من البديهي أن ينطلق التشظي النصي من مفاهيم نظرية قابلة للتأويل, و يحمل دلالات تعبر عن بعد خيال الكاتب, و من خلال الدوران حول النص الرئيسي لابد أن يظهر لنا نصا موازيا يكشف أبعادا معنوية و يحقق دلالات فلسفية تشكل في مضمونها مفاهيم أخرى للنص خارج سياق النص السردي, فإذا كان النص الرئيسي هو المتن الإبداعي الذي ينبني على الثيمة الرئيسة, فإن النص الموازي ببعديه الداخلي و الخارجي يمثل نمطا ثانيا من التعالي النصي كما عرفه جينيت في كتابه «الأطراس palimpsestes», ويتكون من علاقة هي أقل وضوحًا وأكثر اتساعًا، ويقيمها النص في الكل الذي يشكله العمل الأدبي مع ما يمكن أن نسميه بالنص الموازي أو الملحقات النصية.
على غير ما جرت العادة في الكشف عن مضامين النص الموازي الداخلي, سننطلق في دراستنا هذه من النص الموازي الخارجي, والذي كان سببا رئيسيا لطلب اقتناء الرواية و دراستها, و الذي كان بمثابة اشعاع مثير و عامل جذب مباشر, و ما نعنيه بمصطلح (النص الموازي الخارجي) هوما يتعلق بالنص الرئيسي؛ ولكنه يقع في بعدين مكاني وزماني خارج نطاق الكتاب الذي يحتويه، ومن أمثلته القراءات النقدية, و الاستجوابات والحوارات واللقاءات الصحافية، و الأماسي و الندوات المقامة لأجله... الخ.
بمجرد صدور الرواية تناقلت عدة وسائل اعلامية خبر صدورها منها: صحيفة المراقب, موقع الناقد العراقي, وصحيفة آفاق حرة, جريدة الزمان, و غيرها, بما يوحي لأهمية المنجز سواء من حيث اسم الكاتب و شخصه, أو للقيمة الفنية المرتقبة من النتاج الإبداعي للمؤلف, و الذي يجعل وسائل الإعلام تترقب نتاجه الأدبي, و تقدم دعاية للمنجز يطمح إليها كافة المؤلفين, و تستفز شهية النقاد للإبحار في خفايا الكتاب, و استكشاف مكامن الجمال أو القبح في أي منجز, و طرح رؤاهم التقييمية و التقويمية حوله, و هذا ما حصل فعلا مع رواية (لبابة السر), إذ تنوعت رؤى النقاد, و تعددت أبواب البحث فيها.
وقد استحصينا نزرا مما أورده النقاد حول الرواية, و مما جاء من تلك الدراسات دراسة الناقد/ أياد الشمري إذ التقط اسلوب كتابة الرواية و اعتبره مما يميز الكاتب عن بقية الرواة, وذلك في دراسته المنشورة على جريدة البينة, و عدّه بصمة تميز لون الخطاب السردي للمؤلف, نتيجة موهبة و ثقافة جمالية وحرفية, يمتلكها الكاتب هي خلاصة رصيد خبرة وجودية وخبرة مهنية ولغة رصينة.
و يطرح الناقد/ هيثم الطيب, اشكالية فهم هذا النص محاولا فك بعض شفراته وصولا إلى فهم المعنى, واصفا اياه: "نصا سومريا بلغة حديثة", يرى من خلاله مستقبلا مشرقا للرواية العراقية.
أما محمود خيون- جريدة الصباح الجديد, يرى أن الرواية استطاعت الجمع ما بين الواقع و التأريخ والأسطورة, و عدّ تلك التجربة بمثابة المغامرة, كما يرى إنه اتجه نحو الأسطورة ليجعل منها أداة للتعبير عن رموز تتحدث وتتحرك بكل حرية, و يقتنص منها لقطة ذاكرة الحرب والدمار على مختلف حقبها الزمنية, و لا يخفي خيون مقاربة البنية الفنية لسرد ماركيز في روايته مئة عام من العزلة.
