بقية ذاكرة - فاضل الفتلاوي

  • 29-11-2020, 09:01
  • قصة قصيرة
  • 976 مشاهدة

بلد ادمن الحروب وذات صباح شتوي بارد على غير العادة  كنت اعبر الجسر الحديدي المحاذي لمستشفى البصرة التعليمي مع جنود مثلي حينها كانت حرب السنوات الثمانية في أوج سعيرها وعزرائيل في قمة نشاطه ،كان عبور الجسر في تلكم الأيام  مجازفة غير محسوبة العواقب حيث قنابل المدفعية والراجمات وكل سلاح حربي ذو سبطانة طويلة تمر من فوق رؤوسنا وهي تصفر صفيرا ينذر بالرحيل الى عالم غامض وبعضها قد ينفجر  في الجو حيث الرؤوس عارية إلا من غطاء راس من القماش لايقي من بعوضة ،هذا مايسميه العسكر بالانفلاق الجوي، وبعضها يواصل سيره حثيثا حيث الاحياء السكنية الآمنة ،  الجسر الحديدي الذي تحمل قوائمه الضخمة قطع خشب كتلك التي يستخدمونها في حمل قضبان السكك الحديد ، لايتعدى طوله الثلاثمائةمتر ويستحيل عند الخوف والترقب الى كيلومترات عديدة، عند العبور تشاهد أعمدة الدخان تتصاعد بكثافة من نوافذ المستشفى، تنسل كافاعي انكوندا سوداء عملاقة نحو السماء المغبرة، لاشيئ يلوح على امتداد البصر سوى اشجار عملاقة هرمة ترقد على ضفاف النهر وقد نالت الشظايا من أجسادها واخرى تكتم فجيعتها بين جنود اوقدوا جذوعها لينالوا دفئا على حساب ذكريات خطت منذ عقود لعشاق وسياح ومراهقين،  حثثنا الخطى نحو الجانب الآخر من النهر الذي هو الآخر قد طالته الحرائق ، توقفنا قرب كنيسة تحترق ويبدو ان الحرائق قد أدمنت  عليها فهي التي احترقت في يوم ما في سبعينيات القرن الماضي عندما اكتشفت الحكومة انذاك شبكة تجسس تعمل لصالح دولة معادية كما فسروا الامر وقتها، عند وصولنا الى الباب الكبير المزين بالصلبان وصور العذراء والمسيح كان هناك قسا شابا يستحث المرور للمشاركة في إطفاء الحريق، دخلنا على وجه السرعة يالله ماهذا الخراب،  مكتبة الكنيسة طالتها النيران وامهات الكتب تتلاشى، ركضت لاالوي على شيئ،  ملئت جردل ماء من حوض قريب ورحت ارش الماء حتى وصلت سيارة إطفاء انتزعت خرطومها بالقوة وماهي إلا لحظات حتى انطفئت ، رحت ابحث بين الركام، ياالهي ماهذا الكنز، هنا امهات الكتب،  هذا اليكس هيلي وروايته الجذور وهذه رائعة ميشيل دي سيرفاس دون كيشوت وهناك جريمة وعقاب دوستوفيسكي وهذه أجزاء  قصة الحضارة ل ويورانت، انساني ذهولي كل شيئ من حولي عدا هذا الكنز المحتضر ، كان القس يربت على ظهري مبديا امتنانه واخبرني بسروره إن اخذت مااشاء من المؤلفات، اكتفيت بالاربعة ولازالت الى اليوم تزين رفوف مكتبتي كأروع ذكرى مرت علي ذات حرب...