جديرة بأن تُعاش / منى سعيد

منى سعيد
  • 2-06-2023, 11:32
  • مقالات
  • 474 مشاهدة

وحدها الناس من ترسم خططا مضيئة للحياة متجاوزة كل عاتيات الدهر من حروب وفقر وفقدان وخسائر.. نظرة واحدة على شارع الكرادة – داخل البغدادي مساء " ترد الروح"  (لولا " مكسورة" أمانة بغداد التي أقدمت عليها مؤخرا بنحر أشجار معمرة عديدة في الجزء الأول من الشارع للأسف متمنين توقف فعلتها تلك والحفاظ على البقية ) ، ومع ذلك مقابل الموات والتدمير نبقى موقنين بأننا مازلنا  نحب الحياة وبأنها جديرة بأن تُعاش ،  نبتدع  فيها فرحا ونورا ، ف"الأمل بالفرح يوازي الفرح ذاته " برأي شكسبير .. وطبعا لا نغفل هنا السنوات العجاف التي تعرضت لها تلك المنطقة من تفجيرات وكوارث، لكننا نعيش في الوقت نفسه لحظات سعادة  ونحن نتنزه بين مقاهيها البسيطة المفروشة على الأرصفة مستمتعين بمرأى شباب يتمشون بحيوية ، يحتسون كوبا من الشاي أو فنجان قهوة هنا وهناك.. إنها الحياة الضاجة بالأمل يعيشها البغداديون في ذلك الشارع وفي أماكن بغدادية أخرى. من جانب أخر جميعنا بحاجة لعصف ذهني نشترك فيه لمناقشة ما يدور حولنا من قضايا ملحة حول دور المثقف إذ طالما قاد المثقفون مسيرة البلد الحضارية متقدمين على السياسيين في قيادة حركات التحرر والثورات الوطنية وتوجيه المجتمع والجواهري خير مثال ، كما لابد من التذكير بدور المثقف  " العضوي" بحسب انطيونيو غرامشي في مجتمعنا  .فالثقافة كما يذكر ضمير الناس وجوهر وجودهم، مثلما هي الأساس الثابت الراسخ لأشكال التنمية والتطور كافة.. والمثقف هو  عقل الأمة  وقائد التغيير الحقيقي، الذي يأخذ بالأمم إلي بر الأمان وصحائف البقاء ..ودوره القيادي يتحدد بالتوجه نحو الخلاص من هيمنة الدولة التي لا تعني التمرد والخروج عن القانون إنما عدم السماح لأجهزتها القمعية بالتلاعب بمقدرات الشعب وتبديد ثرواته وحرمانه من حقه في حياة كريمة..

 وهكذا فالمثقف صانع للوعي ، موجها للمجتمع وطارحا لجميع الأسئلة.   ومهما دارت الدوائر يبقى صاحب المبادرة الأولى للحث على استعادة البناء والعمل على ترسيخ قواعد حياة مدنية لائقة، وما نشهده اليوم من حراك ثقافي واجتماعي دؤوب  إلا انتصار لتلك الرغبة  .وبنظرة خاطفة على البرامج الثقافية سواء الرسمية منها أو الخاصة تجعلنا نفكر بما يتوجب علينا من التفاعل إزاءها،    فبغداد شهدت في الفترة الأخيرة  عشرات الفعاليات الثقافية والفنية ولا يكاد يخلو يوم منها، كافتتاح  فعاليات مهرجان أيام السينما العراقية  ، و الاحتفال بالذكرى المئوية للشاعرة الكبيرة نازك الملائكة، و تواصل فعاليات اتحاد الأدباء مثل افتتاحه لمتحف الأدباء، والاحتفال بيوم الأديب العراقي للمرة الأولى،   وتنظيم ومهرجان جواهريون بدورته الرابعة، وحفل توزيع جوائز الرحالة ناجي الساعاتي، وإقامة جلسة أدبية في الذكرى الأولى لرحيل مظفر النواب، وغيرها  ، كما يزهو صباح يوم الجمعة  شارع المتنبي بفعالياته وريادة مثقفيه ، إذ تقدم عشرات الندوات والمعارض والأصبوحات  في المركز الثقافي البغدادي و قاعة مؤسسة المدى.. وتساهم   جهات ثقافية أخرى بتنمية الحراك الثقافي مثل فعاليات بيتنا الثقافي  الأسبوعية في مقر الحزب الشيوعي ، و فعاليات جمعية دعم الثقافة ، و أخرى  غير رسمية مثل مركز رواق بغداد،  وقاعة مجيد..مثلما قدمت جمعية التشكيليين العراقيين معرضها السنوي إلى جانب حفلات دائرة الفنون الموسيقية والفرقة الوطنية للتراث الموسيقي ، وتواصلت  أيضا ندوات  المجالس البغدادية  الثقافية ، مثل مجلس الشعرباف و المخزومي ، والراضي، وآمال كاشف الغطاء وغيرها العشرات.

بهذا نوقد شموع الأمل في عراق يخلع عنه أردية الحزن والتخلف .