حائك الكلام قبالة {الراوي}

  • 13-07-2020, 23:18
  • صحافة ثقافية
  • 1 069 مشاهدة

{ 21/5/2017 12:00 صباحا د.ثائر العذاري حفل (مؤتمر السرد الثاني)، الذي نظمه الاتحاد العام للأدباء والكتاب بالتعاون مع وزارة الثقافة في بغداد يومي 5 و2017/6، بالكثير من الأطروحات التي تقترح مقاربات جديدة لدراسة الرواية والقصة، كان منها ما اقترحه الأستاذ (ياسين النصير) حين أشار إلى أن هناك مصطلحا استعمله (ابن عبد ربه الأندلسي) في كتابه (العقد الفريد) يبدو أنه أنسب من مصطلح (الراوي)، ذلك هو (حائك الكلام). وبعد أن انفضت الجلسة البحثية حدث أن جالست الأستاذ (النصير) جلسة أشبه ما تكون بعملية عصف ذهني، تبين فيها أن مصطلح (حائك الكلام) يتيح إمكانات مهمة وزوايا نظر جديدة في دراسة تمظهرات الراوي. بحثت عن المصطلح في (العقد الفريد) ووقعت عليه، فقد ورد في خبر مروي عن (عمرو بن مسعدة) وزير المعتصم موجزه أن (ابن مسعدة) كان عائدا من بغداد إلى سامراء، مستقلا قاربا عبر نهر دجلة، وفي الطريق تناهى إلى سمعه صوت رجل ينادي: يا ملاح .. رجل منقطع، فأمر الملاح أن يجنح إلى الشاطئ وأركبه معه. ولتزجية الوقت سأله عن صنعته فأنبأه أنه حائك، فاشمأز منه إذ كانت هذه من المهن المحتقرة عندهم. فسأله هو عن صنعته فكره أن يكشف له عن نفسه وفضل أن يقول إنه كاتب، فما كان من الرجل إلا أن سأله جملة أسئلة عن الكتابة عجز (ابن مسعدة) عن أن يجيب أيا منها. فقال ألم تقل أنك حائك؟ قال نعم يا سيدي ولكني حائك كلام. من الطبيعي أن يستدعي هذا الخبر إلى أذهاننا فورا عبارة الجاحظ الشهيرة: "وإنما الشعر ضرب من النسج وجنس من التصوير"، فإذا ضممناها إلى الخبر سيتضح أن وصف الإنشاء الأدبي، سواء أكان شعرا أم نثرا، بعملية النسيج كان أمرا قارا في مخيلة القدماء. تتم عملية النسيج عندهم برصف خيوط عمودية غير مصبوغة، تسمى (السُّدى) على خشبة (النول) الشبيهة بإطار مستطيل الشكل، ثم يؤتى بالخيوط الملونة لتمرر عبر (السدى)، بحيث ترسم نقشا محددا أو صورة طير أو حيوان مفترس، بألوان متعددة تزين السجادة، وتسمى هذه المجموعة من الخيوط (اللُّحمة). و(السدى) هي التي تجعل النقش متماسكا، وتعطي المنسوج قوامه وحدوده الخارجية، بيد أنها غير مرئية للعيان، وما سيكون مرئيا هو (اللحمة) حسب. وحين نقابل عملية النسج بالرواية أو القصة سيمكننا أن نقول أن الحكاية أو الحبكة التي بني عليها هذا النص السردي أو ذاك تقابل (السدى) في النسيج، فهي موجودة لكنها غير مرئية، وبدونها لا يمكن للنص السردي أن يتماسك. ثم تنسج اللغة حولها كما تمرر خيوط (اللحمة) عبر (السدى) لتعطي الرواية أو القصة لونها ونقشها وصورها. يرتبط مصطلح (الراوي)، حسب الجذر اللغوي الذي أشتق منه، على الإخبار أو الحكاية، فالراوي هو الذي يروي ما حدث. بينما يشير مصطلح (حائك الكلام) إلى التشكيل اللغوي الذي صيغت به الحكاية. يرتبط مصطلح (الراوي) بسؤال الـ(ماذا)، ويرتبط مصطلح (حائك الكلام) بالسؤال الفني، سؤال الـ(كيف)، وهكذا يمكن استعمال المصطلحين معا لأن كلا منهما سيحيل على جانب محدد مختلف من العملية السردية