مناجاة / محمد رسن

  • 8-09-2021, 17:18
  • قصة قصيرة
  • 1 519 مشاهدة

 

أسالك يا صديقي هل جرّبت يوماً أن تكون على منحنى لحظة تتقد بأحلام مستحيلة في لجّة عتمٍ تزدهر بالمآسي وفي داخلك مجاعة للحزن؟ عندما تفتح عينيك لا ترى غير الظلمة وتطلق لسانك فلا يتكلم بغير الأسى حين تغزوك المحنة، وأنت في لبّ المحنة تنظر من حولك فتجد لسان الإنسانية منقطعاُ وعيون البشر ناشفة وثغورها كأنها تنوح على أيامي وتترنّم بضعفي وهي تراني ضائعاً في مسالك الحياة، تملأ صدري الأوجاعُ وتنسج الحيرةُ بأصابع الالتباس حول قلبي.. أسالك يا صديقي، هل تعرف ذلك الشاب الحسّاس الذي يشعر كثيراً ويعرف قليلاً؟ ذلك الذي يجد الحياة حبساً وضِيقاً، وذلك هو الذي يسرّ قلبَك بقاؤه وتطيب نفسُك بمعرفته، هذا هو أنا. أنا الذي خرجت أنتِ إليه فكرة صافية كبحيرة بين الجبال كي تنتشلين تنهّدات قلبي الموجوع وتعلميه أنشودة ابتدعها الفرحُ في طرق عبّدت بالمحبة الصافية بين صديقين. كان ذلك بعدما اقتنعت أن الإنسان أسير مقيّد المادة التي يتخذها ديناً ويتقيها رباً، هذه الفكرة التي تجعلني مقيدا إزاء الحواجز بين نفسي الظمآنة والروح الجميلة المستقرة في جنبات من حولي، وأوّل من هو أنتِ إذ علمتني أن المال كالحب يميت من يبخل به ويحيي واهبه، وأن الجمال لا يكمن في إمعان النظر إلى المال بل بالقدرة على إعطائه من دون انتظار للمكافأة، ذلك أن ما نعطيه يكمن ويحيا في ذواتنا فنفخر به، ونجعله إكليلاً يزيّن سخاء الحياة. أنا أعلم أنك عندما تعطين يملؤك الفرح وتجتاحك الغبطة، فأنتِ زنبقة بيضاء أو زهرة ليّنةٌ عبِقةٌ لا هم لها سوى بثّ العطر في الوادي أو زهرة ترتعش أمام النسيم وتفتح قلبها لاحتضان الشمس وتضم أحجياتها لخيالات المساء. فأنتِ ليست كمن لديهم سجلات لما لا يحصى لديهم من توافه يعدونها أعمالاً جساما ولا من يقيسون أنعامهم بالموازين، فأنتِ صديقتي، ما أبهاك وما أجملك.