الرئيسية / إلى أمي، التي علمتني كيف أكون نهرًا لا يُصطاد

إلى أمي، التي علمتني كيف أكون نهرًا لا يُصطاد

‏إلى أمي، التي علمتني كيف أكون نهرًا لا يُصطاد

‏ 

‏١ 

‏كانت أمي تمشطُ الوقتَ بأسنانٍ مكسورة، 

‏وتعصرُ ضوء النهار من قميصها لتكوي به قلبي، 

‏تغسلُ وجهي بماءٍ قديمٍ 

‏وتُرْقِدُني في حكايةٍ لم تنتهِ بعد، 

‏كانت تقول: 

‏لا أحد ينجو من النار، 

‏لكنّ بعضنا يتعلم أن يرقصَ فيها. 

‏ 

‏٢ 

‏أمي لا تكتبُ، 

‏لكنها حينَ تغضب 

‏تُعيدُ ترتيب الكون، 

‏وتسحبُ غيمةً من السماء 

‏لتمسحَ بها دمعةً على خدِّ الغياب، 

‏ثم تعتذر للشمس 

‏لأنها سبقتها في النور. 

‏ 

‏٣ 

‏في صدرها، 

‏زنزانةٌ للقلق، 

‏تُطعمُها كلَّ مساءٍ من تعبِنا، 

‏وتُغني لها حتى تنام، 

‏أمي لا تنام 

‏هي فقط تُغلقُ عينيها كي لا نراها تنكسر. 

‏ 

‏٤ 

‏كانت تزرعُ الشايَ في أكوابِنا، 

‏وتسكبُ سُكّرها على كآبتنا، 

‏تحملُ صبرَها كعكازٍ 

‏وتتوكأ علينا 

‏كي نستقيم. 

‏ 

‏٥ 

‏سألتُها مرةً: 

‏أما زلتِ تبكين؟ 

‏قالت: 

‏أبكي حين يضحك أحدكم، 

‏كي لا يُصاب الفرحُ بالغرور. 

‏ 

‏٦ 

‏أمي لا تشبه الأمهات في الصور، 

‏هي ترتدي الحنينَ كجلدٍ ثانٍ، 

‏وتحملُ قلبها في كيسِ نايلونٍ شفاف، 

‏تفتحه كلما احتجنا، 

‏وتخيطه كلما انكسرنا. 

‏ 

‏٧ 

‏حين أموت، 

‏ستُعيدني أمي إلى الحياة 

‏بصحنِ عدس 

‏ورغيفٍ ساخن 

‏وحكايةٍ منسية 

‏عن ولدٍ خاف أن يكبر، 

‏فخبّأته في قلبها.

3-09-2025, 13:12
عودة