وقد ناقش عباس لطيف, في قراءته على صفحات ثقافية الزوراء, اشكالية الاستبداد المقدس والنزعة الاسقاطية, في ضوء تحول في التوجه الابداعي لتجربة الكاتب الروائية, وانتقالاتِهِ بينَ الواقعية (الشعبية) وأدب المهمشين والواقعية الاجتماعية ذات البعد السياسي وصولاً إلى روايتِهِ (لبابة السر) التي استثمرَ فيها المتن الميثولوجي باتجاه الاسقاط والترميز, مستشفا من خلال قراءته اشتغال النص الروائي على استثمار اللغة الشعرية, و الحوار بشكله المسرحي وتحليقهما تماهياً مع فضاء الأسطورة ومنطقها وأجوائها.
وعلى صفحات صحيفة (رأي اليوم) يستخلص الناقد/ حمدي العطار تقنيات السرد والجوانب الفنية والجمالية في الرواية, مستكشفا الأسلوب السردي, و تقنياته, مرورا بتعددية الشكل الحكائي, واصفا النص بالمفتوح على كل الاحتمالات, معتبرا اياه تدريب على كتابة التاريخ بأسلوب فلسفي وحضاري.
بينما تناول داود سليمان الشويلي, ود. عيسى الصباغ, جانب النص الموازي فقد استنطق الصباغ في دراسته النص الموازي الداخلي, و تأويلات خبايا الايحاءات الرمزية التي تطرحها صورة الاشتغال الفنية, و دلالاتها, بينما توجه الشويلي لدراسة الاتساق في العتبات النصية وفق جداول حسابية.
الناقد/ حميد المختار, ومن على جريدة الصباح, يرى بأن شوقي كريم قد قام بتوظيف مهاراته الأخرى في المسرح والدراما التلفازية والإذاعية, اضافة لكتابته القصة القصيرة, للوصول إلى ملحمة سردية هي صفحة جديدة لإعادة صياغة وقائع الحياة العراقية بصورة مؤسطرة.
اضافة لقراءات و دراسات أخرى لا يسعها المقال نستنتج بأن الرواية (لبابة السر) خلفت انطباعا ايجابيا لدى النقاد من حيث الأسلوب, و التقنيات الفنية, و الحبكة الدرامية, و اختيار دلالة الرمز الميثولوجي, و مهارة اسقاط الأسطورة على الواقع بتقانة سردية.
وقد تعددت تلك الدراسات من حيث أماكن نشرها بين الصحافة المحلية و العربية, و على الرغم من كثرتها لم نجد من بينها سوى بعض ايحاءات خجولة أشارت بشكل غير مباشر لغياب متعة القراءة القصصية التي يترقبها عامة القراء, و سلطت تلك الدراسات الضوء على متعة جديدة يفرضها (شوقيا) تقتحم النمط الكتابي, و تطرح انموذجا سرديا غير متداول, يجذب إليه التوجه النقدي, و يضع القراء أمام نص بحاجة للكثير من الأناة و التروي لهضم اسلوبه الحكائي, و استيضاح المبنى في تشكيل الرؤية القصصية في حبك أحداثه التاريخية.
ومن انعكاسات النص الموازي الخارجي الأخرى, فقد حظيت الرواية بحفل توقيع أقامه نادي السرد في الاتحاد العام للأدباء والكتاب ، تناول نقاشات و اضاءات نقدية عنها لمن كانوا على اطلاع مسبق على محتوى الرواية, كما أن ظهورها في معرض الكتاب ضمن جناح دار الشؤون الثقافية العامة خلال فترة وجيزة من اصدارها سيضفي طابعا دعائيا يساهم في وصولها لعدد أكبر من القراء.
و تزامنا مع اصدار الرواية تصدر مجلة ضفاف, من الشارقة, عددا خاصا عن الروائي شوقي كريم حسن, بعنوان (رحلة ابداع موجعة), في عددها ال (٣٢) يسهم فيه كبار الكتاب.
