عبد الزهرة علي.. سرديات المحنة وخطواتها - شوقي كريم حسن

  • 9-11-2020, 19:18
  • نقد
  • 937 مشاهدة

*هل يمكن للسارد النظر الى مايحيطه بريبة ممزوجة بالخجل؟
وهل يمكن للخجل اعطاء السارد فحوصات تأمليه وبخاصة اذا كان عند خط الشروع، تجعله يشخص خياراته السردية ووضعها في مكانها الواضح والمرغوب من قبل المتلقي؟
وكيف يختار السارد شخوصه، بل كيف يحدد التعامل معها وبخاصة اذا كانت تتوافر على تواريخ مزلزلة وقادرة على فضح مسارات الازمنة وامكنتها؟
عبد الزهرة علي.. سارد وقع داخل اثم الأسئلة التي اعطته قدرات تأمليه تفحصت ما عاشه يوماً، وظل داخل مكامنه المعرفية لسنوات طوال، لكنه مالبث ان ظهر سريعاً ما ان وجد فرصة للانبثاق ليصبح هيجاناً معرفياً استطاع توكيد  حضوره السردي في زمن اعتبره قياسيا في ظل الهيجان السردي الذي اصاب البلاد بعد التغيير، ما يميز سرديات عبد الزهرة علي، انها قصوريات سردية، تمشي بتؤدة لغة وبرفقة شخوص تعرفهم ذهنيات التلقي الجمعي، ولربما تحفظ لهم الكثير من المعارف والاشارات وربما تبنت الكثير من ارائهم ومفاهيمهم، لاتستطيع سردياته التخلص من وجوده الايدلوجي الذي اصبح الجزء الاهم من حياته، شخوص بأمكنة وازمنة تحركها الانتماءات،  وتمنحها التواريخ والافعال، لاشيء يؤسس لوجوده الانساني خارج الاديلوجيا، ترسم الخطوط والمنحنيات، وتدفع بالسارد الى التوثيق الدقيق الملاحظة والمتفحص الزماني بادهاش توافر على الكثير من الاقناع الذي يبحث عن متلق حذق، عارف، ولربما منحاز ايضاً، لغة علي، حيادية في الكثير من مواضعها السردية، مهمتها الوحيدة، هي اعلان الاتصال بين المسرودة الحكائية ومتلقيها، وهذه الحيادية التي اختارها علي عن قصد سردي واضح، منحت هذه السرديات صفات تاريخية مشحونة برغبة التوثيق والسرد الحكائي معاً، مع ثيم قليلة الوضوح لكنها ماتلبث ان تتصاعد لتصل الى ذروة الافصاح، والشد المقترب كثيراً من الاشتغالات السيمية، الخطوط تساير بعظها دون تداخلات حتى وان كانت محتملة الحدوث ، لكن السارد يتحاشى مثل هذه الصدامات وياخذ بازمنته وامكنته التي يؤكد عليها دوماً بهدوء الى حيث المقاصد، والغايات الحكائية، لاتخلو مسرودات عبد الزهرة علي من همومه الشخصية حيث يجده المتلقي وبوضوح اشاري حاضراً يلوح بمواضيه ومعرفيته وكشوفاته، حتى نجده مرات كثيرة خارج من حياديته مسهماً في بناء الاحداث وتشكيلها، ومنحها من عندياته وان كانت قد اخذت اردية التاريخ بعضاً من الحلول والعلامات التي تحاول ارضاء المتلقي، وحوارات عبد الزهرة علي، لاتهتم باالتصاعديات الدرامية،  لانها تريد التوضيح المقصدي، بتوصيفات عامة كثيراً ما نجد السارد يقودها الى حيث يريد، وتلك مهمة لم يلتفت اليها السرد العراقي، لانه لايجد في الدراما الصراعية ثمة ضرورة، وهذا من الاخطاء الفادحة التي كثيراً ما نوهنا عنها، واذا ماالذي جعل عبد الزهرة علي يطفر من قدر الفوضى السردية القائمة حتى الان ، ليقف عند خط الانتباه؟
اظن ان السارد اجاد لعبة الوعي، وتمكن من اتقانها مع بطء في السرد وتاملات يومية لما يسميه تجارب الوجع، وهذه الابطاءات مكنته من اجبار النقدية العراقية على متابعته وتفحص تجربته السردية، باهتمام ودقة توضيح، وهذا ما اوقف عبد الزهرة علي، في محطة من محطات الحيرة، كيف يبدأ مع سردية اخرى، وماهي وجوه المغايرة التي يجب الانتباه اليها، بعد ان قدم مسرودات لاتهتم بالمغاير وتلاحق ماهو ثابت وراسخ؟
مثل هذا السؤال، اوقع الكثير في حباله، والبعض منهم لم يستطع الفرار والخلاص، لكن عبد الزهرة علي لو انه اعاد تأمل مسروداته بدقه وتفحص، لاكتشف الكثير من الطرق التي تحثه على المغايره، مع ايجاد امكنة وازمنة لاتهتم بالمؤدلج الذي ماعاد يثير الاهتمام اكثر من كونه ملمح ارثي قد لايعني الكثير من الملاحقين لجماليات الاشتغاليات السردية العراقية، الايدلوجيا محنه السردية العراقية منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي وحتى الان، وستظل تلاحق هذا السرد لانها تشكل هماً نفسياً يقف بين الفقر واثامه والاحزان وانتقاماتها، والوعي التحرري وعذابات فشله.
تلك معظلة كانت كونية لكنها مالبثت ان تلاشت، او تكاد ان تتلاشى، فلا اهمية لبطل مؤدلج من هذا الزمان، ولا ضرورة جمالية لابطال تحركهم رغبات القادة  وايمانتهم الطامعة بالسلطة لا بالمتغير، اظن ان عبد الزهرة علي لو انتبه الى هذه الاشارات وحللها سيكون واحد من سراد البلاد الرافدينية بتمكن عال.