة مرشّح للانتخابات سنة ٣٠٠٣ تغطّ نصفها في الماء ثمّ يدفعها حجر فتخرج كاملة ثمّ تغطّ وتخرج تارة أخرى كتب عليها بخطّ جميل (عدم انتخابنا ، تعني الكثير أوّلها أسركم وأخرها قتلكم ) المياه مع مشتقّاتها لا تعرف أين تذهب ، ففي نهاية الشارع قصف معمل لصناعة الأطعمة المعدّلة وراثيًّا والتي أفتى بها كبار الأطبّاء على أنها الأطعمة الصحيّة الأولى. فسد الشارع وفي بداية الشارع من جهته الاخرى ، هدمت مكتبة الذكاء الاصطناعيّ والتي لم تفتح منذ أن افتتحت في سنة ٢٠٦٦ المكتوب تحت عنوانها برعاية النائبة سوسن حفظها الله ورعاها ، ورغم أنها تعتبر من البدائيّات في الانفجار التكنولوجيّ العالميّ والتي بشّرت بها النائبة في حملتها الانتخابيّة لسنة 2066 وعلى أن توفّر لمحبّي قراءة الروايات رجال الروبوتات ، وكان جميع محبّي الروائي الأشهر روبوت فسكي ورواياته الجامدة فرحين مستبشرين بهذا المنجز الذي لم ينجز، لكنّ الحرب العالميّة الرابعة انتهت ، وتسبّبت بتوقّف كلّ تكنولوجيا الكرة الأرضيّة فعاد الناس يلتقون ببعض. بعد عمل شاقّ في مزارع بعيدة ، يحصلون منها على الأغذية . كلّم أبو موريخ صاحب الصوت الجهوريّ أبا كوكوليش:
- علينا إعادة ما قاله لي جدّي عن جدّه اللذين عمّرا كثيرًا على هذه الأرض.
ردّ عليه مبتسمًا:
- وأنت أيضًا تجاوزت المائة سنة.
- نعم يا عزيزي
- قل لي ماذا نعيد؟
- الروح والإبداع اللذين فقدا بسبب الآلة
- الإبداع ، كيف.
- علينا أن نكتب ، ونقصّ ، ونتحدّث عن أفكارنا بدل الآلة ، بالمناسبة عودتنا للزراعة هو الإبداع بعينه ، ألم تلاحظ عودة مشاعرنا بلحظة جني الثمار، وتقديمها لأولادنا الذين تركونا بسبب الآلة وأعادهم إلينا الزرع.
كان جميع من في الشارع سمع ما دار من حوار بين "ابي موريخ" وأبا كوكوليش. ردّ عليهما أبو تقدّم
- لكن علينا التمسّك بمن يحكمنا فهم أماننا. والمشاركة الفاعلة في انتخاب بطلتنا سوسن
انفضّ الجميع من أبي موريخ وهتفوا بصوت واحد :صاح الجميع :
- نعم نعم على العهد باقون
هبّت الرياح ، وهاجت معها رياح المياه الآسنة.