وكما قدّم لنا النص الموازي الخارجي من فسيفساء منوّعة, فإن النص الموازي الداخلي أرخى بظلاله على تشظيات أخرى حملت دلالات مختلفة سنتناولها بدءا من الغلاف الذي حمل صورة ذات دلالة سيميائية تعكس صورة المرحلة التاريخية المناط الحديث حولها, و اتخذت اسلوبا ايحائيا سينمائيا/ تصويريا بالتقاط صورة الملك من الأسفل للأعلى مما يعطي انطباعا لقوة و نفوذ السلطة , مع ما يحيط بها من ايحاءات أخرى متمثلة برسم الجبل على امتداد جسد الملك, و فرد الذراعين الدال على الهيمنة و الاحتواء, إلى جانب صور الشعب أسفل قدميه في حالة من الكدح و الضجر و العمل الدؤوب, و هي رسائل كشفت بدلالاتها عن ملحمة مرتقبة في النص السردي.
ومن الغلاف أيضا, يظهر العنوان الغامض (لبابة السر), و معناه: الخالص المختار من كل شيء، سيد القوم, يقال: "هي لبابة القبيلة"، أي خيارهنَّ, واللبابة: قلب الثمرة، وما في جوفها, و هكذا نجد بأن اختيار العنوان مرافقا للصورة يتماشى مع ما سيقدمه السرد لاحقا, بل و يمتد تأثير العنونة إلى العناوين الثانوية التي حرص الكاتب على اضفائها بصورة مغايرة عن المألوف.
(شوقيا) –أعترف- رجل ذكي, رمى بورقة الجوكر على الصفحة الأولى, ليجذب انتباه الناقد قبل القارئ, إذ يوجه المتلقي إلى نقاط رئيسية – في منظوره – وضعها في عتبتين, الأولى تحت عنوان (توضيح المقصد), و ترك ما أراد توضيحه لاستنتاج المتلقي ( تللك حقيقة, الرقم, التواريخ, الرواة, حقائق, شهود, و الآتي من الأيام... الخ), و من على نفس الصفحة تترنم العتبة الثانية بحقيقة تكررت كثيرا في الدين الإلهي وهي ان عشتار - الدنيا منقادة في كثير من الأحيان للملوك الذين لم ينصبهم الله لأنهم ساجدون وخاضعون لها, فهم يعبدون شهواتهم الدنيوية، وهي رسالة تنتقل بالنص لأزمنة متعددة.
المقدمة جاءت بقلم الدكتور جاسم الخالدي ليوجز (464) صفحة في نصف ورقة كانت كافية للإحاطة بمضمون الرسالة.
على غير ما جرت عليه عادة تقسيم المنجز إلى فصول أو أقسام يضعنا المؤلف أمام تقسيم جديد بدأ ب(الرقيم الأول), ومن ثم تتوالى تلك الرُّقم, (الرقيم الثاني, الرقيم الرابع3, الرقيم السابع4, الرقيم السادس5, الرقيم العاشر6... الخ).
ماذا تفعل يا (شوقيا)؟ هل يتلاعب الكاتب بذهن القارئ؟ أم أن الرسالة عميقة جدا ليستوعبها القلة القليلة؟ حين يرد الرقيم الثاني في الصفحة (8) من الرواية فمن المفترض – حسابيا- أن يليها الرقيم الثالث, إلا أننا نتفاجأ بظهور الرقيم الرابع و غياب الثالث, و هكذا غياب الخامس و ظهور السادس, و غياب السابع و الثامن و التاسع و ظهور العاشر... فأين اختفت تلك الرُّقم, و ما الاشارة التي يريد ايصالها لنا؟ هل أن التاريخ يصلنا مقطع الأوصال, أم مخدوشا بالمغالطات, أم مغيب الحقائق؟ و حين نقع تحت وطأ الأسئلة, يأتي الجواب: ما غاب هناك ظهر هنا بصورة مختلفة, فالرقيم الثالث الغائب في تلك الحقبة تظهر له صورة مشابهة في الصفحة (139), والخامس المفقود سيظهر في الصفحة (238), وهنالك (رقيم مخروم الترقيم) في الصفحة (209).
فما بال تلك الرقم لم تأت متسلسلة كما ينبغي؟ و لم احتوى البعض منها أرقاما رياضية, و كأنها جزء من كل؟ ربما علينا الحرص على ابقاء المؤلف قيد الحياة ليجيب عن تلك التساؤلات, قبل أن نجتهد بالتأويلات التي تزيد الغموض و تشرّع الأبواب للتكهنات.
