امنحوا الحدباء للأدباء...
أجل... لقد فرّطتم بالوطن... لأن أذواقكم البور أصرّت على أن لا ترى إلا مزاج أعينها العمياء... أجل... لقد قصّرتم بأن تسوّروا الحياة بالورد، فطوّقها الموت الذي تجتذبه الأفكار السود... أجل... سيحاكمكم التاريخ ذات يوم، لكننا سنحاكمكم الآن... الآن... فاليوم تاريخٌ للغد... فقط اسألوا أنفسكم: لماذا عمَّ كلُّ الخراب في عراق الحضارة التي مازلتم تتبجحون بأنكم خلفٌ لأسلافها ؟ وأمعنوا البصر لتروا ماذا تبقى من أرباب الحكم على مرّ الأزمان...؟ - إنّ ملحمةً واحدةً خلدت أكثر من كل الحروب... ومنحوتاتٍ بيض ظلت شاهدةً على تطور الأمم... وقصائد عصماء أضحت مفاخر للناس... واليوم... بعد تجربة مريرة تحت سياط الإرهاب الذي ما كان له أن يتفرعن لولا الإهمال المتعمد منكم للثقافة والمثقفين، مازلتم تنطلقون من إحساس مخجل بأن الوطن لكم، وللآخرين الجحيم. نسوق قولنا هذا، لأن العراق الجديد أبى أن يكون إلا ظالماً لأصحاب الفضل في إشراقة الكلمة الأولى، ولأن نينوى / أم الربيع والثقافة وهي تتحرر من دنس الإرهاب، مازالت تحتاج إلى تــــَــــحرُّر عقول حكّامها من رؤاهم الإقصائية. إن رفض مجلس محافظة نينوى تخصيص مقرٍّ دائم لأدباء المدينة يشكّل نقطة عارٍ في جبين التحرير الكامل، ونشازاً في لغة الانطلاق السليم، وثلمةً في وجه الدماء التي سالت لتطهّر الأرض، ليعمّ السلام، لا لكي تعود ذات الوجوه التي لم تؤمن بالسلام والمدنية والثقافة والإبداع، وهي تحوّل قضيةً جوهرية مثل حقّ الأدباء بمكان خاص لهم، يشعّ أمناً على المدينة، إلى تسويف وتأجيل ومنّة. نتحدث اليوم عن العراق الذي وهب العالم أبا تمام والمتنبي والحليّ وعبد الباقي العمري والجواهري والسياب ونازك الملائكة ومظفر النواب وعثمان الموصلي، وآخرين تتوه الأرقام في عدّهم. نتحدث عن الوطن الذي لا يفخر إلا بمبدعيه بعد أن سجّل سياسيوه نقط الخسارة في مرمى مواطنيهم. نتحدث عن الأدباء والمثقفين والفنانين صنّاع الحياة، وهم يقفون أمام مجلس اللئام كالأيتام. نتحدث عن كل الفرقاء المتقاتلين المتّحدين في ظلم المعرفة والفكر. أيها الرأي العام عالمياً وعربياً وعراقياً... إن اتحاد الأدباء لا يطالبُ الآن، بل يقاتل بكل ما تحمله الكلمة من شرف الدفاع، والأفعال من جدوى التفجّر، ويستنكر كل محاولة لمنع أدباء نينوى من مقرٍّ ثابت لهم، في حين هم استحلوا ثباتهم على الرغم من كل القهر الذي لاقوه من الظلم والإرهاب، وجسدوا نجوماً من المواقف بعدم انجرارهم نحو السقوط إلى الهاوية، في زمنٍ سقط فيه الكثيرون. فإلى رئاسة الجمهورية... ورئاسة الوزراء... ورئاسة مجلس النواب... ووزارة الثقافة... ومجلس محافظة نينوى... وإلى رئاسة لجنة الثقافة في البرلمان ممثلةً برئيستها التي تنفّست عبير نينوى مدينتها الأثيرة. إلى أرباب آشور والحضر... إلى أول مكتبة عرفها التاريخ على هذه الأرض... امنحوا أدباء المدينة مكانهم السامق... امنحوهم الحدباء فهم أولى بتجبير انحنائها... امنحوهم الجامع الذي أطلَّ منه الإرهاب ليهشموه بالقصائد، ويبنوه بالسرد، ويوصلوا فكرة أن الإرهاب يُطرد بالثقافة والمدنية. لقد أثبتت الثقافة أنها المنجى الوحيد في زمن اختلاط الدماء، وأنها طوق خلاصنا، ووسيلتنا لتحقيق الهوية الوطنية الجامعة، وأنها آخر ما تبقى لدينا من مشتركات. امنحوا الأدباء مكانهم المستحق في نينوى... وسيتكفل الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق بتأثيثه وتجهيزه بكل مستلزماته... امنحوا المدينة أمنها لتطمئن أرواح الشهداء حين ترثيهم حناجر الشعراء... امنحوا الوطن مستقرّه ليعود مهرجان أبي تمام يانعاً بمحبي الحياة، وهم يملأون ضمادات المدينة بقبل الزهور. كما ندعو كلّ أهل المدن العراقية، والأدباء من كل المحافظات للتبرع بالكلمات والموجودات، والإصرار على أن نحقق نصرنا في الموصل، لنعود فنُجبر بقية المدن لمنح أدبائها ما يستحقون. لقد آن وقت الحراك والصراع ضدَّ كل من يحمل الظلام ديدناً له... وآن اعتصامنا الذي سيدور تدريجياً ليفور أخيراً بوجه كلِّ من لا يعير قيم الجمال استحقاقها. السلام على نينوى محررةً... صابرةً... صامدةً... قدرها أنها تقارع في حالتي الحرب والرخاء. السلام على أدبائها الذين لن نسكت، حتى نسقط آخر من يقف في وجه إعطائهم استحقاقهم في الوجود. السلام على المتحف الذي سيورق، التماثيل التي ستعود، والحضارة التي ستكتب من جديد، والغناء الذي سيعلو، والغابات التي ستورق، والقصائد التي ستصدح، والروايات التي ستحاكم جبن المتخاذلين. السلام على ابنة الأنهار وهي ستمثل بأدبائها مقرّاً ومستقرّاً للعراق الجديد. عمر السراي الناطق الإعلامي لاتحاد الأدباء في العراق
30-05-2017, 13:59
عودة