كلمة الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق، التي ألقاها الناطق الإعلامي للاتحاد، الشاعر عمر السراي،

  • 3-03-2019, 13:59
  • نشاطات ثقافية
  • 1 100 مشاهدة

 في الجلسة التي أقامها الحزب الشيوعي العراقي احتفاءً بالشاعر المبدع يحيى السماوي، وبمنجزه الثقافي، ظهر السبت ١٦ شباط ٢٠١٩ من وحي طفله السومريِّ... العزيزات.. الأعزاء.. طاب يومكم بالخير والجمال.. نحبُّ من الناس ما يوائم ذواتنا، لا شكَّ، فنحنُ البشرَ الضعفاءَ لا نخرج من غابات أنفسنا لنراها كلَّها، بل نكتفي بشجرة واحدة دائما. لذلك لا ضير في أن تضيق رؤانا؛ فمحدودةٌ أبصارُنا ما تعالينا، ومكمومةٌ أفواهُنا ما تحدّثت. فاسمحوا لي وأنا أمثّل في هذه الكلمات أسمى اتحاد، لأدّعي الكلام عن قامة عريقة اسمها يحيى السماوي، بأن أكون ذاتياً منشغلاً بشجرة واحدة من غاباته الوسيعة. فقد رأيتُه صورةً يحتضن ابنته، التي نصَّبها أماً وأباً له، فتلمّستُ الشعرَ الجليلَ الكبير الذي نعجزُ عن الإتيان به، فالموقف أكثرُ خيالاً من كل الكلمات. ورأيتهُ مغنّياً، ينشدُ بصوتٍ مهندم القوام تضاريسَ من وجعٍ سيّابيٍّ سومري، ليثبتَ أن بإمكان حنجرةٍ واحدةٍ أن تعيش ستة آلاف سنة، وإلا كيف نفسرُ للعالم تكسرات صوت داخل حسن، وتهجّدات إلقاء يحيى السماوي، سوى أنهما ورثا تجاعيد الطين الأول الذي كتبت عليه ملامح الخلق. ورأيتُه دمعةً تحملُ كلَّ معاني الرجولة، فالرجالُ الباكون على أوطانهم طبعةٌ فريدةٌ ومزيدةٌ ومنقّحة. ومن وحي كل ما رأيت.. أجدني كتاباً مقدّساً أصرخُ بالمشككين (أ تطالبون بمعجزة؟!) هذه معجزةٌ صنعها الحزنُ المتلاطمُ كجرارِ فخّارٍ في عربةٍ نائحة. أفكّرُ، ب (ماذا أقولُ؟)، وما أكتبُ عن السماوي؟، وكلما رصفتُ حرفاً طاش مني، ليجوبَ بكاءَ الأمهات، وعِصِيَّ الشيوخ التي تحفّر الأرضَ بحثاً عن أبنائها المفقودين، ومدنَ الخرابِ، ولوعةَ أثرين لمعذَّبين في نقرة سجن بعيد، ووصيةَ محتضَرٍ أصرَّ على عدم إعطاء البراءة، وانكسارَ فقير أمام لقمةٍ يبصقها متكرشٌ ويتمناها فقير. تطيش الكلمات، وكيف لا، فهي في رحابِ شاعرها الذي (يحيا) ل (تحيا). فيا أيها الشاعرُ الذي أخذ الكتابَ بقوّة، لم تكُ أنتَ المحتزَّ في جذع شجرةٍ، كنتَ الهواءَ الذي يغذّينا بأن نظلَّ شباباً ما زحف إلينا الشيب. أيُّها الشاعرُ.. أغبطكَ فأنت تمتلك أماً وأباً في سبعينك المورقة، فمن لنا نحن الثلاثينيين اليتامى؟ أيها الشاعر الذي نحبه كما يحبه كل من سمعه أو التقاه أو قرأ له... أيها الوطن المغادر والمسافر فينا.. عراقك الذي تراه على وجه أحبائك الأدباء ينتظرك دائما ليعيش معك وفيك.. عراقك الذي يعنيك ويعنينا يتفاعل مع كل قطرة أسى تضمنتها قصائدُك.. فباسمك، وباسم اتحادك، وباسم المتبقّي من البلاد، نرفع أعتى الاحتجاج بوجه مسؤولين يتبجّحون باسم الثقافة، ولم يكلفوا أنفسهم عناء أن يسألوا عن رموزهم الثقافية، وقاماتهم الأدبية. باسمك واسم شعرك نفتح بوابة الأمل بالخلاص منهم، هؤلاء الراكضين نحو السفر والمتع والتجاهل، مبذّرين لا باذرين، ومصرّين على اعتبار المناصب فيئا لهم ولأهليهم. أيها السماوي الباسق في وجنات نخل أهلك حين (تطرّه سمره)، يا مانح المواقف ذروتها تمرةً اثر تمرة... وجودك لقاءٌ لن يُرجأ، ومن وحي كتاباتك سنصنع الوطن المستحيل رغما عن أنوفهم الجاهلة. الآن فقط، عرفتُ ما عناهُ الكبير مظفر النوّاب حين قال: (يجي يوم الناس تنزل بالسماوة، وآنه أنزل بالوطن كله واضيع)، كان يعنيكَ فأنت الناس، فاسمح لنا أن ننزلَ في حضن وطنك، وفي حضن دمعة تداريها، لنضيعَ، علَّنا في ضياعنا نرشدهم إلى سبيل الحياة. أمانةً.. أني أحبكَ، والمحبُّ عاجزٌ عن صياغة النهايات، لذا أرجوكَ ابتدئ أنتَ من حيثُ لا نجيدُ الختام. والسلام السلام السلام السلام على صوتكَ الحرِّ أبهى السلام.