جانب مهم من النص الموازي تكاد العديد من الاصدارات لا تعطيه حقه, أو لا تستشعر أهمية وجوده, و يقع اللوم على المؤلف بالدرجة الأولى, و من ثم الدار المعنية بالنشر, فبالنظر لرواية لبابة السر, يتوجب علينا الجهر بالسلبيات كما أشدنا بالإيجابيات, فالمؤلف مدرسة ترنو إليها الأجيال, و خبرة سردية تتيح له اتقان المنجز من كافة جوانبه, و أما الناشر (دار الشؤون الثقافية العامة- وزارة الثقافة) فمؤسسة رصينة يتطلع إليها جهابذة الكتاب و الأدباء, و بنفس الوقت جهة حكومية تمثل الواجهة الأهم في البلد, و تخضع المواد المعروضة عليها للجنة فنية مختصة بالتأليف و الترجمة و النشر, و ما نعلمه لأولادنا بالمدارس, و نحثهم عليه ينبغي أن نبدأه بأنفسنا, فالرواية شهدت أخطاء املائية فادحة تركزت في همزتي الوصل و القطع في العديد من المفردات, ولا عذر لنسبها لسرعة الكتابة أو أخطاء الكيبورد, أما الجانب الآخر فكانت علامات الترقيم, فقد تكررت النقاط (.......) نقصا أو زيادة, ومن المفترض أن تكون ثلاث لا فوقها و لا تحتها, كذلك علامات التعجب و الاستفهام, فهي واحدة فقط لن تقدم زيادتها شيئا في فهم القصد, و هي علامة واحدة أينما كانت, و كذلك بقية علامات الترقيم التي يتوجب وجودها نهاية الكلمة مباشرة و ليس بينها وبين آخر كلمة أية مسافات, و هنا تكمن أهمية عرض النص للتدقيق و التنقيح قبل المباشرة بالطباعة.
أخيرا... تظهر لنا صورة الخاتمة تاريخ انتهاء كتابة الرواية سنة 2000, بينما طباعتها في 2020, فهل ينبغي على الكاتب أن يجيب على السؤال: "لماذا؟".
تلك الدلالات التي قدمها النص الموازي لا تقل أهمية عن النص المركزي, بل جاءت مكملة لكثير من الايحاءات التي طرحها النص, فكانت بجدارة تستحق الدراسة.
على غير ما جرت العادة في الكشف عن مضامين النص الموازي الداخلي, سننطلق في دراستنا هذه من النص الموازي الخارجي, والذي كان سببا رئيسيا لطلب اقتناء الرواية و دراستها, و الذي كان بمثابة اشعاع مثير و عامل جذب مباشر, و ما نعنيه بمصطلح (النص الموازي الخارجي) هوما يتعلق بالنص الرئيسي؛ ولكنه يقع في بعدين مكاني وزماني خارج نطاق الكتاب الذي يحتويه، ومن أمثلته القراءات النقدية, و الاستجوابات والحوارات واللقاءات الصحافية، و الأماسي و الندوات المقامة لأجله... الخ.
بمجرد صدور الرواية تناقلت عدة وسائل اعلامية خبر صدورها منها: صحيفة المراقب, موقع الناقد العراقي, وصحيفة آفاق حرة, جريدة الزمان, و غيرها, بما يوحي لأهمية المنجز سواء من حيث اسم الكاتب و شخصه, أو للقيمة الفنية المرتقبة من النتاج الإبداعي للمؤلف, و الذي يجعل وسائل الإعلام تترقب نتاجه الأدبي, و تقدم دعاية للمنجز يطمح إليها كافة المؤلفين, و تستفز شهية النقاد للإبحار في خفايا الكتاب, و استكشاف مكامن الجمال أو القبح في أي منجز, و طرح رؤاهم التقييمية و التقويمية حوله, و هذا ما حصل فعلا مع رواية (لبابة السر), إذ تنوعت رؤى النقاد, و تعددت أبواب البحث فيها.
