حسن البحار.. سرديات الموج

  • 14-08-2020, 23:18
  • نقد
  • 1 445 مشاهدة

شوقي كريم


*سمعت الشاعر الالماني.. جيتيه.. وهو يشرب قهوته بعناد فارس عتيق.. البحر تهدر امواجه بأستمرار لذا هو لا يحتفظ باليابسة، سرقتني تلك الاشارة، لتلقي بي الى خضم التأملات التي ما كنت بقادر على استيعابها، لان البحر ظل المعلوم اسماً، غير الواضح نفسياً، حتى رأيت جوزيف كونراد البحار الذي شق زيق الامتدادات المائية، وخبر اعماقها، كاشفاً عن الخبايا والاسرار، الحكائية التي تبدو مجنونة وصاخبة ومنفلتة العقال، وهنيهة  رأيت الحلاق الذي صيره الميناء روائياً عبقرياً، سألته، هل اشتغلت بحاراً ام تراك اكتفيت بمواطنة البحر، والجلوس عند الميناء الذي ينفتق ليله عن حكايات جنية لا يستوعبها غير عالم بفقه الارواح العابثة بمصائرها؟ لم يصعد حنا مينا البحر، لايام طوال، وان فعلها فلايام معدودات لغرض كشف السر، وهتك عرض الازرقاق، على غير ذلك قدم حسن البحار.. وجوده الانساني اولاً حاذفاً انتماءه الارثي منتمياً لذاك الهادر الاهوج، البحار صانعة اسرار من لؤلؤ النفوس التي ترافقه ويرافقها لاشهر طوال، فيما يشبه العزبة النفسية، والوحشة الدافعة الى الانهيار ان لم يستطع صاعد البحر على استيعابها وفهم غاياتها، ورغباتها التي تشبه رغبات معشوقة ماكره، فض حسن البحار اشتباكاته الروحية مع اليباس، لينتمي بكليته البيضاء الى ذاك الابهام الذي ما لبث ان هدر في اطماره الحكائية ليخرج نابشاً اسرار الوجود المهيمن على هاتيك الامتدادات غير المعروفة الابعاد، فكك البحار حسن، مزايا الظلمة، وخطوط اضطرابها ليقدم للسردية العراقية ولاول مرة كشوفات خاصة، اذهلت متلقيه وجعلته يتعلق بأذيال السردية المتنامية بمعرفة ودقة شديدين، يبدأ السارد من حيث تنتهي ارضيته، يفترش قيعان العزلة ليخلط بين مطموراته الارثية ويوميات مخزونة يحملها عن قصد، وتلك الايهامات التي تدمن الصمت، برغم كل الهدير الذي يحاول السارد البحار تدوينه، يظل الصمت هو الابلغ فعلاً، والاشد تأثيراً، يعمد الى خلط الرؤى والاحلام والكوابيس ، موهماً متلقيه انه امام طلاسم صعبة التفكيك، كل ما يراه لحظة مشاركته القراءة، انما هو مجرد منقولات قد لاتكون صحيحة، وماهي الا مخلوقات ليلية تفرضها عتمة الروح واضطرابها، حين يكتب البحار حسن ، عن مدافن البحار والمراني، وعلاقات البحارة بالاوهام وابتعاد  الحقائق، نراه مشدوداً، يعيش ازمات شخوصة النفسية، وهي ازمات تراكمية ان استطعنا تحليلها لوجدنها،  توليفات انسانية ارضية حياتية وسرديات ليال قد تاخذنا الى مقهورات السندباد البحري، وانثيالاته الغرائبية، يحاول البحار حسن، الابتعاد قدر ما يمكنه ويستطيع عن تلك االمساحة الاشتغالية التي تقصيه الى غرائبية الافكار ولا واقعيتها، او واقعيتها العجائبية التي جعلها ماركيز واحدة من محطات السرد العراقي بعد زمن الثمانينيات، يفلسف البحار مسروداته بحذر الفاهم لمقاصدة ، والقادر على ولوج مكامن التشخيص السردي الذي لم يعد خافياً على أحد، ما يفعله حسن البحار في سردياته الطويلة، يختلف عما يحاول توفيره في تلك السرديات القصيرة التي لاتشظي ثيمها، وتظل متمسكة بكل الخلق السردي المعتاد والتقليدي، يجد في ثيم القص القصير، استراحات تأملية يرغب في توافرها كرفيقة وجود، حتى العودة الثانية للبحر، في سرديات حسن البحار، انثيالات تقترب من الحوار المسرحي الطويل نسبياً، ومرد ذلك الى سعة الايام وهدوء الروح التي تدمن الاسترجاعات الاستذكارية، تلك الميزة قد توثف امتدادات الاحداث ومساراتها، لكنها لدى البحار تتمركز بقوة تجاه رد الفعل المتنامي وهذه خصيصة يفهمها جيداً ويحاول تنميتها، يتمسك بالبحر الذي يشكل الواقع، ولا يسعى في ما كتب من سرديات الى تشكيل البحر من خلال وجود واقعي قد يظهره على غير تماسكه، لغة حسن البحار ، تمور بالحكمة والرؤى الصوفية، وان كانت في مرات تبدو ثقيلة ومترهلة وغريبة عن الجسد السردي العام، لكنها وكما يريد حسن ان تظل في حدود كونها اداة توصيلية يصنعها كيفما يريد وبحسب متطلبات اشتغاله وحركات شخوصه وفواعلها والردود المتوخات من هذه الافعال، الوعي الانساني هو من وضع السارد في مساره الصحيح، والمتطور، وهو الذي لفت اليه النقدية العراقية والعربية ايضاً، هادر كالبحر في نشاطه ومحاولات تقديمه لمنحزاته للمتلقي والناقد معا، وهذا ما لايتوافر لدى الكثير من مجايليه او من سبقوه..