الحكّاء العراقي حنون مجيد

  • 21-08-2020, 14:16
  • نقد
  • 1 138 مشاهدة


القصة أو الرواية تعتمد الصيرورة والامتداد اللامحدود و تستغور اللحظات وأن بعدت ؛ وتستقصى التوصيف وتلاحق الحدث - تتنامى كينوناتها وفق ثيماتها السردية وهى تتمدد ضمن زمن ومكان معينين ، - وأحيانا تتجه للعالم الافتراضي تنهل منه توثيقا وتعزيزا لهدفها المرجو.

أما القصة القصيرة جدا أو ما يعرف اختصارا ( ق ق ج ) أو الومضة  فأنها من نسيج خاص كونها تتحصن بالتكثيف والاختزال والمفارقة وتلوذ بالبلاغة والاضمار والمجاز  

- لذا هى بارقة خاطفة وعلى رأى البلاغيين القدامى :

(تجّوع اللفظ وتشبع المعنى )

- أخترت خمسة قصص قصيرة من مجموعة ( السّلم ) للقاص حنون مجيد لكونها تتمتع بالكثافة  وتفي بالمعنى بأقل الكلمات :

1. (أبحث في اوراق قديمة لعلني اجد فيها شيئا ؟ اجد قصة قصيرة جدا كتبتها قبل عشر سنوات ونسيتها ؛ أفرح واقول : حتى وانت تبحث في التراب تجد خرزة ما )

2. ( يفكر -- ربما من اسباب عشق النساء له : لون عينيه ؛ طوله ؛ جمال انفه اناقته وجمال ملبسه ؛ ولربما ثقافته وحفظه الشعر -- ربما -- ربما ولربما ما يتوسمونه فيه وهو ليس فيه – ربما )

3. ( يفرح السّلم حينما يحس وقع اقدام مترفة جديدة ترتقيه ؛ ويسمع مثل كل مرة لفح لهفة عارمه تنتظر فى اعلاه )

4. ( العقدة : كانت معي منذ ثلاثين او اربعين فأن حاولت ان احلها التّفت على عنقي )

5. ( المؤذن : ارتفع صوت المؤذن ينادى على صلاة الظهر في المطار ؛ الطائرات العملاقة تغير وتحط والمسافرون غادون ورائحون - - والرجل لا يكف يؤذن للصلاة )

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - -- - - - - - - - - - - - - - - - - -

لا تتقبل القصة القصيرة جدا : الحذف و الاستزادة ولا للاسترجاع ؛ فحين تختمر في ذهن وخيال ساردها تدون لأنها بنت لحظتها

- تمثل اللحظة الانية المعاشة كما عين الكامرة تلتقط السار والضار

وهى مقدار جمالي وليس كميا  !

 ومن العارفين والسابرين (كنه) اللعبة صديقنا حنون مجيد حيث مكنته خبرته الطويلة  وتقادم السنين على كتابة عشر قصص أو تزيد في صفحة واحدة -

- ومن معالم القصيرة جدا انها بلا بدايات ( مدخل ) وهى راكضة للنهاية دائما ورغم سرعتها لا تخلو من العمق والثراء وتميل للإيماء بدل التصريح ولكنها تتميز بالقفلة اللافتة

- والقفلة شبيهة من قريب او بعيد ( بالخرجة ) في  شعر الموشحات الاندلسية .

وهنا لابد من التساؤل : أتعتبر الومضة أو-- ق ق ج -- ارتدادا أو ثورة على القصة و الرواية ؟

- والجواب : لم يكن هناك متسع للانتظار اياما وليالي لإكمال رواية او قصة صفحاتها بالمئات  !  فهذا النوع الأدبي يفي بالطلب بثوانٍ لا غير

وهل حقا صانعوا هذا النمط السردي متمسكون بالبلاغة والمجاز ؟ أذا كانت كذلك كيف حوت متونها الشذرية والشعرية  و :

المفارقة - الظرافة - خفة الدم - الايقاع - التهكم وعمق المعنى بأقل الجرعات السردية ورأس مالها  لا يتعدى - - الكلمة دون الجملة ؟

- حقا أنها فن بديع

- فالصيرورة السردية وممكناتها في قصص الومضة ما هي الا صور ولقطات  ورغم قصرها المتناهي  فهي جزئيات \ دوال \علامات \ رموز \ شفرات

 فالنصوص أما تكون منحازة أو محايدة فتنظير اليوم يعتمد الثنائية وربما أمسى من مميزات العصر وهذا ما اكدته مدارس النقد الحديثة -

- هايدجر : يصف القصص القصيرة جدا بانها تثير في المتلقي الاحساس بالكينونة  من خلال الزمان والمكان فالأحداث لا يمكن ان تنهض  وتنمو دون فضاء يحتضنهما

- أرى في مدونات مجيد سمة -- الاختزال قوية  -- حيث يفضى للانسجام والتناغم  لهذا  تظهر ممكنات السرد موثوقة   حيث تجعل  المتلقي  يعيش في عالم حقيقي متفاعلا بدفأ مع ما يقرأ

القصص القصيرة لا تعتمد الزينة والتجميل  والزخرفة ولكنها تزج القارئ النابه بالفضاء القصصي  وتقنعه  بأن الخيال يمكن ان يمسى واقعاً اذا كان متعقلاً

أما في قصة المنعطف

* - - - - - - - - -

- - يضعنا السارد امام دلالات مفتوحة وعلى افق جم من الرموز والتاباوات  والشفرات بغية الوصول الى معنى (*) والقصة تستمد ثيمتها من واقعية حلمية وتركز على فترة زمنية عصيبة مرت على واقعنا المأزوم ؟ فالسائق ومساعده يهيمنان على العربة والمتن سواء بسواء يبغيان الوصول الى ( سرمارا) وهو الحلم المنشود ؛ فالزمن هنا متعدد ومتعرج خوفا من الرقيب ؟ لكونها انتجت قبل 4 \ 9

فى نصوص حنون مجيد يشعر المتلقي -- الذكي -- بالتحليق وتعتريه الدهشة وكأنه يسبح بالفضاء خفيفا لسببين:

-1 معظم النصوص مزادنة بالشعرية المحببة ذات الوقع الخفيف معنى ومبنى -2- قصر النص وثرائه المعنوي  واللفظي يوحى للقارئ بعدم الاجهاد الفكري الا ما ندر

فالقصة القصيرة موهبة وادراك عميق للمعنى المتواري خصوصا اذا تمكن فارسها من ضبط ادواته ومستلزماته ورؤاه الكتابية

- ورغم قصرها فأنها تشى بالمسكوت عنه واول من اشتهر بها عالميا ناتولى ساروت فى كتابها (انفعالات) ومن أوائل العرب الذين أجادوا هذه الصنعة محمود شقير الفلسطيني الذى ترأس الجامعة العربية ! وزكريا تامر ومحمود عيتاني وفى العراق ظهرت كوكبة مميزة مارست هذا النوع من القص

- وانى لأعجب من الذى يستسهل هذا الضرب الأدبي ويقلل شأنه جزافا ولا يعلم انه صعب المرام لا يرتقيه الا المتمكنون.

*    *    *