الفنان فؤاد شاكر طفولة المكان ..وشعرية الطفولة

  • 14-09-2022, 15:37
  • مقالات
  • 456 مشاهدة

" الى الفنان سعد جاسم الزبيدي

واحلامنا المتراكمة في سوق الحطابات "

يقدم الفنان فؤاد شاكر في صورة رقم (1) فضاء مغلقاً لا يؤدي الى فضاء اخر، انه مكان انطوى على ذاته الجغرافية وارتضى الانغلاق محتضناً ذاكرة تاريخ خاص ، طويل جداً . مكان قاوم حدّية الانغلاق من خلال انفتاح فضاء ، هو مفتوح رمزياً وبصفته الدينية ، لذا كانت سماء الصورة / النص مفتوحة وتقود عبر سيمياء الفوتغراف الى قراءة ذات علاقة وطيدة مع المقدسة والمعتقد به اعتقاداً مع ابدية النصوص البكرية الاولى المتماهية بسريتها مع سرية المطلق . هذه اللقطة / النص ، حاضنة لمجتمع صغير يقود الى تأويل النص المؤطر وسط تلك التفاصيل وخارجها ليكون نصاً مفتوحاً الى الابد ، وينشط في القراءة كثيراً .

الفضاء معتم ، يخيم عليه ظلال فوقيه لم تستطع الشمس النازلة من الفضاء العلوي على تبرير تلك الظلال الداكنة واضاءة الوجوه ، لقد ضاعت الاجساد ، فقدت ملامحها وارتضت بحدودها الخارجية . ومما يخفف حدة الانغلاق المكاني ازدحامه بالطفولة المظللة بالحزن واختناق الذاكرة بازدحامات التاريخ بشواهد مرئية واخرى مسموعة ، متوارثة ، لان الامكنة تنتج مروياتها وتوجد مضمونها وتؤسس ذاكرة يقظة تمسك بكل ذاك التاريخ الطويل ... ومثلما يفيض فؤاد شاكر بحساسية عالمية في التعامل مع الامكنة ، فانه لا يستطيع مقاومة وحشة المكان ، فيزرع فيه الحياة . ولم يكتف بها في صورة / نص رقم (1) بل دوّن بذرة الحياة وسط انغلاق ذاك المكان .. الطفولة ، الاحلام البريئة التي اختارت مدخلاً لبيتها كي تكون هناك ، تحت مساقط ضوء الشمس النازل من السماء ، لان للاماكن سماواتها الخاصة ، واضاءت سماء المكان بنورها بذرة الحياة في الشارع الضيق والمسدود وكانت الطفولة هي الوحيد مشعة ، وغير معتمة ، او غارقة في الظلال انها شعرية التعامل مع المكان / واسطورية الحلم الذي لف هذه الاجساد وسط ظلال / ظلام المكان والطفولة ماثلة فيه ، ممتدة في مساحة هي اختارتها من اجل نسيج الحلم الاسطورة ، نسيج اسطورة المكان وعلاقة الانسان / الحياة به وتظل الطفولة سيدة الصورة / النص في اغلب اعماله ، من اجل الاستعانة بها ، ليوفر لابداعاته الشعرية العالية / والحلم / والاسطرة احياناً . وتظل ــ ايضا ــ عين ذاكرة فؤاد شاكر واجهة / صامته ، لا تستطيع المجاورة مع الشواهد المكانية والمشاهد الحياتية ، الا عندما تحتضن عتباتها الطفولة وهذا واضح في صوره 1، 3 ،4 .

" ان مسعى فؤاد شاكر الفني هو تحويل الحلم الى واقع . في كل لوحة ثمة أشياء تحلم حتى البشر ، حلمهم يكمن في تجميد اللقطة التي هو عليها كي يوصلهم الى زمن آخر . وحلمهم يكمن في انهم سلالة لأجيال عاشت الأمكنة نفسها ، ولم تسنح الفرص لهم أن يقولوا صوراً . وكل الاحلام ما هي الا نتوءاُ واخزاً في مخيلة شعبية سعى الفنان الى الركض وراءها ومتابعتها كي يفهمها " .

