يحمل الحديث عن ( نوبل ) عراقيا شيئا من الغرابة وربما الجرأة ايضا انطلاقا من حراجة اللحظة العراقية الملتبسة التي نعيشها اليوم ، لحظة الانقسام و التشتت السياسي التي تترك آثارها لا مناص على مشهد الثقافة و رموزها الذين يعانون إهمالا حد الإحباط ، من بين هذه العتمة ينهض بريق دعوة ترشيح شاعر عراقي لنيل جائزة نعرف أهميتها على صعيد الجوائز مثلما نعرف حجم الالتباس و الجدل الذي يرافق معاييرها أو نوع الحاصلين عليها ، انتماءاتهم و حواضنهم و العوامل التي دفعت بأغلبهم الى الحضور في مشهد هذه الجائزة و الحصول عليهـا. ( نوبل ) عراقيا هي رسالة قبل أن تكون سعيا نحو أضواء مجد إعلامي يناله الحائز على هذه الجائزة او المرشح لها سواء كان ( مظفر النواب ) او أي رمز عراقي اخر يرى جمهور المثقفين انه جدير بالترشيح ، هي الان وقفة خاصة بالنسبة لنا ، تحريض و تحفيز ، تذكير بالاستحقاقات المنسية ، محاولة لإيقاف سيل الهدر الذي تعانيه الطاقات العراقية على شتى السبل . ( النواب ) اختيارا ليس مجاملة او اعتباطا لان النواب ليس شاعرا فحسب بل هو سادن أبدي في محراب الشعر ، ليس مناضلا كما ترد هذه المفردة في أدبيات الاحزاب السياسية التي لاكتها حد الاستهلاك و التزييف بل هو المعلّم الذي علّمنا صوفية النضال ! كيف يكون الزهد زاد المسعى ! و تحرير الذات هو أروع دروس الحرية على طريق منحها للآخرين ، الشعر عند ( النواب ) صوت الحرية و صداها و الانسانية هي الطريق . من الصعب تجزئة ( النواب ) وجودا و خطابا ، خطابه صدى وجوده المميز، وجوده الحي ، الفاعل الذي يتفصد خطابا ، هذه الكيانية قلما تتوفر لدى شعراء الجمهور و المنصات بل قلما يفكر بها أحد من طالبي المردود ، المثابرين لأجل السلطة لا لأجل الانسان كما فعلها ( النواب ) طيلة حياته المناضلة و الزاهدة بما سيدر عليه المسعى ! لا شيء سوى أن يكون من أجل أن نكون ! منذ أن ذاع خبر ترشيح النواب لنوبل نشط الجدل بين الاوساط حول اهمية و مغزى هذا الترشيح و طرح البعض من اصدقائنا اسماء اخرى تنتمي الى اشكال و مدارس شعرية مغايرة لنوع تجربة النواب التي توزعت بين العامية و الفصيح ، القصيدة و الاغنية ، الهمس و الخطاب العالي ، الصمت العميق و الاحتجاج الصاخب ، هذه الكيمياء لم ينظر لها الاصدقاء الذين رشحوا ما طاب لهم من أسماء نكنّ لها الاحترام جميعا . النواب مرشحا لنوبل ليس النواب الشاعر وحده بل الانسان و المناضل الاجتماعي و السياسي الذي يعد الشعر واحدا من أصداء روحه الشاسعة لا كلها ، النواب الذي إلتذ بزهده و سرى عاريا الا من صوته الذي حمله مصباح ( ديوجين ) في ظلمات هذا العالم. جمال جاسم امين ....
جريدة الصباح الجديد