لماذا نكتب عن بغداد - رفعت مرهون الصفار

  • 12-11-2020, 23:31
  • ذاكرة
  • 972 مشاهدة

لماذا نكتب عن بغداد ؟؟
بينما كنت منهمكا في مقهى الشابندر التراثي اطرق ابواب ذاكرتي علها تسعفني ببعض الذكريات الجميلة المفعمه بعمق حواري بغداد وشوارعها التي الهمت شعراء وكتاب تغنوا بها سنين طويلة .. واذا بنقرة سلام خفيفة على كتفي .. وما ان نظرت خلفي حتى وجدت احد اصدقائي القدامى مبتسما قائلا (بعدك ضايع بمحلات بغداد وتراثها ؟؟ ماذا تستفيد منها ؟؟ الم يكن الاولى بك ان تكتب اشياء مفيدة) طلبت منه الجلوس لشرب الشاي بعدها قلت له كل انسان مطبوع على محبة وتقديس التربة التي انجبته ونشأ في احضانها مترعرعا بين ملاعب الطفولة ومدارج الصبا والشباب مودعا ايامها فكم يحلو للأنسان ان يظل يتحدث مع توالي الايام عن تلك التربة الطيبة بالوطن كله او جزء منه مدينة ، قرية، منطقة ، محلة ، أو بقعة ضغيرة كألبيت الذي ولد فيه ... لأن الحديث عن تلك التربة هو الحديث ذاته عن  الذكريات فكلاهما التربة والذكريات تتعاظمان وتخلدان مع الايام ولذلك صح ان يكون هذا المبدأ النبيل موضعا لأهتمام المواطنين ورعايتهم  و بالنسبة لتربة الوطن هنا أو هناك وفي كل زمان ومكان ويبدو لمن يكتب بالتراث ان الامر هو اروع وامتع بل ابعد مدى من محاولة للتذكر بالسرد وادارة الحديث انه توثيق الصله الحاضر بالماضي وتطلع الى المستقبل أنه حوار مشروع مع النفس والاهل والجيران للاستذكار الذي تؤدي حلقاته المتصله ومراحله الزمانية والمكانية المتواصلة الى تخليد المدينة وتثبيت تاريخها بما له وعليه لكي تقرأه ألاجيال الحالية الشابة التي لاتعرف شيئا  الا القليل من المدينة التي انجبت اباءهم واجدادهم
 وعن تقلب ظروفهم وطرائق معيشتهم  وأنماط  تعاملهم و سلوكياتهم مع بعضهم البعض ومع الأخرين ثم تقرأه في المستقبل الاجيال  الأتية كتابا ممتعا موثقا وألا فأن اهمال هذا الاستذكار ثم اغفال التدوين سيجعلان اولادنا اليوم وابناءهم غدا واحفادهم القريب والبعيد في حالة موءسفة من التجريد والضياع والانقطاع والنسيان
 وطمس الحقائق من ذاكرة التاريخ وهدر مفرداتها في قياس الزمن وما اجمل وافضل ان يتحدث البغداديون ويدونوا حياة الفرد البغدادي العريق الاصيل كما عاشه على الطبيعة بلا تزويق او تنميق بفضائله وشمائله وانماط حياته ودروبه التي يسلكها متنقلا عبر محلات بغداد وحاراتها بين موقع عمله تاجرا ، كاسبا ، صانعا ، موظفا ، تلميذا وبين دار  سكناه مجرد من الغلو والمبالغة واضحة في طبيعتها خالية من الرتوش والاضافات ثم ليطيل الحديث ممتعا عن الحياة التي عاشتها دار السلام بين الافراح والاتراح ثم ان الكتابة عن المحلات القديمة هي المدخل لتاصيل الاحساس بحب الوطن ...  الا يكون حب الانسان لوطنه منطلقا من حبه لمحلته ؟؟اليست المحلة مبعث الذكريات وينبوع الحياة الاولى ؟؟
ولي اسوة بأساتذتنا الكبار (طه حسين ) في ايامه و(نجيب محفوظ )في ثلاثيته زقاق المدق واولاد حارتنا و (جعفر الخليلي في اولاد الخليلي ) و(احسان عبد القدوس ) في بيتنا رجل وغيرهم كثيرون وان كنت لااطالهم في المستوى الادبي فلست دونهم في الحنين الى الماضي واستذكار ايامه الحلوة والشوق الى تلك الايام ...
لذا يجب ان لا ننسى الماضي ونتجاهله لان الذي ينسى ماضيه  يفقد حاضره ولن يسترشد في مستقبله وان جذور الانسان هي التي تدعم كيانه وتحافظ على تماسكه واستمراره وان الماضي رجال واثار رجال خلدوا ذكرا جميلا  واثرا نافعا فيهما عبرة  وموعظة وذكرى لذوي البصائر المعاصرين
ورحم الله الشريف الرضي حين قال
فاتني ان ارى الديار بطرفي
فلعلي ارى الديار بسمعي
وهنا استأذن صاحبي باالانصراف وهو يردد فاتني ان ارى الديار