الأبيض وجهاً وشِعراً..

  • 5-10-2020, 23:42
  • مقالات
  • 1 461 مشاهدة

لا تعجبي ؛ ساعتي رقاصها ذكرٌ

هل في ذكورة رقاصين من عجبِ !!

كل الألوان مادتها الصبغ إلا الأبيض فجوهره السريرة ؛ والبياض زجاج ، منه ترى الشكل الخارجي فتطمئن الى الجوهر المكنون ؛ ولأنه زجاج فهو فاضحٌ جارح ، وكاشفٌ ناصع ؛ فإذا التاث الجوهر انكسر البياض وتلون ، وتشظت منه الألوان ، فاحمرار الوجه هو انكسار الزجاج / البياض ، ليكشف لنا انكسار المضمر وتشظي ألوانه ، فيحمر الوجه خجلاً ، ويبرد لونه التباساً وارتباكاً ، بل حتى خوفا ؛ ويقال:( وجهك مخطوف) سؤالاً عما وراء ذلك .

واعتادت العرب أن تخاطب المسميات بأعز أجزائها وفي قوله تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) دليل واضح على أن الوجه حامل رسالة كل البياض الداخلي ؛ فأبيض الوجه ليس وجهه أبيض فقط ، انما كل ما فيه ولديه أبيض ناصع .

والبيت الذي افتتحت مقالي به ، هو للشاعر الكبير كاظم الحجاج ، شاعر بصري ، من البصرة ، وعراقي لأنه من أحد العراقين الذين ذكرهما أبو الطيب المتنبي في بيته الشهير:

( وغير كثيرٍ أن يزورك راجلٌ

فيرجع ملكاً للعراقين واليا)

والعراقان في بيت المتنبي هما الكوفة والبصرة ، المدرستان الحارستان للغة العربية ، وهما مرجع كل من يضطرب لديه النحو .

يعد كاظم الحجاج واحداً من أعمدة الشعر العربي المعاصر ؛ ولقد وفقني الله أن أكون أحد منظمي فعالية "بيض الوجوه" مع الصديق يوسف المحمداوي ، وكنا نعني ببيض الوجوه الأدباء الذين خرجوا من مرحلة النظام الساقط بكامل بياضهم وصفاء زجاج مراياهم ؛ وكان من دواعي سروري وفخري أن أقدم الشاعر الكبير كاظم الحجاج شاعرا ناصع البياض .

كان ذلك أول لقاء بيني وبين صاحب الجمل الشعرية القصيرة المكتظة شعرا ؛ فلقد كنت أحفظ له من بين هذه الجمل قوله : ( في بيتي الآن امرأة .. سلمت عليها ، فتزوجنا) وكنت قد سمعتها من التلفزيون وهو يلقي قصيدته في أحد المهرجانات .

لكنه وبكل هذا الثقل فاجأني بإهداء ديوانه لي ، كاتباً بخط يده : الى حسين القاصد .. دمت ساتراً أمامياً لنا نحن الضعفاء . دام بياضك الناصع أيها العراقي الأكيد . شكرا لبياضك كاظم الحجاج .