يفيض الشعر والحلم عبر التوكيد على المكان وأسطورة الانفتاح والانغلاق ، هذه الثنائية التي عرفتها الحياة منذ الابتداء ، ثنائية متناقضة ، وديمومتها في هذا الاختلاف والتناقض . في صورة / نص "3" مكان قريب بملامح وجهه وجسده من المكان السابق ، لكن الاختلاف غياب أو قرب غياب الكائن المكتمل ، الممثل له في الشبح المغادر نحو نهاية الشارع / الضوء ، وبقاء الطفولة وأسطورتها مندهشة من شيء لم نعرفه نحن ، ولكن بالامكان قراءة المخفي ، ربما هو الحلم الوامض الذي أدهش هذه الطفولة وهي غارقة بنورها السماء ، سماء المكان التي اختارت الطفلة / الحلم الوقوف تحتها . وبين سماء مفتوحة وظلال خفيفة ، تصعد حكاية الشعر في علاقته مع طفولة ، بدت بتاج ضوئي ، حطَّ فوق رأسها ، وليغمرها مثل الدهشة الى الابد وفي مكان لن تغادره ، وفي زمان حوط أحلامها نهائياً وظلت ترقبها ، تحدّق بها ، غير مصدقة ، هي أحلام الذي سبق ولم يشاهدها ، أم هي أحلام الطفولة المكتشفة تواً في الصورة / نص رقم "4" مكتشفة وباندهاش لذيذ ، بأن النور المتسلل اليها ، ومواجهاً لها بشكل مباشر ، هو حزمة أحلام لا تحمل معها غير الدهشة والارتياب ، الا انه ارتياب شفيف ، فيه الحذر ، وفيه الترقب ، يختلط مع التشوق لشيء سري ، لم تستطع الطفولة الملتذّة الى عمود غيبته الظلمة ، وغادر حاضنته التاريخية الازلية ، عندما كان معبوداً ، لم يفترق كثيراً عن الذكورة وحضارتها . فهل كانت حركة الطفلة في صورة / نص "4" هروباً نحو الأبوة وهيمنة الحماية ، خوفاً من شيء لم نستطع التوصل اليه ؟ الا انها بقت حذرة ، وهي تسبح وسط نور أحلامها ، وضوء مكان شعَّ من أجل التماع الماس الطفولة . وهذا لا يعني بأن فؤاد شاكر شخص عتمي ــــــــ / محب للعتمة ، انه كائن ضوئي ـــــــ كما قال مجيد السامرائي ــــــ شفاف ، حتى لكأن العتمة إذا ما غمرته تفطر كأنه قارورة ناعمة . لكن فؤاد يضع في العتمة مخلوقاته المضيئة .. كي يضفي عليها من روحه ، ومن يده ومن رؤاه ؟ انه اذ يتحد مع التوأمين ـــــ المتصارعين ــــ المتصالحين [ العتمة والنور ] لا ينتصر للنور ـــــ كمخلوق خير على حساب العتمة ، بل انه يرى في هذا الصراع  المتناغم والطويل الامد ، والذي يمتد من فجر الابدية . يرى في هذا الصراع لعبة تستهويه ، حدّ أنه يقذفه بروحه القلقة في لجتها حد " التعاشق " .

للطفولة دهشتها وأحلامها . وللشباب مخاوفه ومحاذره ، وللكبار دهشة كذلك ، ومن هو بقادر على فك اشتباك الدهشتين وعزل أحدهما عن الآخر ، ورصفها بجانب زمنها ومكانها / لا أعتقد ، لولا قراءة الملامح التي تحيل الى موجهات الزمان والمكان وفي صورته / نصه رقم "2" دهشة بكرية ، تشع ببراءة لا مثيل لها ، الا في دهشات الاطفال . امرأة مستكينة أمام باب أحلامها ، تراقب تراكمها في داخل بيت لم يبق به أحد وهي آخر المغادرين الى عتبة السنين في الشارع ، حيث مساحة النور أكثر ، وكأن الفنان يناغم بين المراحل العمرية وكميات النور التي يساقطها فوق الرؤوس ، كي تشع الذاكرات وتضيء الوجوه وملامحها . امرأة مندهشة ، لكنها غير خائفة والنور مجاورها ، أعاد صياغة الشناشيل ظلالاً ، وكأنها منحيات من أصل الجدار ، هل كانت دهشة الانوثة من أسطورة مشهد لم تره من قبل ؟ أم لعودة غائب لمحته في استهلال الزقاق ، أو سمعت بصوته .. أو .. أو ..

أم كان فؤاد شاكر يعالج أسطورة هذا النص ويعيد صياغته بالنور والضوء ... من أجل شعرية المكان وطفولته معاً .