* لأنه بهدوء عثق تمر برحي، وصخب شط الفرات، كان لايستقر عند لحظة ترقب واحده، يشظي وجوده الذي لم تكتمل ملامحه بعد، زارعا اسئلة حيرته، عند سعة الوسائد، وقلق المجهول، وغرابة هذا العالم الذي لم يك منصفاً لابناء جلدته، بين معنى الانسان وغرابة سلوكياته، كانت روحه تصاب بالحيرة والارتجاج ، وماان يختلي لوحدته ، حتى يمسك بثور يشبه ذاك الذي امسك به جلجامش وصاحبه القوي، ليصارعه عنوة، ليس ثمة طرقات مقطوعة، ولا ضجيج لفقراء، بل امطار من هذيانات الاسئلة التي يشعر معها بمرارة الروح، كان يقتعد علو رغباته، ليصير حكاءً مع بعض من التلكؤ وعدم دقة التوضيح، لكنه تمسك برغبته تلك، وجد فجأة ان الفن اوسع ابواب الاحتجاج، وان الحياة دون فنان محتج ، حياة مقهورة وظالمة، بنهم معرفي يقرأ، وبصلادة يبحث عن درب يمنح خياراته التي تعددت معنى، كان مشوشاً، يشوب خطواته قلق الاختيار، تتأرجح روحه بين أن يكون نجماً تمثيلياً، بشبه اولئك الذين اغرم بهم، وبين ان يكون منتجاً معرفياً، ظلت تأرجحاته متلاحقة، يرغب هنا، لكنه يبصر الى هناك حيث قوى التعبير الكبيرة التأثير على الوجدانية، خطواته اتضحت بمعانيها حين ولج درب المعرفة التامه مع اساتذة اكفاء وكبار، ينظر اليهم وثمة سؤال يراود حضوره، من اين لهم هذا التأثير وهل يمكن ان اكون مثلهم، بين جدليات سامي عبد الحميد، وطروحات عوني كرومي، واحتجاجات ابراهيم جلال، وهدوء عقيل مهدي، تمسك حسين علي هارف برضاه، احب ان يكون مجسداً بارعاً، وان يكون مخرجاً لايجاريه احد، واحب ان يكون كاتباً يقفز من مواقع دراسته الى حيث يجلس متربعاً على عرش الدراما وليم شكسبير، وهذا هو المحتل بعينه، لاتتوافر خواص المجسد المعرفي المحكم لدى حسين علي هارف، لهذا اختار ان يقدم خطاباً تجسيدياً فردياً، وهذا واحد من الاخطاء التي وقع فيها الكثير من الاقدم والاحدث، يكتب ويمثل ويخرج، ليظهر التجسيد بضعف مرضي واضح، اذمن المحال الامساك بكل خيوط اللعبة، المسرحية ، وجعلها مضيئة وقادرة على ان تأخذ اليها المتلقي، وتجعله يتبنى وجودها كأرث فكري جمالي، رغم هذه الاشارة ظل هارف متمسكاً بوجوده التعبيري في مشهديات الشخصية الواحدة، لكنه وبفطنه العارف، وتعددياته الاكتشافية ، وهو المصاب باالحنين الى طفولة الوسائد وحكاياتها، عرف ان خطابه الانساني سيبدأ من حيث يقف طفل متعوب هناك مترقباً مشدوداً الى الدهشة، فتح ابواب المعنى الخاص لخطابات الطفولة ، معتمداً على خطابها التعليمي، الذي كان يمكن ان يستمرويؤتي فعله التأثيري، لولا تلك العثرات الاجتماعية والسياسية التي رافقت انسانيتنا مصحوبة بخراب مخجل وتافه ايضاً، رغم محنة الوجود الجمعي، ظل حسين علي هارف، يبحث عن مخرج هنا، وحاولة اعلان هناك، ولكن خارج سرب الطفولة وهمومها، صار حضوره لمهرجانات تعقد خارج البلاد اهم من البحث عن طريق يوصل به غاياته ومرامية الى طفولة مقحوطة مثل الطفولة العراقية، ماذا لو اتخذ حسين علي هارف، من الشارع فضاءً مشهدياً؟
ماذا لو حمل هموم الطفولة وطرق ابواب المدارس الفقيرة في جنوب العراق ووسطه؟.ماذا لو حرر العرض التجسيدي من بعض فخامته وتعامل مع الاشتغالات الجمالية بروح التحدي الفاعل؟
الاسئلة حادة فعلاً، وبخاصة بعد انتقال هارف الى مكونات الدمى، وان كانت دماه بسيطة لاتعتمد الادهاش الذي يبحث عنه الطفل ويوده؟
تحركات حسين علي هارف مرهونة بتوقفاتنا الاجتماعية والسياسية، لهذا هو كثير الارتباك، شديد الانكسار، بشعر بالغبن والهزيمة في مرات عدة، يوما قيل للمتنبي.. لم انت شديد الكراهية.. شديد الانكسار والاعتداد بالنفس.. فقال مختصراً الاجابات.. كلما وجدت طريقاً لمسيري وجدته مقفلاً وهذا يدفعني الى البحث عن طريق اخر !!
تلك لعبة لاتنتهي ولكنها تستحق المغامرة والبحث والأستمرار ، مع التحول التنظيري الذي حوله حسين علي هارف ، الى توثيق تاريخي ومصدر شروحي مهم لتجارب تجسيدية تهتم بالطفل وغاياته ومراميه، وان كانت تجارب هذا التجسيد بسيطة ولم تستطع ان تسجل وجودها المتفاعل، رغم اشتغالات قاسم محمد ومنتهى محمد عبد الرحيم وحسين حسين علي صالح وعباس الخفاجي وغيرهم.
هي مرحلة مغايرة، ويجب تفحصها بدقة وبخاصة بعد انتشار وسائل المعرفية التي تهتم بالطفولة، لم يعد الراعي والبنات السبع، ولا حتى ليلى والذئب بقادرة على الادهاش، يحتاج حسين علي هارف، الى قراءات فكرية يعمل على تجسيدها بما يشد المتلقي الطفل اليها، وهذه مهمة جمالية نبيلة. والمثير لحزن حسين علي هارف، ان النقدية العراقية المعنية بالمسرح، لم تلتفت الى تجاربه وما اشارت اليه توضيحاً وتعريفاً وجعلته يسبح لوحده، داخل مختبر متغير كل لحظة!!