*كانت، تجلس داخل دائرة لا تتقاطع، من الحوارات التي تحتدم، ثم تتلاشى، وتعاود الانبثاق مثل مشاعل، تصفن امام هموم الاخوة الذين ادلجت ايامهم احلام الفقراء، وهموم الكادحين، يحلم الاكبر بكيفيات ملأ بياض الوقت، ويجيء الثاني ليمسح هموم مخاوفه، بين الحلم وأخر، أكثر حدة من الايام، كانت الصغيرة، ترى الى الكتب والمجلات ، متحسرة، اذ كانت تشعر ببطء الايام وتثاقلها، وحين امسكت بأول روح كتابية سردية راوية، انتقلت طفولتها دون ان تدري لماذا، وكيف لتلج العوالم السرية لبطون الكتب، وسط هذا القلق جلست نعيمه مجيد، تترقب اوقات فراغها، لتملأها بمسرات السرد ومخاوفه، امسكت بأول خطوات البياض، بعد ان دون الاخ الاكبر سرديته الاولى الهشيم، راحت تراقب حركات الشخوص، وكيفيات وصولها الى المرام، تاملت كل ما انتجه بياض الاخوين، بفرح طاغ، وزمن جلست لتقص على البياض ، سرديتها المهمومة بالوجع، والانكسارات، أحسن بالخوف، وودت لو انها اطلقت لساقيها عنان الهروب، مواجهة البياض عند اول ختبار، وجع سيظل ممسكاً بتلابيب الكتاب، اينما حطت همومهم، وعبثت بايامهم التجارب والافكار، الادلجة الفكرية، هي من يحرك وعي نعيمه مجيد، ويمنح شخوصها الانتماء الطبقي والفكري ايضاً، لاتستطيع ثيم نعيمة التحرك خارج وعيها الايدلوجي ، الذي تتعمد الكشف عنه من خلال الحوارات الدرامية التي ترسمها بدقة ، لتعطي الصراع فعاليته المؤثرة والفاعلة داخل العقل المتلقي الجمعي، ولانها جزء من هم الانثى وخذلانها، وتخاذلاتها، تبنت نعيمة مجيد، بجد سلط اليها الانتباه، تلك العلامات التي لاتريد للأنثى ان تكون الفاعلة الأنسانية الاساس، لاحقت أوجاع الحروب، وتشظيات الانتظار، وفشل الانتماء الى الحياة بمسراتها، ظلت الانثى لدى الساردة ، هي المحرك لكل المواجع، والانهزامات وهي كثيرة، وتحتاج الى مدونات سردية، تؤرخ، وتدون، دون الابقاء على الادلجة ومخاوفها، وانثيالاتها غير الواضحة المعالم، تحتفي نعيمة مجيد، بوظيفتها الانسانية ذات الاتجاه الواحد، معتبرة هذا الاخلاص والايمان اهم وسائل وصولها الى غايات السرد ومعالمه الجمعية، ماالذي يدفع بالساردة المهارة الى اتخاذ هذه الوسيلة المؤدلجة؟
لماذا تتقصد بأن لا تمنح شخوصها السردية حرية الاختيار، وبخاصة وهي التي اختارتهم من امكنة وبيوت وازقة مختلفة المشارب والاراء؟
داخل سرديات نعيمة مجيد القصيرة، ثمة اتجاه حركي واحد، هو الذي يقود الصراع، وينميه اجتماعياً، دون ظهور صراعات مشهدية آخرى ، تمنح السرد قوة تكافيء درامي، صراعات الذات مع الفراغ لاتشد المتلقي اليها، لابد من وجود اطراف ورؤى وتشابكات، وظلت هذه السمة واضحة، حين انتقلت الساردة ، الى مانسمية السرديات التدوينية الواسعة الافاق ، والمتعددة المسافات، ظلت برغم هذه السعة، محصورة، داخل ذات الهموم والمواجع، وأثام الانكسارات التي رافقت حياة الناس، هي اقرب الى فكرة المدون التأريخي، الحريص على نقل مراسيم الايام وفواجعها بوعي السارد المؤرخ، وهو وعي تنامى وتكاثر في السنوات الاخيرة لدى السارد العراقي، الذي ازدحمت وجوداته اليومية، بسرديات تجاوزت الواقعية السحرية، وخطت لها واقعيات فجائعية لايمكن للعقلية غير العارفة ، تصورها، وتبنيها، منحت نعيمة مجيد، لغتها السردية، بعض الاختلاف عن السائد، لانها تعمد الى استخدام اللغة المسترخية، برموز مألوفة ، ومقررة مسبقاً، لغة سردياتها تمنح متلقيها بعض من الملل والفتور، لكنه يظل متابعاً الاحداث وقيمها الثيمية وكيفيات انشاء البؤر السردية المساعدة والتي ما تلبث ان تنصهر مع الثيمة السردية الكبرى، ان مرد ذلك يأتي من الهيمنة الوجدانية المؤدلجة، وهي هيمنة مشاركة، وتدوين، وبهذا اصبحت تعيمة مجيد، محور اساس في سردياتها تتحرك وتؤسس لما تريد ان تفعله برفقة من اختارتهم لمرافقتها رحلة التأثيث المعرفي التاريخية.
ألى اين تريد الساردة الوصول، وهي التي تشعر حتى اللحظة بمرارة التهميش، وقصدية الاهمال النقدي، برغم حضورها الفاعل داخل المجتمعات النخبوية، وصوتها النضالي الواضح المعالم؟
من يقف وراء اهمال النقدية العراقية، لسرديات نعيمة مجيد، واندفاعها؟
سيظل مثل هذا السؤال معلقاً، يحتاج الى اكثر من تفحص، واجابة، لا شيء يمكن ان يؤجل الاهتمام بهذه السرديات، سوى كسل النقدية العراقية، وانحراف غاياتها، حيث صارت الكتابة النقدية، والمتابعات الاستعراضية، مقابل قيمة يدفعها البعض، من اجل الحصول على ما يريد من مدح ويبغي؟
تلك واحدة من معظلات العقل النقدي العراقي ، والتي زحزحت الثقة بين المتلقي، والناقد، والمنقود، نعيمة مجيد، قررت المغايرة ، وهي ماضية فيه، دون الالتفات الى ما قد يؤجل اهتماماتها السردية اليومية ،!!