بغداد تحتفي بالكتاب والكتاب يحتفي بقرّائه لتضيء ليالي المدينة بالكلمة والمعرفة
مؤتمر منبر العقل يبدأ جلساته ببحث العنف والمقدس
على الرغم من مراهنة البعض على انتصار الكتاب الالكتروني على الكتاب الورقي، لكن الواقع يقول ان لرائحة الورق سحرٌ لا يُنافس، وما معارض الكتب في بغداد والبصرة والموصل الا رد حاسم على ان الكتاب الورقي سيد الساحة ومازال خير جليس في كل زمان.
على هامش معرض العراق الدولي للكتاب الذي تقيمه مؤسسة المدى بالتعاون مع الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، أقيم اليوم مؤتمر منبر العقل في قاعة الخيمة على أرض معرض بغداد الدولي، بجلسته الاولى ( العنف والمقدس)، ومحور العنف في الفكر العراقي، بمشاركة الباحث ورئيس الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق ناجح المعموري والدكتور علي المحمداوي استاذ الفلسفة في جامعة بغداد.
بدأ الناقد علي الفواز مدير الندوة بكلمة ترحيبية بالضيوف والحضور متحدثا عن السجالات التي يثيرها موضوع العنف والمقدس، بما يثيره من اسئلة بشأن مفهوم العنف، والدعوة الى البحث والمقاربة، والاشكالات التي تواجه العقل الثقافي وتواجه المؤسسة الثقافية، مثلما تواجه المجتمع وتواجه الدولة :" اخطر تجليات هذا العنف حين يرتبط بالمقدس، حين يصبح هذا العنف عنوانا لممارسة اجتماعية ولممارسة دينية أو طائفية، اليوم سنحاول ان نضيء هذه الاشكالية، اشكالية العلاقة ما بين العنف والمقدس، ولماذا ذاكرتنا مليئة بالعنف؟ لماذا المقدس اعطى لهذا العنف قوة وشراهة بحيث ان الكثير من المؤسسات والسلطات والنظم قد وجدت في هذا العنف مجالا للتعبير عن عقدها وللتعبير عن مهيمناتها ..".
بعدها قدم الاستاذ ناجح المعموري مراجعة حفرية لمفهوم العنف في الاساطير القديمة :" انا اول من كتب في هذا المجال العنف المقدس، وقد وجدت ان موضوعة العنف بدأت بوجود المقدس والكثير من الدراسات الخاصة بالأساطير والديانات القديمة ابتدأت مع المقدس ولعل اسطورة اتراحاسيس هي التي سلطت الضوء على نشوء العنف المقدس".
من الصعب ان نغيب العنف عن الدولة والسلطة سيما مع نشوء الدولة العراقية مرورا بالانقلابات والثورات، كلها فيها علامات للعنف ومهمة الباحث والاكاديمي ان يستقرئ هذه الظواهر لكي يؤسس لوعي هذه العلاقات .
كما تحدث الدكتور علي المحمداوي استاذ الفلسفة في جامعة بغداد عن العنف في الفكر الفلسفي المعاصر، مؤكدا ان الفلسفة السياسية الرابط بين تجريدات الفلسفة في مباحثها النظرية وتطبيقات الممارسة الانسانية الجماعية التي هي الفلسفة السياسية، وأشار اولا لمفهوم العنف الذي يعني الحاق الاذى بالغير او النفس :" في بعض المواقف قد لا يكون هناك حل الا بالعنف فكيف يمكن ان تقابل العنف باللا عنف؟، مثلا الدفاع عن النفس يقتضي العنف واحيانا مطلوب الرد ضد العنف المعنوي حتى لا نبدو بليدين او غير واقعيين!".
وإستعرض الدكتور المحمداوي عددا من النظريات التي تفسر اسباب العنف، إحدى هذه النظريات تقول ان العنف راكز واصيل في النفس البشرية وان العنف ليس وليد وسط خارجي يلقن الانسان ان يكون عنيفا او متسامحا او لا عنفي، والنظرية الاخرى التي تفسر اسباب العنف نتيجة الوسط والنظرية الثالثة التي ترى ان العنف متعلقا بالثقافة، اضافة الى النظرية الرابعة (اللا منطق) او الجنون المسوغ للعنف :" المقدس دائما ما ينتج عنفا، وليس شرطا ان يكون العنف مقدسا، والمقصود هنا ليس حمل السلاح، ولكن حينما امتلك حقيقة لابد ان ادافع عنها وقد الجأ الى العنف".
ختم الناقد علي الفواز الندوة بكلمة قصيرة :" يقال ان الجهل يولد الخوف والخوف يولد الكراهية والكراهية تقود الى العنف نحن نقول ان الكراهية ايضا تولد التعصب هذا التعصب الذي غالبا ما يسوغ بوصفه جزء من المقدس، اذا كان المقدس ديني اجتماعي او طائفي، وبالمقابل الدولة او المؤسسات المسؤولة غير قادرة على صياغة قانون يحمي التعدد والمكونات".
تخللت الندوة عدد من المداخلات من قبل الحضور بشأن الصراع الطبقي وهل يمكن لنا مواجهة العنف باللا عنف، ليبقى باب الحوار مفتوحا عن موضوع العنف والمقدس، وهذا ما نحتاجه اليوم للبحث في هذه الاشكالية، حوارات مع تقبل للرأي الاخر ليقودنا بالنهاية الى بر الأمان.