تكشف كتابات الروائي شوقي كريم حسن عن ذلك الاصرار المدهش على تأمل التجربة الانسانية ومتابعة حسرة الانسان العراقي الجنوبي ووجعه من تلك الريبة التاريخية التي تحيطه بها المدينة البرجوازية .
بالمقابل تكشف هذه الروايات عن تيه أبن الجنوب التاريخي وزهوه الحضاري التاريخي بقدرته على أجتراح تلك الريبة وتجاوزها بالعمل الانساني الأبداعي منذ نوح الطوفان ,أتونا بشتم –جد جلجامش وموجهه.
أن رواية مثل (لبابة السر) التي مازجت بين التاريخي الميثولوجي والواقعي قدمت لنا اسطورة امتزجت بواقعية محيرة تتماشى مع تجارب سابقة للروائي في(شروكية)و( هتلية) و(قنزة ونزة) على سبيل التمثيل لا الحصر.
أن شوقي كريم هنا وفي (لبابة السر) يدخل البناء الروائي كشخصية تتحرك ضمن محيط فاعل لا مراقب يعمل من خارج البناء الدرامي وسط مسرح الحدث ضمن شخوص لعبة التجسيد كما يفصل اسماء اللاعبين فيها في صفحتي7و8.
كان أسمه وبالحرف الاسود العريض هو الأهم من كل الأبطال هو:( المدون المجنون...شوقي بن فطيم وحيلي)!
نحن نجد المؤلف في هاتين الصفحتين التين تسبقان التشخيص الدرامي أو متن الحكاية يذكر بالتفصيل اسماء الشخوص على عادة جرجي زيدان وسائر مؤلفي الروايات مطلع القرن العشرين لتعريف القارئ بهم و أطلاعه مسبقا على أدوارهم ,وهي سمة رافقت كتاب المسرحيات العربية والعالمية ,وقد جسدها شوقي كريم أيضا في كتاباته و أصداراته المسرحية مثل( الوثوب الى القلب)) و(( ما لم يره الغريب جلجامش )) و((الميزان)) وسواها.
وقبل أن ندخل في عمق التجربة الروائية الجديدة لشوقي لابد من التفصيل في معنى ثغيب مصطلحا لغويا وبناء سرديا لدى شوقي::
يقول مغني اللبيب(الثغيب هو الطعن بالرمح,وهو أكثر ما يبقى من الماء في بطن الوادي) ويقول صاحب (تاج العروس) ما نصه( الثغيب هو الغدير في ظل جبل لا تصيبه الشمس)ويأتي معنى (الثغيب) في التاج ايضا: ثغب الشاة نحرها , وجاء في معاجم أخرى أن الثغيب هو الماء الزلال!
هكذا تتقاطع المعاني لغويا لكن الثغيب عند شوقي كريم وفي لغة الجنوب العراقي هو البكاء الصارخ حتى فقدان الصوت ,وهو النواح المستمر الذي لايسكن الابعدانتهاء قدرته على الصراخ والنواح.
(ثغيب) رواية تتماهى مع تجارب شوقي كريم غير المالوفة في البناء الدرامي والحكي الذي يمزج بين المتخيل والواقع ,بين الاداء السارد العادي (راح وجاء وبكى) وبين المزج بين العمل الركحي الجديد,حيث يغدو المسرح,أو قل البناء المسرحي متداخلا كليا مع الأداء الدرامي الخارجي,الذي يجمع بين لهفة شكرية شكر لمة وخوفها على البطل الاساسي(جبر الواضح) وبين مشاهد المحاكمة المتصلة للسيد جبر الواضح من قبل الكاهن الاعظم وعضوي اليمين واليسار .
أن مشكلة(ثغيب ) الأساسية خلال الأثنتي عشرة فصلا(سجلا) ان بطلها يحاكم وفق كسر صارخ لثوابت الأداء الواقعي,ف(جبر الواضح )مجرد كيان ميت...جثة تفوح منها ريح الموات ,لكن شوقي كريم يعيده منجديد ليجلس وسط قاعة حاشدة بالجماهير يجلس في مقدمتها الكاهن الذي هو رئيس السلطة الظاهرة والى جانبيه عضوي محكمة تستعرض جوانب من حيوات جبر الذي خضع لسلطة الحكم منذ زمن ونفذ كل المهام المطلوبة منه وسط اغنيات الثورة والجماهير...أي أرادة الحاكم –الكاهن الذي ىمنحه اوسمة الشجاعة وأنواطها ويحاكمه ايضا!
جبر الواضح,هو الأنسان العراقي المستلب الذي عمل خاضعا للحاكم طائعا له ومتمردا (ربما ) في الخفاء,وهو هنا يحاكم بعدأن رحل وترك شكرية شكرلمة في حسرة الفقدان والسيدة ذات العطر والهة حزينة...فيما يكون بقية الشخوص ضمن حيثيات السرد الدرامي,عدا(المدون المجنون...شوقي بن فطيم وحيلي) الذي يمسك بكل أقتدار بخيوط اللعبة الروائية التي تنتهي وسط ثغيب جبر ونحيب شكرية الوالهة التي فقدت سند حياتها.
لايمكن للكاهن الحاكم الأستمرار في المحاكمة غير المألوفة لميت يتحدث بكل ثقة ,بل أن الراوي العليم –المدون شوقي بن فطيم يقلب الطاولة السردية في النهاية بصراخ جبر الواضح ذاته بمحاكمة الكاهن الحاكم وعضوي المحكمة وسط كورس الاداء الاحتجاجي.
هكذا تعطيك (ثغيب ) ما هو غريب وتاريخي يختلط بالحلم واحتجاجي يتعايش مع العقل الشارد الذي اضنته المآسي,لتظل النهاية منفتحة على واقع مؤلم وحزين حيث يقدم الروائي نصا مغايرا للمالوف,,وهو أمر اعتدنا عليه من الروائي المجدد الاستاذ شوقي كريم حسن .