وقد استحصينا نزرا مما أورده النقاد حول الرواية, و مما جاء من تلك الدراسات دراسة الناقد/ أياد الشمري إذ التقط اسلوب كتابة الرواية و اعتبره مما يميز الكاتب عن بقية الرواة, وذلك في دراسته المنشورة على جريدة البينة, و عدّه بصمة تميز لون الخطاب السردي للمؤلف, نتيجة موهبة و ثقافة جمالية وحرفية, يمتلكها الكاتب هي خلاصة رصيد خبرة وجودية وخبرة مهنية ولغة رصينة.
و يطرح الناقد/ هيثم الطيب, اشكالية فهم هذا النص محاولا فك بعض شفراته وصولا إلى فهم المعنى, واصفا اياه: "نصا سومريا بلغة حديثة", يرى من خلاله مستقبلا مشرقا للرواية العراقية.
أما محمود خيون- جريدة الصباح الجديد, يرى أن الرواية استطاعت الجمع ما بين الواقع و التأريخ والأسطورة, و عدّ تلك التجربة بمثابة المغامرة, كما يرى إنه اتجه نحو الأسطورة ليجعل منها أداة للتعبير عن رموز تتحدث وتتحرك بكل حرية, و يقتنص منها لقطة ذاكرة الحرب والدمار على مختلف حقبها الزمنية, و لا يخفي خيون مقاربة البنية الفنية لسرد ماركيز في روايته مئة عام من العزلة.
وقد ناقش عباس لطيف, في قراءته على صفحات ثقافية الزوراء, اشكالية الاستبداد المقدس والنزعة الاسقاطية, في ضوء تحول في التوجه الابداعي لتجربة الكاتب الروائية, وانتقالاتِهِ بينَ الواقعية (الشعبية) وأدب المهمشين والواقعية الاجتماعية ذات البعد السياسي وصولاً إلى روايتِهِ (لبابة السر) التي استثمرَ فيها المتن الميثولوجي باتجاه الاسقاط والترميز, مستشفا من خلال قراءته اشتغال النص الروائي على استثمار اللغة الشعرية, و الحوار بشكله المسرحي وتحليقهما تماهياً مع فضاء الأسطورة ومنطقها وأجوائها.
وعلى صفحات صحيفة (رأي اليوم) يستخلص الناقد/ حمدي العطار تقنيات السرد والجوانب الفنية والجمالية في الرواية, مستكشفا الأسلوب السردي, و تقنياته, مرورا بتعددية الشكل الحكائي, واصفا النص بالمفتوح على كل الاحتمالات, معتبرا اياه تدريب على كتابة التاريخ بأسلوب فلسفي وحضاري.
بينما تناول داود سليمان الشويلي, ود. عيسى الصباغ, جانب النص الموازي فقد استنطق الصباغ في دراسته النص الموازي الداخلي, و تأويلات خبايا الايحاءات الرمزية التي تطرحها صورة الاشتغال الفنية, و دلالاتها, بينما توجه الشويلي لدراسة الاتساق في العتبات النصية وفق جداول حسابية.
الناقد/ حميد المختار, ومن على جريدة الصباح, يرى بأن شوقي كريم قد قام بتوظيف مهاراته الأخرى في المسرح والدراما التلفازية والإذاعية, اضافة لكتابته القصة القصيرة, للوصول إلى ملحمة سردية هي صفحة جديدة لإعادة صياغة وقائع الحياة العراقية بصورة مؤسطرة.
اضافة لقراءات و دراسات أخرى لا يسعها المقال نستنتج بأن الرواية (لبابة السر) خلفت انطباعا ايجابيا لدى النقاد من حيث الأسلوب, و التقنيات الفنية, و الحبكة الدرامية, و اختيار دلالة الرمز الميثولوجي, و مهارة اسقاط الأسطورة على الواقع بتقانة سردية.
