معركة البقاء على هيئة إنسان

  • اليوم, 01:19
  • شعر
  • 14 مشاهدة


معركة البقاء على هيئة إنسان 


في هذا العالم المتحول حيث تتبدل الأخلاق كما تتبدل الفصول وحيث يعلو صوت المصالح على صوت المبادئ لم يعد من السهل أن تبقى إنسانًا ، لا نتحدث عن الشكل فكلنا نرتدي هيئة البشر لكن القليل فقط هم من احتفظوا بملامح الروح وملمس القلب وصفاء النية ، أن تبقى على هيئة إنسان يعني أن تخوض كل يوم معركة غير مرئية لا بينك وبين الآخرين إنما بينك وبين هذا العالم الذي يحاول انتزاعك من ذاتك ، اليوم نعيش زمنا سريعا متقلبا مملوءً بالصخب ، يقاس فيه النجاح بالظهور والكرامة بالمنصب والحب بعدد الرسائل لا عمقها ، في زمن كهذا تصبح الطيبة عبء والنقاء سذاجة والصدق تهور أما المشاعر فإما تتاجر بها أو تكبت في دهاليز النفس حتى تختنق ، ان تبقى إنسانًا يعني أن تختار الصبر بدل الغضب والنقاء بدل الانتقام والصدق بدل المواربة حتى لو خسرت في كل مرة، ان تكون مختلفا في عالم يصر على أن يشكلك بقوالب جاهزة  أن تُشبه نفسك لا ما يطلبه السوق ولا ما يفرضه التيار ولا ما يصفق له الجمهور .

معركة البقاء على هيئة إنسان لا تخاض في الساحات وانما في الداخل ، في داخلك حيث تمضي الليالي تناقش نفسك بصمت هل أخطأت حين سامحت؟ هل كنت ضعيفا حين أشفقت؟ هل كنت وحيدًا لأنني لم أتخلَ عن قلبي؟

هي معركة فيها تنهزم أمام دمعة طفل أو تنهار بصمت أمام قسوة لا تفسير لها ثم تعود وتلملم إنسانيتك كمن يُعيد بناء بيت صغير وسط إعصار ، انتَ مطالب بأن تكون قويا دون  قسوة  أن تكون واعيًا دون مكر  ان تكون واقعيًا دون أن تفقد حلمك ، أن تُدرك أن النقاء لا يُكافأ دائمًا ولكنك تحتفظ به لأنك لا تعرف غيره .

وفي وسط كل هذا هناك من اختار أن يبقى إنسانًا كما وُلد هشًا وحساسًا وصادقًا ونقيا لا يعرف كيف يخفي وجهه الحقيقي لكن هذا الخيار ليس سهلاً ، هو خيار المقاومة اليومية أن تفتح قلبك رغم كل ما تكسر ان تتحدث بلطف في عالم يتكلم بالصراخ ان تساعد وأنت لا تملك وتبتسم وأنت تئنّ وتغفر لأنك لا تطيق حمل الكراهية .

أن تكون إنسانًا يعني أن تعيش مكشوفًا أمام السكاكين وان ترفض أن تصبح مثلهم وان تختار الطريق الأصعب وتظل تمشي عليه وحدك  لأنك تؤمن أن الإنسان الحقيقي لا يقاس بعدد خطواته  وانما بسلامة قلبه في نهاية الطريق

كم مرة خذلوك لأنك صدقت؟

كم مرة أداروا لك الظهر لأنك لم تكن نسخة مكررة؟

كم مرة شعرت أن الطيبة تؤلم؟

ورغم كل ذلك نهضت وقلت لا بأس المهم أنني لم أتحول إلى ما أكره وهنا تحديدًا تبدأ بطولة لا ترى ، لا يصفق لها أحد لا تدون في السجلات لكنها محفوظة في مكان واحد داخلك.

لستَ وحدك هناك كثيرون مثلك لا يظهرون كثيرًا لا يُثيرون الضجيج لكنهم يخوضون معركتهم النبيلة في صمت ، هؤلاء هم من يضيئون هذا العالم رغم كل العتمة لا بالكلمات بل بالسلوك لا بالشعارات بل بالمواقف.

 وتذكر  في عالم يحاول أن يجعلك قاسيًا تذكر أن الطيبة أيضاً شجاعة .. 


أزهار الأنصاري /  العراق