هي لبابة سرد بكامل وعيه وتاريخيته، تبدأ منذ بدايات الخليقة البابلية عبر مدونات ورقائم وألواح وحوارات ومونولوجات مفتاحها سر والسر كامن في السرد ، وهو سرد يتنامى ويتداخل مع بعضه البعض وصولا الى الثيمة الرئيسية، الانتهاك وتلوث القيم واضمحلال الأفكار وتغير المسارات، ثمة آلهة وثمة الكثير من الرهبان والسماسرة الذين تموضعوا في خنادقهم محاولين السيطرة على الإنسان وعقله وروحه، من هنا أستطيع أن أقول أن كاتب هذه الرواية (شوقي كريم حسن) سارد ماهر يعرف من أين يأكل كتف الحكاية ولحمة الرواية ليؤسطر وقائعها، رقائمه حاضرة بامتياز تذكرنا بأحداث نعيشها كل يوم، يختبئ خلف مدن وأسماء وأساطير لكنه كعهده دائما ومنذ تأسيس ايشان البكارة السردية الأولى في المجموعة المشتركة (أصوات عالية) ومرورا ب(جماعة تضاد) يؤسس عهدا جديدا للحكاية العراقية ويقلب المصطلحات مضيفا لها أسماء أخرى قادمة من عمق وعيه السردي قبل وعيه الحضاري، فهناك ديموزي والحبيبة عشتار وحكايات العالم السفلي وعوالم الأموات والاحتجاز والسجون وانبعاث الحياة ثانية ، والسؤال الذي أطرحه هنا هل هي عوالمنا نحن أولئك الذين نبعنا من تلك الأرض؟ لقد وصل شوقي في هذه الرواية الى لب الحكاية ولب الإنسان وعقله وفتح صحائف التاريخ شاطبا على كل ما دونه السابقون ومضيفا تاريخا آخر يحمل الحقائق المريرة للوطن المطوق بالقتلة واللصوص، لقد وظف شوقي كريم مهاراته الأخرى في المسرح والدراما التلفازية والإذاعية فضلا عن تجربته الثرة في القصة القصيرة والمرائي التضادية التي تحولت في لاوعيه الى ارث سردي كبير أعانه كثيرا في بناء ملحمته الأخيرة اللبابة السردية الكبرى، وكان كما عهدناه دائما يستنطق الواقع عبر سرد وقائع التاريخ ويضعنا في قلب المحنة بدم بارد، راسما في الوقت نفسه أجواءه ومناخاته ابتداءً من قيعان المدن وأناسها المنتهكين الذين حصرهم المؤلف في الخوشية والشروكية والهتلية وهي عناوين رواياته السابقة التي دون فيها تاريخ عوائل الجنوب العراقي النازح هربا من الجوع والخوف والمطاردة، وهذا كله يقودنا الى رؤيته الجديدة حين ينقلنا من قاع المدن وفسادها الى قاع الآلهة وفساد الكهان الذين يسرقون قوت الناس وحيواتهم كل يوم، لذلك سيكون في النتيجة السرد الروائي بديلا عن التواريخ الزائفة وهذا ما حصل ويحصل حيث نتعرف على تواريخنا المكتوبة بالدم ونأخذها بديلا عما كتبه تنابلة السلاطين والحكام.. ان (لبابة السر) هي صفحة جديدة لإعادة صياغة وقائع الحياة العراقية بصورة مؤسطرة مليئة بالمعرفة والفن والجمال ...