وقد تعددت تلك الدراسات من حيث أماكن نشرها بين الصحافة المحلية و العربية, و على الرغم من كثرتها لم نجد من بينها سوى بعض ايحاءات خجولة أشارت بشكل غير مباشر لغياب متعة القراءة القصصية التي يترقبها عامة القراء, و سلطت تلك الدراسات الضوء على متعة جديدة يفرضها (شوقيا) تقتحم النمط الكتابي, و تطرح انموذجا سرديا غير متداول, يجذب إليه التوجه النقدي, و يضع القراء أمام نص بحاجة للكثير من الأناة و التروي لهضم اسلوبه الحكائي, و استيضاح المبنى في تشكيل الرؤية القصصية في حبك أحداثه التاريخية.
ومن انعكاسات النص الموازي الخارجي الأخرى, فقد حظيت الرواية بحفل توقيع أقامه نادي السرد في الاتحاد العام للأدباء والكتاب ، تناول نقاشات و اضاءات نقدية عنها لمن كانوا على اطلاع مسبق على محتوى الرواية, كما أن ظهورها في معرض الكتاب ضمن جناح دار الشؤون الثقافية العامة خلال فترة وجيزة من اصدارها سيضفي طابعا دعائيا يساهم في وصولها لعدد أكبر من القراء.
و تزامنا مع اصدار الرواية تصدر مجلة ضفاف, من الشارقة, عددا خاصا عن الروائي شوقي كريم حسن, بعنوان (رحلة ابداع موجعة), في عددها ال (٣٢) يسهم فيه كبار الكتاب.
وكما قدّم لنا النص الموازي الخارجي من فسيفساء منوّعة, فإن النص الموازي الداخلي أرخى بظلاله على تشظيات أخرى حملت دلالات مختلفة سنتناولها بدءا من الغلاف الذي حمل صورة ذات دلالة سيميائية تعكس صورة المرحلة التاريخية المناط الحديث حولها, و اتخذت اسلوبا ايحائيا سينمائيا/ تصويريا بالتقاط صورة الملك من الأسفل للأعلى مما يعطي انطباعا لقوة و نفوذ السلطة , مع ما يحيط بها من ايحاءات أخرى متمثلة برسم الجبل على امتداد جسد الملك, و فرد الذراعين الدال على الهيمنة و الاحتواء, إلى جانب صور الشعب أسفل قدميه في حالة من الكدح و الضجر و العمل الدؤوب, و هي رسائل كشفت بدلالاتها عن ملحمة مرتقبة في النص السردي.
ومن الغلاف أيضا, يظهر العنوان الغامض (لبابة السر), و معناه: الخالص المختار من كل شيء، سيد القوم, يقال: "هي لبابة القبيلة"، أي خيارهنَّ, واللبابة: قلب الثمرة، وما في جوفها, و هكذا نجد بأن اختيار العنوان مرافقا للصورة يتماشى مع ما سيقدمه السرد لاحقا, بل و يمتد تأثير العنونة إلى العناوين الثانوية التي حرص الكاتب على اضفائها بصورة مغايرة عن المألوف.
(شوقيا) –أعترف- رجل ذكي, رمى بورقة الجوكر على الصفحة الأولى, ليجذب انتباه الناقد قبل القارئ, إذ يوجه المتلقي إلى نقاط رئيسية – في منظوره – وضعها في عتبتين, الأولى تحت عنوان (توضيح المقصد), و ترك ما أراد توضيحه لاستنتاج المتلقي ( تللك حقيقة, الرقم, التواريخ, الرواة, حقائق, شهود, و الآتي من الأيام... الخ), و من على نفس الصفحة تترنم العتبة الثانية بحقيقة تكررت كثيرا في الدين الإلهي وهي ان عشتار - الدنيا منقادة في كثير من الأحيان للملوك الذين لم ينصبهم الله لأنهم ساجدون وخاضعون لها, فهم يعبدون شهواتهم الدنيوية، وهي رسالة تنتقل بالنص لأزمنة متعددة.
المقدمة جاءت بقلم الدكتور جاسم الخالدي ليوجز (464) صفحة في نصف ورقة كانت كافية للإحاطة بمضمون الرسالة.
