عبد الحسين فرج.. الشعر محنة!!

  • 22-08-2020, 20:41
  • نقد
  • 1 101 مشاهدة


*قد تتوقف الذاكرة، لبرهة زمن حين تتعرض الى ايقاعات نفسية تشعرها بالاضطراب والخوف، وخيبة الامل، من ايجاد منافذ للخلاص الذي يتحول من خلاص جمعي الى لحظة فردية خالصة، تمحو كل ما عدها، لتشكل فيما بعد البعد الانعزالي الذي يوصل الى عمق الاجدوى، تلك شرعة، تلازم اولئك الذين تأرجحت ارواحهم لزمن غير قليل، بين خطاف السقف، وعصا المحقق ، الذي يطالب الروح المتهالكة باعترافات لا حقيقة لوجودها، هذه اللحيظة ، العارمة، الباهضة الثمن ، هي التي تشكل فيما يلي من الايام الوعي المغاير، الوعي المدقق، الشكاك، الباحث عن حقيقة واحقية مايجري، داخل تلك الظلمة، قعد عبد الحسين فرج، يتأمل هذيانات روحه التي غدت زاده الانساني، وقوته المعرفية التي تريد تحديد اركان التجربة والانطلاق من خلالها، او مخاض اعماقها التي كانت تغلي مثل مرجل، الشعر في لحظة السكون الموجع تلك، لا يشكل السبيل الامثل، لانه يحتاج الى قطوعات ، لا تروي الروح ، ولا تشدها الى عمق ما حدث، وما سوف يحدث، تمنى فرج لو انه امسك عنان السرد، الذي لا ينتمي اليه كثيراً، لكنه يحبه كاداة تعبير لمثل الحالات التي عاشها وينصت اليها كل يوم من خلال مواجع الالسن التي ما كفت اللهاث وراء القول، اشعرته مسافات السرد بالانهزام، لذا حسم الامر وحط عند القصيدة، المحكمة التأثير، اراد ان يقف عند شباك وفيقة، او مومسة السياب العمياء، وربما وضعته المحنة عند غريب الخليج، لكنه مالبث ان غادر الامكنة السيابية دون ان يشطبها، رسم حدود الفهم الثمانيني للشعر، الحرب ومخاوف التلاشي، والقهر وانتظار الامهات، وخيانات الاحلام التي كان يراها مثل مقابر قديمة تمتد من اوروك حتى شرق البصرة، الارض التي نطأها هي مزارع احلامنا، لكننا نتعمد نبشها بعنف علنا نحصل على جذر حلم حي، تلك الفكرة، قادته الى ومض وجده الاصلح، والادق تعبيراً، والاكثر تأثيراً في نفوس متلقيه، تلك هي ومضات الهايكو، قدمها داخل اطر اشتغالية، مختلفة عن تلك التي شاعت، في سنوات الدهر الاخيرة، ظل يقدم عذابات انسانيته، ومخاوف روحه، وتلك العزلة التي تمسكت باذياله دون ان تتركه ولو لهنيهة وقت، تتمحور صوره على مشهدية حركية واحدة، لاغير، وان حاول جمعها مع حركة اخرى، ضعفت، وبدت وكأنها ماء مسكوب عن عمد، نص الهايكو، او ومضته التي تأخذ من القصة القصيرة جداً، انفعالاتها النفسية، وهدوء ثيمها، التي تعطي انطباعاً معرفياً قاسياً، تلتزم السعة البنائية، مع ثيمة بدلالات رمزية خاصة، تصل الى اللحظة التنويرية المراد ايصالها، نجح عبد الحسين فرج، في صناعته هذه، لكنه ظل يحن الى الانثبال الشعري، وخاصة ذاك الذي يدفع به الى الانتماء الاديلوجي غير المتعصب، نجده منحازاً لعراقيته بشكل دقيق، وعالي ، مثلما نجده راغباً في مد جسور ادلجته الى حيث العموم الانساني، ولكنه لم يقدر على الخلاص مثلما فعل مع الهايكو، ظل تابعاً بطيء التجديد لروح القصيدة السيابية، وعنف القصيدة الثمانينية المتمردة على كل الارث الشعري السابق لها، وجنون الجيل السبعيني الذي فتح الابواب على مصاريعها، ليقدم قراءات شعرية مغايرة لواقعنا الملتبس منذ ذاك الوقت ، حتى اللحظة، البس الشعراء نصوصهم لامات الحرب، بين ممجد، ورافض، بين محرض، ومنشد، تلك المحنة دفعت بالكثير الى الابتعاد، وتأمل الدروب التي تحمل الاشتغالات ، والى اين تصل بها، تمتاز نصوص عبد الحسين فرج، بأختلاف صوري، قد لا يرضي المتلقي ، لحدته، وقسوة ثيمه، وابتعاد مرموزاته عن المألوف، يأخذ من انهزامات الروح الجمعية ليعيد صياغتها، وبناءاتها، ويرسم طرق التلقي، غير راغب بمنح متلقيه فرصة للراحة، والهدوء النفسي، تعمل قصائده على تعزيز السؤال الانساني المأخوذ قسراً من الخاص الى العام، المصاغ بمعرفية الخاص وحدود توجهاته المراد ايصالها، وقد انعكس هذا حتى على نصوص الهايكو.. او الومضة كما يسميها البعض، ثمة انطلاقة مسرعة تنبثق ثم تنطفيء تاركة في روح متلقيها اثراً من الصعب نسيانه او تجاوزه، سيظل وشماً، حتى وان لم يك واضحاً، لكنه يشبه وغزة ضمير، كلما جيء بصورة، استدعته الذاكرة الاطمارية، لتقارن، وتوضح، وتنحاز، وتمنتمي، بطء عبد الحسين فرج المرضي، الذي جعله قعيد العزلة، هو الذي منع النقدية العراقية، المتكاسلة في البحث من الانتباه الى تجربته المهمة، والراسخة، برغم عزلته نراه مثل نهر متدفق، يملأ ارواحنا بالصراخ من خلال ما يقدمه كزاد يومي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عزلته جعلته يعيد ترتيب حكاياته، وقهر ايامه الخوالي، ويمزج بين الاشياء والمكونات بخليط كيمياوي حروفي ، فيه من الاختلاف الكثير، عبد الحسين فرج، القاعد على مصاطب الانتظار يحتاج الى انتباهات نقدية ودراسات توثق ما وصل اليه من فهم للشعر ومحنته!!