على غير ما جرت عليه عادة تقسيم المنجز إلى فصول أو أقسام يضعنا المؤلف أمام تقسيم جديد بدأ ب(الرقيم الأول), ومن ثم تتوالى تلك الرُّقم, (الرقيم الثاني, الرقيم الرابع3, الرقيم السابع4, الرقيم السادس5, الرقيم العاشر6... الخ).
ماذا تفعل يا (شوقيا)؟ هل يتلاعب الكاتب بذهن القارئ؟ أم أن الرسالة عميقة جدا ليستوعبها القلة القليلة؟ حين يرد الرقيم الثاني في الصفحة (8) من الرواية فمن المفترض – حسابيا- أن يليها الرقيم الثالث, إلا أننا نتفاجأ بظهور الرقيم الرابع و غياب الثالث, و هكذا غياب الخامس و ظهور السادس, و غياب السابع و الثامن و التاسع و ظهور العاشر... فأين اختفت تلك الرُّقم, و ما الاشارة التي يريد ايصالها لنا؟ هل أن التاريخ يصلنا مقطع الأوصال, أم مخدوشا بالمغالطات, أم مغيب الحقائق؟ و حين نقع تحت وطأ الأسئلة, يأتي الجواب: ما غاب هناك ظهر هنا بصورة مختلفة, فالرقيم الثالث الغائب في تلك الحقبة تظهر له صورة مشابهة في الصفحة (139), والخامس المفقود سيظهر في الصفحة (238), وهنالك (رقيم مخروم الترقيم) في الصفحة (209).
فما بال تلك الرقم لم تأت متسلسلة كما ينبغي؟ و لم احتوى البعض منها أرقاما رياضية, و كأنها جزء من كل؟ ربما علينا الحرص على ابقاء المؤلف قيد الحياة ليجيب عن تلك التساؤلات, قبل أن نجتهد بالتأويلات التي تزيد الغموض و تشرّع الأبواب للتكهنات.
جانب مهم من النص الموازي تكاد العديد من الاصدارات لا تعطيه حقه, أو لا تستشعر أهمية وجوده, و يقع اللوم على المؤلف بالدرجة الأولى, و من ثم الدار المعنية بالنشر, فبالنظر لرواية لبابة السر, يتوجب علينا الجهر بالسلبيات كما أشدنا بالإيجابيات, فالمؤلف مدرسة ترنو إليها الأجيال, و خبرة سردية تتيح له اتقان المنجز من كافة جوانبه, و أما الناشر (دار الشؤون الثقافية العامة- وزارة الثقافة) فمؤسسة رصينة يتطلع إليها جهابذة الكتاب و الأدباء, و بنفس الوقت جهة حكومية تمثل الواجهة الأهم في البلد, و تخضع المواد المعروضة عليها للجنة فنية مختصة بالتأليف و الترجمة و النشر, و ما نعلمه لأولادنا بالمدارس, و نحثهم عليه ينبغي أن نبدأه بأنفسنا, فالرواية شهدت أخطاء املائية فادحة تركزت في همزتي الوصل و القطع في العديد من المفردات, ولا عذر لنسبها لسرعة الكتابة أو أخطاء الكيبورد, أما الجانب الآخر فكانت علامات الترقيم, فقد تكررت النقاط (.......) نقصا أو زيادة, ومن المفترض أن تكون ثلاث لا فوقها و لا تحتها, كذلك علامات التعجب و الاستفهام, فهي واحدة فقط لن تقدم زيادتها شيئا في فهم القصد, و هي علامة واحدة أينما كانت, و كذلك بقية علامات الترقيم التي يتوجب وجودها نهاية الكلمة مباشرة و ليس بينها وبين آخر كلمة أية مسافات, و هنا تكمن أهمية عرض النص للتدقيق و التنقيح قبل المباشرة بالطباعة.
أخيرا... تظهر لنا صورة الخاتمة تاريخ انتهاء كتابة الرواية سنة 2000, بينما طباعتها في 2020, فهل ينبغي على الكاتب أن يجيب على السؤال: "لماذا؟".
تلك الدلالات التي قدمها النص الموازي لا تقل أهمية عن النص المركزي, بل جاءت مكملة لكثير من الايحاءات التي طرحها النص, فكانت بجدارة تستحق الدراسة.